سابقة منشورة بمجلة 1970
سابقة منشورة بمجلة 1970
محكمة الإستئناف العليا
حكومة السودان ضد محمد نور مصطفى
م أ/ م ك /544/1969
المبادئ
قانون العقوبات- تسبيب الموت عندما يكون القصد تسبيب الأذى- المادة 254 من قانون العقوبات- تطبيق هذه المادة في الحالات التي يحصل فيها الاذى في أطراف الجسم وتحصل الوفاة نتيجة لمضاعفات صحية ناتجة من ذلك الأذى
المادة 254 من قانون العقوبات يمكن تطبيقها في الحالات التي يحصل فيها الأذى في أطراف الجسم كالرجل مثلاً وتحصل الوفاة نتيجة لمضاعفات ناتجة من ذلك الأذى وليس في الأجزاء الحساسة من الجسم
الحكم:
المحامي: شمس الدين اللدرعن المتهم
عثمان الطيب (رئيس القضاء)- أكتوبر 20/1969- أنعقدت المحكمة الكبرى في محكمة الخرطوم جنوب ما بين 19 و 26/7/1969 لمحاكمة المتهم المذكور أعلاه متهماً بأنه في يوم 19/7/1968 بعشش الخرطوم ضرب المتوفي شرف الدين طه وسبب وفاته وبذلك يكون ارتكب جريمة القتل الذي يحاكم عليها تحت المادة 251 من قانون العقوبات إدانة المحكمة الكبرى المتهم تحت هذه المادة وحكمت عليه بالإعدام
إني لأعجب كيف يحصل هذا التأخير في محاكمة القضية حتى في مدينة الخرطوم ذاتها بما فيها من العدد الكبير من القضاة مع تيسير كل الظروف إنها مدة سنة كاملة منذ وقوع الجريمة إلي وقت المحاكمة كيف يمكن أن نتفادى هذا الجواب يوجد في إهتمام القضاة بالقيام بواجباتهم
وقائع القضية كما وجدتها المحكمة وأيدتها البينات هي كالأتي
المتهم والمتوفى ومعهما موسى إسماعيل نصر (شاهد الإتهام الثاني) يسكنون في منزل واحد بالعشش في عصر يوم الحادث كان ثلاثتهم مع الآخرين في الإنداية يشربون المريسة إنسحب شاهد الإتهام الثاني أولاً وذهب إلي المنزل وأنسحب في أول الليل المتوفي وذهب حيث جلث مع شاهد الاتهام الثالث الأخيرة يتجاذبون أطراف الحديث وفي حوالي الساعة التاسعة مساء خرج المتهم من الإنداية وفي طريقه إلي المنزل وجد الثلاثة الآخرين وأقراهم السلام وبما إنهم كانوا مشغولين في أحاديثهم لم يرد أحمد منهم عليه وكرر السلام ومعه ألفاظ بذيئة وعندما أبدو إستغرابهم من ذلك كرر تلك الألفاظ البذيئة وهنا قام إليه المتوفي وحاول نصحه بأن يعرض عن تلك الألفاظ وأراد أن يقوده لكي يوصله إلي المنزل لأن المتهم كان ثملاً وتقدما بعض خطوات وأعاد المتهم عبارته البذيئة شاتماً بها شاهد الإتهام الثالث وأقبل على المتوفي وشتمه بنفس تلك الألفاظ ومن ثم أنتزع من المتوفي عصاته (بسطونة) وضربه بها ضربتين وجاءه شاهد الإتهام الثالث لكي يمنعه فضربه ضربة وبعدها تماسكا حتى حضر بعض المارة وفكوهما من بعضهما وفي أثناء ذلك كان المتوفي قد وقع على الأرض جثة هامدة يبدو إن المتهم تحسسه لكي يقوم ولما لم يقم ذهب إلي المنزل وكانت ملابسه ممزقة من الشكلة التي حدثت بينه وبين شاهد الإتهام الثالث وجد المتهم شاهد الإتهام الثاني في المنزل وأخبره بوجود المتوفي ملقي في الشارع وذهبا سوياً و رأوا شاهد الإتهام الثاني مع آخرين حمل المتوفي إلي منزلهم و أعترضهم المتهم بألا يحملوه لمنزلهم ولكن شاهد الإتهام الثاني لم يعبأ بذلك وحمل المتوفي إلي المنزل و وضعه في عنقريب وبدأ لشاهد الإتهام الثاني إن المتوفي كان قد فارق الحياة ولذلك ذهب للشيخ وبلغا الحادث للبوليس
القرار الطبي إن سبب الوفاة كان كالأتي: يوجد تمزق بالعضلات وكسر بالضلعة العاشرة في الجانب الأيسر من الجسم كما يوجد تمزق أدى إلي إنفجار الطوحال مما تسبب في نزيف داخلي مقداره إثنين لترات هذا كان نتيجة ضرب بآلة صلبة و أضيف إليه إنه لم تكن هناك جروح خارجية
