التَّعارُضُ وَاَلْتَرْجيحُ
التَّعارُضُ وَاَلْتَرْجيحُ
التَّعارُضُ لُغَةَ التَّناقُضِ والتَّضاد
فِي الِاصْطِلاحِ هوَ تُقابِلُ حُجَّتَّيْن عَلَى وَجْهٍ يوجِبُ كُلَّ واحِدٍ ضِدَّ مَا يُجيبُهُ الاَخْرُ .
1- الدَّسُّ وَالتَّزْوِيرُ بِمَعْنَى مَا يوضَعُ افْتِراءًا وَكَذَبًا فِي الْآيَاتِ والْاحاديثِ .
2- تَوَهَّمُ المُجْتَهِدِ بِمَعْنَى اَنْ فِي الاَصْلِ لَا يوجَدُ تُعارِضُ فَيُتَوهم المُجْتَهِدَ وَيَبْني عَلَى ذَلِكَ فَتَكُونُ ثَمَرُهُ اجْتِهادُهُ باطِلَهُ .
3- ضَياعُ القَرائِنِ بِمَعْنَى الظُّروفِ وَاَلْمُلابَساتِ اَلَّتِي لَازَمَتْ الدَّليلَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ ( اَنَتٌ وَمالُكٌ لِأَبِيكَ ) وَهَذَا الحَديثُ ضَاعَتْ قَرائِنُهُ .
4- تَصَرُّفُ الرّواةِ والنَّقْلِ بِالْمَعْنَى .
5- وُجودُ عَلَمِ النَّسْخِ .
شُروطُ التَّعارُضِ :
اشْتَرَطَ عُلَماءُ الاُصولِ فِي التَّعارُضِ الشُّروطَ الْأَتْيَةَ :
1 - اتِّحادُ المَحَلِّ بَيْنَ الأَدِلَّةِ المُتَعارِضَةِ .
2 - اتِّحادُ الوَقْتِ .
3 - اَنْ تَتَساوَى الأَدِلَّةُ مِنْ جِهَةِ الثُّبوتِ والدَّلالَةُ وَنَوْعُ الدَّلالَةِ .
4 - الِاتِّحادُ فِي النِّسْبَةِ بَيْنَ الأَدِلَّةِ ( مِثْلَ الزَّوْجَةِ حَلٌّ لِزَوْجِهَا وَحَرَّمَهُ عَلَى غَيْرِهِ . ) .
انّواعُ التَّعارُضِ :
قِسْمُ عُلَماءِ الاُصولِ التَّعارُضُ الَّى قِسْمَيْنِ
القِسْمُ اَلْاَوَّلُ : وَيُسَمَّى التَّزاحُمُ وَيُعْرَفُ بِعَدَمِ مُقَدَّرِهِ المُكَلَّفِ عَلَى الجَمْعِ بَيْنَ وَاجِبَيْنِ فِي اَنْ واحِدٍ لِذَلِكَ قَالَ عُلَماءُ الاُصولِ اَنْ التَّزاحُمِ يَتَحَقَّقُ فِي الفُروضِ الْأَتْيَةِ :
الفَرْضُ اَلْاَوَّلُ : اَنْ يَكونُ اَحَدَ الوَاجِبَيْنِ مَضِيقٌ والاَخْرُ موَسَّعٌ فَيُقَدَّمُ المَضيقَ عَلَى الموَسَّعِ .
الفَرْضُ الثَّانِي : اَنْ يَكونُ لاَحْدِ الوَاجِبَيْنِ بَدَلٌ اضْطِراريٍّ والاَخْرُ لَا بَدَلَ لَهُ فَيُقَدَّمُ اَلَّذِي لَا بَدَلَ لَهُ .
الفَرْضُ الثّالِثُ : اَنْ يَكونُ الواجِبُ مَشْروطٌ بِقَدْرِ شَرْعيِّهِ عَلَى قَدْرِهِ عَقْليه فَيُقَدَّمُ العَقْليُّ عَلَى الشَّرْعيِّ كَالْحَجِّ .
