سابقة منشورة بمجلة 1971
سابقة منشورة بمجلة 1971
المحكمة العليا
القضاة :
صاحب الفضيلة الشيخ/ شيخ محمد الجزولي نائب رئيس المحكمة العليا رئيساً
صاحب الفضيلة الشيخ/ ابراهيم الجزولي قاضي المحكمة العليا عضواً
صاحب الفضيلة الشيخ/ سيد أحمد العوض قاضي المحكمة العليا عضواً
قضية حضانة
قرار النقض نمرة /1/1972م
الصادر في يوم الاثنين 15 رمضان سنة 1392 هـ الموافق 23/10/1972م
:المبادئ
الأحوال الشخصية للمسلمين – اذن القاضي باستمرار حضانة النساء للصغير – وجوب بذل الجهد في أسباب ومسببات الأحكام – تجدد الحضانة – الاستيلاء على المحضون بطريق غير مشروع – حجية الأحكام القضائية
(1)
للقاضي أن يأذن بحضانة النساء بعد تجاوز المحضون لسن الحضانة لمصلحة تقتضي ذلك بشرط إجراء التحقيق الكافئ في وجه المصلحة ومستقبل الصغير اعمالاً لأحكام المنشور نمرة 34 والنشرة نمرة 6/1942 وعدم تمحيص ذلك يعتبر قصوراً في التطبيق لأن المقرر في الفقه الإسلامي أن حكم القاضي يفتقر إلى نظر وبذل جهد في تحرير سببه ومقدار مسببه
(2)
تتجدد الحضانة وتستفاد شيئاً فشيئاً على حسب أحوال الأهلية والمصلحة وأولوية رعاية المحضون وفق القواعد الشرعية المقررة
(3)
إذا استولى أحد طرفي النزاع على الصغير بحكم قانوني فإن نزعه من يده بقوة أو بحيلة أو بأي سبب غير مشروع بواسطة الطرف المناوئ لا يسقط حجية ذلك الحكم بل يعتبر المعتدي معارضاً للأوامر
(4)
قرارات التمييز أحكام نهائية لا سلطة لمحكمة أدنى في تعطيل حجيتها
الوقائع
بعد الاطلاع على أوراق قضيتي المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف فإن وقائع النزاع تتلخص في أن المطعون ضدها كانت زوجة ابن الطاعنة ورزق منها بابنته مريم وعمرها الآن تسع سنوات وأن البنت المذكورة كانت بيد جدتها الطاعنة بعد طلاق المطعون ضدها التي رفعت عدداً من القضايا تطلب ضم بنتها إليها هي نمرة 636/71 و 738/71 و 736 /71 أمام محكمة الخرطوم الجزئية ورفض طلبها في كل القضايا المذكورة وطعنت في الحكم الصادر في القضية 826/71 بالاستئناف أمام محكمة المديرية وصدر قرارها في القضية 72/1971 برفض الاستئناف وتأييد الحكم ثم تقدمت بالطعن بالتمييز في قرار محكمة الاستئناف وصدر قرار التمييز 153/ 72 ق في 29/3/1972م بتأييد قرار الاستئناف
تقتضي هذه الأحكام التي صدرت برفض ضم البنت إلى المطعون ضدها أن البنت المتنازع عليها كانت بيد الطاعنة قبل رفع القضايا وبعد صدور الأحكام إذ أن الحكم برفض الدعوى حكم لصالح المدعي عليه يمكن تنفيذه لمصلحته فكيف إذن انتقلت البنت إلى يد المطعون ضدها مع وجود هذه الأحكام يقرر وكيل الطاعنة أن المطعون ضدها طلبت منها أن تسمح لها بأخذ البنت للفسحة على أن تعيدها إليها – وبعد أن أخذتها رفضت إعادتها وأن الطاعنة طلبت من المحكمة تنفيذ الأحكام الصادرة برفض ضم البنت إلى المطعون ضدها ولكن المحكمة رفضت طلبها وأمرتها بأن ترفع دعوى بطلب ضم البنت فتقدمت بهذه القضية التي انتهت بالحكم لمصلحتها بضم البنت إليها وقد استندت المحكمة الابتدائية في حكمها إلى ما ثبت في القضايا التي رفعت من المطعون ضدها بضم البنت من أنها تنتقل بين الإسلام والمسيحية التي استقرت عليها أخيراً وأن مصلحة البنت تقضي برفض طلب الضم