سألت المحكمة نفسها السؤال القانوني: إن كان المتهم قصد القتل أو إنه كان يعرف إن الوفاة ستكون النتيجة الراجحة وليس فقط النتيجة المحتملة وأستندت في ذلك على إن الموت سيكون النتيجة الراحجة وليس فقط النتيجة المحتملة وأستندت في ذلك على أن المتهم هو شاب قوي البنية والمتوفي كان رجلاً مسناً وضعيف البنية وإن الضربتين اللتين أوقعهما المتهم على المتوفي كانتا في مكان حساس من جسمهوكان أثرهما كبيراً إذ حدث عنهما تمزق في العضل وكسر في الضلوع وإنفجار في الطوحال ونتج عن ذلك الموت مباشرة
قدم المحامي شمس الدين اللدر إستنئافاً بالنيابة عن المتهم وهو يتناول نقطتين الأولى للتشكك في أقوال الشهود لإثبات واقعة كون المتهم ضرب المتوفي وهذه لا تحتاج إلي نقاش إذ أن الشاهد الثالث والشاهدة السابعة قد أدليا ببينة واضحة وكان شاهدي عيان و أرى إن المحكمة كان لها الحق في تصديق شهادتهما و النقطة الثانية هي إن المتهم لم يكن يعلم بأن الموت سيكون النتيجة الراجحة ولا حتى المحتملة ويرى إن الإدانة يجب أن تكون تحت المادة 254 من قانون العقوبات التي تنص على تسبيب الوفاة وعندما يكون الجاني قاصداً إحداث أذى بسيط وجسيم ويستند في ذلك على إن الضرب وقع من آلة خفيفة (بسطونة) وأنها لم تسبب أثراً خارجياً في الجسم كما إن التقرير الطبي لم يكن مبسطاً للدلالة على حالة المتوفي
المادة 254 من قانون العقوبات لا مثيل لها في قانون العقوبات الهندي وهي من المواد الشاذة التي يندر أن تطبق لأنها تخالف القاعدة العامة للمسئولية الجنائية التي هي إن الشخص لا يكون مسئولاً جنائياً إلا عن النتيجة المتوقعة أو المحتملة لفعله إن الشخص يكون مسئولاً عن فعله وعن النتائج التي تترتب على ذلك الفعل إذ قصد إحداث تلك النتائج أو كان يعلم إن تلك النتائج- على حسب مجريات الحياة العادية وطبيعة الأشياء- قد تقع مع التفاوت في الدرجة والعلم بوقوعها الذي تنتج من الوقائع فالشخص الذي يسبب لآخر الأذى البسيط قصداً ولم يكن يقصد تسبيب الموت ولم يكن يعلم إن الموت ربما يكون النتيجة المحتملة فكيف يكون مسئولاً عن الموت إذا حدث على أي حال هذا ما قصده المشرع في هذه المادة من القانون ويبدو لي إن هذه المادة يمكن تطبيقها في الحالات التي يحصل فيها الأذى في أطراف الجسم كالرجل مثلاً وتحصل الوفاة نتيجة لمضاعفات صحية ناتجة من ذلك الأذى
أما في هذه القضية فإن الأذى في الأجزاء الحساسة من الجسم في الجزء الأوسط من الجزء الأوسط منه و سببت كسر في الضلوع وإنفجار في الطوحال و كان الموت نتيجة مباشرة لها وحالاً وقد كان القرار الطبي واضحاً وضوحاً كافياً في إثبات هذا وفي هذه الظروف يلزم الإستنتاج بأن المتهم كان يعلم بان الموت سيكون النتيجة الراجحة أو المحتملة إنه مع حساسية الجزء من الجسم الذي وقع فيه الضرب عادة يؤخذ في الإعتبار الآلة التي أستعملت ثبت في هذه القضية إن الآلة كانت بسطونة ولكنها لم تحضر أمام المحكمة ولم توصف الوصف الكامل لمعرفة عما إذا كانت آلة مميتة أم لا وللتفرقة عما إذا كانت درجة العلم ترقى إلي رجحان الموت أم أنه كان نيتجة محتملة فقط وأرى إن حدوث الموت في نفس الوقت الذي حصل فيه الضرب يؤدي إلي الإعتقاد بأن البسطونة كانت آلة صلبة ومميتة عندما تستعمل بقوة ومنها تصل إلي إستنتاج إن المتهم كان يعلم إن الموت سيكون النتيجة الراجحة وليس فقط المحتملة
لهذه الأسباب فإني أؤيد إدانة المتهم تحت المادة 251 من قانون العقوبات والحكم عليه بالإعدام الذي أصدرته المحكمة الكبرى