الفَرْضُ الرّابِعُ : اَنْ يَكونُ اَحَدَ الوَاجِبَيْنَ مُخْتَصٌّ بِالْوَقْتِ والاَخْرِ لَا وَقْتَ لَهُ فَيُقَدَّمُ صاحِبَ الوَقْتِ .
القِسْمُ الثَّانِي : وَيُسَمَّى التَّكافُؤُ وَيُعْرَفُ بَانَهُ التَّسَاوِي بَيْنَ الأَدِلَّةِ وَعَدَمِ وُجودِ مُرَجِّحٍ ( كَقِرَاءَةِ القِرَانِ فِي الصَّلاةِ والِاسْتِماعِ لِلْقِرَانِ ) فِي هَذَا الفَرْضِ يَرَى عُلَماءُ الاُصولِ اَنَ الأَدِلَّةِ اذَا تَكَافَأَتْ عَلَى المُجْتَهِدِ اَنْ يُسْتَخْدَمُ قاعِدَهُ الِاسْتِنْباطَ بِمَعْنَى اَنْ يُسَلِّمُ بِالْأَدِلَّةِ وَيَذْهَبُ الَّى غَيْرِهِ وَقَدْ ( قَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ ( مِنْ كَانَ لَهُ اِمامٌ قُرَّاءَهُ الاِمامُ قُرَّاءَهُ لَهُ ) .
طرق دفع التعارض:
1 - التَّأْويلُ:
وَهُوَ صَرْفُ اللَّفْظِ مِنْ مَعْنَاه الَّى مَعْنَى اَخَرٍ يَحْتَمِلُهُ . وَقَدْ قَالَ الفُقَهاءُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ ( الْجَارُ احْقَّ بِشَفَعِهِ جارِهِ ) اَنْ ( جارِهِ ) فِي الظّاهِرِ تَنْصَرِفُ عَلَى مُطْلَقِ الْجَارِ وَلَكِنْ اذَا اسْتَخْدَمْنَا قاعِدَهُ التَّأْويلَ يَنْصَرِفُ لَفْظَ الْجَارِ لِلْجَارِ الشَّريكَ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ ( اذَا ضَرَبَتْ الحُدودَ وَصُرِفَتْ الطُّرُقَ فَلَا شَفَّعَهُ ) .
وَهِيَ :
1 / اَنْ يَكونُ التَّأْويلُ يوافِقُ عَرَفَ اللُّغَةِ والِاسْتِعْمالَ .
2 / اَنْ يوجَدُ دَليلٌ . وَيَرَى عُلَماءُ الاُصولِ اَنْ اصَّعِبْ دَليلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهُ المُجْتَهِدُ هوَ القَرينَةُ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ ( العائِدُ فِي هَبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعودُ فِي غَيه ) وَهَذَا مَحَلُّ جَدَلٍ بَيْنَ الشّافِعيِّ وَاَحْمَدِ وَقَالَ الشّافِعيُّ اَنْ الْعُودِ فِي الَّهَبِهِ مَكْروه غَيْرُ مُحَرَّمٍ لَانَ القَرينَةُ هُنَا الكَلْبُ وَهُوَ هُنَا لَا يَحْرُمُ عَلَيْهُ الرُّجوعُ فِي غَيه . وَقَالَ الاِمامُ اَحْمَدُ اَنْ القَرائِنُ دَلَّتْ عَلَى اَنْ مِثْلَ السّوءِ يَضْرِبُ لِلتَّنْفِيرِ وَانْ التَّنْفيرِ هوَ غايَةُ التَّحْريمِ .
3 / اَنْ يوجَدُ دَاعِيَ لِلتَّأْوِيلِ .