في المدة القانونية تقدمت الطاعنة باستئناف أمام المحكمة الكلية التي قضت بإلغاء الحكم الابتدائي واستندت في اسبابها إلى أن الدعوى غير متوجهة على المستأنف ضدها ويجب أن ترفع الدعوى من الرجال العصبة دون النساء لان مرحلتهن انتهت بتجاوز البنت لسن الحضانة –و استدلت على ذلك بما جاء في كتاب الأحوال الشخصية للشيخ معوض من أن البنت تجاوز سن الحضانة تحتاج إلى الحماية والصيانة الرجال أقدر من النساء على ذلك في هذه المرحلة فجعل الشارع لهم حق امساك الولد ثم قال فلا خيار للبنت أو لعاصبها المحرم في ذلك بل تجبر هي أن تكون عند العاصب ويجبر العاصب المحرم على امساكها إذا امتنع لأن هذا حق الشرع وذكرت المحكمة بعد ذلك قولها " فوضح من ذلك أنحق النساء قد انتهى وأصبح الحق للرجال وليس للنساء فلا تقبل الدعوى من امرأة أخرى والطرفان في القضية من النساء"
وسألت المحكمة إن كان والد البنت على قيد الحياة فأجابت المستأنف ضدها بالايجاب وعند ذلك وجهت المحكمة بأن له ان يرفع دعوى بضم البنت
الأسباب
إن البنت المتنازع عليها كانت بيد جدتها لأبيها الطاعنة وثبت أن المطعون ضدها قد رفعت عدداً من القضايا أمام المحكمة الجزئية طالبة ضمها إليها وقد رفضت دعواها كلها واستانفت الحكم الأخير فيها فصدر - قرار الاستئناف بتأييد الحكم الابتدائي- وطعنت في قرار الاستئناف بالتمييز فصدر قرار التمييز نمرة 153/1972م في 29/3/1972م بتأييد حكم الاستئناف وأن ما تقتضيه حجية هذه الأحكام بعد أن أصبحت نهائية هو
أولاً : حفظ المحضونة بيد الطاعنة وهي بهذا المعنى حكم لصالح الطاعنة
ثانياً : عدم أهلية المطعون ضدها لحفظ البنت المتنازع عليها
وكان على المحكمة الابتدائية أن تقرر عدم قبول الدعوى من الطاعنة لاسترداد البنت لأن البنت بقوة الأحكام المشار إليها يفترض أن تكون بيدها وإذا انتزعت منها بالحيلة أو القوة أو بأي سبب آخر غير مشروع فإنه على المحكمة أن تأمر استناداً إلى حجية هذه الأحكام بتنفيذ مضمونها ورد البنت بقوة القانون إلى الطاعنة – وتكليف المطعون ضدها لتسعى بالطرق المشروعة إلى نقض حجية الأحكام إذ أن استيلاء المطعون ضدها على البنت بالصفة التي ذكرها وكيل الطاعنة تتعارض والقاعدة الأصولية التي تمنع صاحب الحق من أخذ حقه بيده فضلاً عن معارضة ذلك للأحكام الصادرة – وقد أصدرت المحكمة الابتدائية حكمها مستندة إلى الأحكام الصادرة في الموضوع والتي تثبت عدم صلاحية المطعون ضدها لحفظ البنت وعدلت عن إثبات المصلحة التي يقتضيها السير المادي في مثل هذه القضية وبهذا اعتبرت المحكمة حجية الأحكام المشار إليها في حسم النزاع
أما المحكمة الكلية فقد أهملت حجية الأحكام المشار إليها أولاً ثم عدلت عن السير العادي الذي جرى عليه القضاء في مثل هذا النوع من القضايا واهملت تطبيق القواعد التي تحكم هذا السير وتوجهه ولهذا فقد اتسم حكمها بالقصور في التحقيق والقصور في الإلمام بالقواعد التي يجب تطبيقها للفصل في النزاع بدليل أن السبب الاساسي الذي اسندت إليه المحكمة في حكمها هو انتهاء حضانة النساء بتجاوز البنت سن الحضانة وإجبار الأب على امساك البنت دون أن يكون لها أو للعاصب خيار في ذلك هذا هو ما يقرره الحنفية فعلاً ولكن هل هو القول المعمول به ؟ وهل إذا تقدم العاصب بنفسه في هذه القضية فهل كانت المحكمة تقضي له بامساك البنت على أساس ما ساقته من دليل إن المنشور الشرعي نمرة 34 والنشرة نمرة 18/6/1942م المفسر له قد بينت بوضوح أن للمحكمة أن تقضي مع وجود الأب أو العاصب ببقاء الصغير عند حاضنته إلى البلوغ والصغيرة إلى الدخول إذا ثبت أن المصلحة تقضي بذلك وقد أخذ المنشور بما يقرره المالكية في الموضوع ولم يخرج ما جاء بالمنشور والنشرة عما يقرره السادة الحنفية كقاعدة عامة في أن مدار الحضانة هو نفع المحضون ومصلحته وأن حق الصغير في الحضانة والحفظ أولى بالرعاية من حق العاصب والحاضنة واشترطوا أن يكون الحاضن من العصبات أميناً على المحضون وقادراً على القيام بمتطلبات الحفظ والرعاية
وإذا كان غير ذلك فينزع الصغير منه رعاية لحقه والفرق بين ما يقرره المنشور والنشرة المفسرة وما يقرره الحنفية في مدار الحضانة على المصلحة يكاد يكون إجرائياً يظهر أثره في إثبات مصلحة الصغير فعلى رأي الحنفية على الحاضنة أن تثبت عدم صلاحية العاصب لإمساك الصغير بعدم أمانته أو عجزه مثلاً في الوقت الذي تثبت فيه ما يتحقق للصغيرة من مصلحة في وجوده معها على ما تقرره النشرة المفسرة
والإجبار الذي أشارت إليه المحكمة لا مجال له مع تطبيق المنشور والنشرة وليس على اطلاقه عند الحنفية وعلى هذا فإن المحكمة في الواقع لم تبن حكمها على أساس ما بينه المنشور والنشرة المشار إليها ولم تبن حكمها على رأي الحنفية أيضاً وقد تجاهلت الواقع الذي تعيش فيه البنت والذي كان يفترض أن يكون موضع تحقيقها الدقيق بعد أن أثبتت أحكام قضائية أن المطعون ضدها تنتقل الى الاسلام من المسيحية أو من المسيحية للوصول الى اغراض معينة اذ ان مصلحة البنت المتنازع عليها توجب ذلك في كل نزاع يثار حول حفظها سواء كان بين عاصب وحاضنة أو بين حاضنة وحاضنة وكان على المحكمة من ناحية اجرائية ان تعلن والد البنت بالحضور امامها لا ستجوابه عملا بالفقرة الثانية من المادة 137 من قانون المرافعات وذلك لمصلحة العدالة ولاظهار الحقيقة في النزاع القائم خاصة وأن المحكمة قد علمت بوجود والد الصغيرة على امساكها يوجب عليها السير في تنفيذ هذا الإجبار باستحضاره امامها اذ لا يتصور تحقق الاجبار بغير ذلك
وكان على المحكمة الكلية أيضاً أن تبني حكمها على أساس احترام حجية الأحكام الصادرة في النزاع وألا يفوتها أن المطعون ضدها احتالت للتخلص من حجية الأحكام الصادرة في النزاع القائم بينها وبين الطاعنة في حفظ البنت اذ انها بعد ايام قلائل من صدور قرار التمييز اخذت البنت من الطاعنة بالطريقة المشار اليها بدليل أن القضية الابتدائية رفعت في18/5/1972م أي بعد خمسين يوما من صدور قرار التمييز وما كانت المحكمة لتقع في هذا الخطأ لولا التحقيق المقتضب الذي لم تتعرض فيه إلى ما استند اليه الحكم الابتدائي من أسباب وأن الغاء حكم قضائي يستلزم مناقشة ادلته واسبابه وبيان اوجه الخطأ والقصور فيها لتصحيحها خاصة وان الاستئناف طرح للموضوع برمته امام محكمة الاستئناف ولو أوفت المحكمة الكلية التحقيق حقه لتبين لها من أنها
أولاً : غير مختصة في اصدار قرار يتعارض أو يلغى حكم الاستئناف في القضية 72/1971م فضلاً عن تعطيل حجية قرار التمييز – وثانياً أن استيلاء المطعون ضدها على البنت غير مشروع ولا يحميه القانون حتى تقره المحكمة الكلية
لهذا
قررنا قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع إلغاء حكم الاستئناف وتأييد الحكم الابتدائي