انّواعُ التَّأْويلِ:
1 ) التَّأْويلُ القَريبُ وَهُوَ كُلُّ تَأْويلٍ يَتَرَجَّحُ بِأَدْنَى دَليلٍ .
2 ) التَّأْويلُ البَعيدُ وَهُوَ التَّأْويلُ اَلَّذِي يَحْتَاجُ الَّى مُرَجِّحِ اقْوَى .
مِثالٌ لِلتَّأْوِيلِ البَعيدِ ضَرْبُ الشّافِعيَّةُ فِي مَذْهَبِهِمْ نَموذَجًا لِلتَّأْوِيلَاتِ البَعيدَةِ فِي المَذْهَبِ الحَنَفيِّ
1- قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ لِفَيْروزِ الدَّيْلَمي وَقَدْ دَخَلَ الاسِّلامَ وَفِي عِصْمَتِهِ اخْتِينِ ( امَّسِكْ ايتَهُمَا شِئْتَ ) . قَالَ الحَنَفيَّةُ بِمَعْنَى يُقاسُ فَيْروزُ قِيَاسَ الدَّاخِلِ فِي الاسِّلامِ وَقَالَ الشّافِعيَّةُ اَنْ هَذَا المَعْنَى بَعيدَ وَانْ فَيْروزْ حَديثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ .
2- قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ لِغَيْلانِ بْنْ سَلَّمَهُ اسَّلِمْ وَفِي عِصْمَتِهِ عَشَرَ مِنْ النِّساءِ فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ ( امَّسِكْ اَرْبَعَهُ وَفارَقَ سِئَارْهِنَّ ) قَالَ الحَنَفيَّةُ اَيْضًا يُقاسُ قِيَاسَ الدَّاخِلِ فِي الاسِّلامِ .
3- قَوْلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ ( زَكَّاه الجَنينَ زَكَّاه اَمَهَ ) قَالَ الحَنَفيَّةُ يُذْبَحُ الجَنينَ كَمَا ذُبِحَتْ اَمَهَ .
4- قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ ( فِي اَرْبَعينِ شَاةً ) قَالَ الحَنَفيَّةُ اَنْ المَقْصودُ الشَّاهُ نَفْسَها وَقَالَ الشّافِعيَّةُ اَنْ المَقْصودُ الشَّاهُ اَوْ مِقْدَارُهَا .
3) التَّأْويلُ مُتَعَذِّرُ الفَهْمِ وَهَذَا النَّوْعُ جَاءَ عِنْدَ الشّيعَةِ وَيُسَمَّى بِالتَّأْوِيلِ الشّاذِّ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي بَابِ الفِقْهِ الاسِّلاميِّ كَقَوْلِهِمْ عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا انَّها البَقَرَةِ المَقْصودَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ( . . . إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً . . . [ البَقَرَةِ : الآيَةُ 67 ]
2 - الجَمْعُ بَيْنَ الأَدِلَّةِ:
شُروطُ الجَمْعِ بَيْنَ الاَّدْلَةِ:
اشْتَرَطَ عُلَماءُ الاُصولِ تَوافُرَ شُروطٍ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الأَدِلَّةِ وَهِيَ :
1 / اَلَا تَكونُ الأَدِلَّةُ عَلَى وَجْهِ التَّضادِ . لَانَ اَلْضِدّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ ايَ الِاشْيَاءِ اَلْمُتَقابِلَةُ وَلَا ثالِثَ لَهَا لَا يُمْكِنُ اَنْ تُوجَدُ فِي عَيْنٍ واحِدٍ وَلَا جِنْسٍ واحِدٍ وَلَا يُمْكِنُ اَنْ يَخْلو المَكانُ مِنْ اَحْدِهِمَا كالْمَوْتِ والحّياهِ فِي الاُّنسانِ فَانْ الاُّنسانِ اَمّا حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ .
2 / اَنْ لَا يُؤَدّي الجَمْعُ بَيْنَهُمَا الَّى بُطْلانِ اَحْدِهِمَا .
3 / اَنْ لَا يُؤَدّي الجَمْعُ بَيْنَهُمَا الَّى مَخالِفُهُ دَليلٌ اَخَرٌ .
4 / اَنْ كَانَ الجَمْعُ عَنْ طَريقِ التَّأْويلِ يَجِبُ اَنْ يَكونُ تَأْوِيلًا قَرِيبًا لَا بَعيدٍ .
مِثالٌ ثَبَتَ اَنْ الرَّسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الِاغْتِسالِ بِفَضْلِ مَائِهِ طَهورَ الْمَرْآهِ ثُمَّ ثَبَتَ اَنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ بِماءِ طَهورٍ احْدَى زَوْجَاتِهِ ، وَهُنَا قَالَ عُلَماءُ الاُصولِ اَنْهُ يَحْمِلُ النَّهْيَ عَلَى الكَراهَةِ والْفِعْلِ عَلَى الإِباحَةِ .
ثانيا : التَّرْجيحُ:
تَعْريفُ التَّرْجيحِ :
يُعْرَفُ بَانَهُ جَعَلَ اَحَدَ الأَدِلَّةِ افَّضِلَّ مِنْ الاَخْرِ لِوُجُودٍ مُرَجِّحٍ .
وَاشْتَرَطَ عُلَماءُ الاُصولِ الاَتيِّ فِي التَّرْجيحِ :
1- اَلَا يَكونُ التَّرْجيحُ بَيْنَ اَدَلِهِ قَطْعيه .
2- اَنْ يوجَدُ مُرَجِّحٌ .
3- اَنْ يَتَعَذَّرُ الجَمْعُ بَيْنَهُمَا .
انّواعُ الْمُرْجِحَاتِ :
1) مَرْجِحَاتُ السَّنَدِ بِمَعْنَى اَنْهُ يَجِبُ عَلَى المُجْتَهِدِ اَنْ يُراجِعُ سَنَدَ الأَدِلَّةِ المُتَعارِضَةِ رُبَّمَا يَجِدُ فِي سَنَدِ اَحْدِهِمَا مَيَّزَهُ عَنْ الاَخْرِ مِثالٌ لِذَلِكَ :
1/ تَقْديمُ المُسْنَدِ عَلَى المُرْسَلِ .
2/ اَنْ يَكونُ اَحْدَهُمَا صاحِبُ القِصَّةِ اَوْ اَلَّذِي بَاشَرَهَا كَزَواجِ مَيْمونِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَقَالَتْ تَزَوجُنِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ بَعْدَ الحَلِّ مِنْ احِّرامِهِ
3/ تَرْجيحُ رِوايَةِ الكَبيرِ عَلَى الصَّغيرِ وَتَرْجيحِ رِوايَةِ المُتَأَخِّرِينَ فِي الاسِّلامِ عَلَى المُتَقَدِّمِ .
2) تَرْجيحُ المُتونِ كَتَرْجيحِ النَّصِّ عَلَى الظّاهِرِ وَتَرْجيحِ الظّاهِرِ عَلَى المُؤَوَّلِ .
3) تَرْجيحُ المَدْلولِ كَتَقْدِيمِ المَنْطوقِ عَلَى المَفْهومِ اَوْ كَتَقْدِيمِ النَّهْيِ عَلَى اَلْاَمْرِ .
4) التَّرْجيحُ بِالْأَمْرِ الخارِجيِّ وَهُوَ الِاسْتِعانَةُ بِمُرَجِّحٍ خارِجَ الأَدِلَّةِ . مِثالٌ لِذَلِكَ بَيْنَ الاسِّفارِ والتَّغْليسِ . رَجَّحَ عُلَماءُ الاُصولِ وُجودَ الظَّلَمَةِ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَسَارَعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ . . . ) الآيَةُ 133 ال عِمْرانَ .