سابقة منشورة بمجلة 1971
سابقة منشورة بمجلة 1971
محكمة الاستئناف المدنية
الدائرة الجنائية
حكومة السودان ضد جورج سرابيس
م أ /أ ن ج/713/71
المبادئ:
قانون الإجراءات الجنائية – الكفالة – خروج المتهم من دائرة اختصاص المحكمة أو خروجه من السودان- التعهد من قبل المتهم بالرجوع – التواطؤ علي تمكين المتهم من الهرب – الاخلال بالكفالة – المادة 299 من قانون الإجراءات الجنائية
(1)
لاتقع الكفالة صحيحة قانونا اذا كانت بغرض ان تمكن المتهم من مغادرة دائرة اختصاص المحكمة والعودة اليها ولا يكون مايتم من اجراء مخالفا لهذا الغرض قابلا للتنفيذ تحت المادة 299 من قانون الإجراءات الجنائية
(2)
يشترط لصحة الكفالة وتمام نفاذها ان تكون مسبوقة بتعهد من المتهم الكفول بالصورة التي ينص عليها القانون
(3)
تواطؤ المتهم وكفيله بغرض تمكين المتهم من الهرب من وجه العدالة لا يعتبر وحده اخلالا بالكفالة
:المحامون
الاستاذ مبارك المدني عن المتهم
:الحكم
عثمان الطيب رئيس القضاء –13/1/72
بتاريخ 7/5/70 أقيم بلاغ في نقطة بوليس المدينة ببورتسودان
ضد المدعو اندريا هازندر اس وآخر لمخالفتهما لائحة رقابة النقد ذلك لانهما باعتبارهما ممولين للبواخر في الميناء كانا بالاتفاق مع ربابنه السفن يسمحان او يطلبان دفع قيمة المواد والخدمات التي يؤديانها في بورتسودان في خارج السودان وقد قبض علي المدعو اندريا هازندراس في نفس يوم البلاغ وبتاريخ 14/5/1970 افرج عنه بضمانة المدعو كوستا ميخاليدس
في 7/1/171 مثل المدعو هازندراس ومحاميه السيد مبارك المدني امام قاضى الجنايات وبحضور وكيل النيابة وطلب المحامي عن هازندراس اسماح لهازندراس بالسفر الي لندن لان ابنته تدرس هناك ولها مشكلة في التعليم والسنة الدراسية كادت تبدأ وأنه سيعود للسودان بعد شهر بعد تسوية مشكلة ابنته وطلب تحديد ميعاد قريب للمحاكمة وعقب المحامي قائلا ان القضية فيها مستندات كثيرة وفحصها يحتاج لوقت طويل وان المتحري انتهى منذ زمن طويل ولم تقدم القضية للمحاكمة واضاف ان موكله مستعد لتقديم ضمان معقول رد وكيل النيابة بالموافقة ان كان مقدم الطلب سيعود بعد شهر وهنا اصدرت المحكمة قرارها بالموافقة على الطلب علي أن يسافر المتهم بعد توقيع الضمان بمبلغ معقول
وتنفيذا لهذا الامر دون البوليس صيغة بالامر الصادر في دفتر الاحوال
وملخص اسباب الطلب في كل المراحل تنصب في عدم صحة الضمان عن شهر على ان يتقدم المتهم لسطات البوليس بعد مضى شهر واذا تخلف عن ذلك يكون الضامن مدانا بمبلغ الف جنيه لحكومة السودان الديمقراطية والشهر يبدأ من تاريخه – وقع على هذه الصيغة جورج سراييس في 17/1/71
لم يرجع المدعو اندريا هازندراس الي السودان وبتاريخ 10/10/1971 حضر الضامن امام قاضى الجنايات في بورتسودان لتنفيذ الضمان المذكور بموجب المادة 299 من قانون الإجراءات الجنائية ودفع محاميه السيد مبارك المدني بعدم قانونية الضمان كما سياتي فيما بعد
واخير اصدر القاضي قراره بان يدفع المتهم مبلغ الالف جنيه وتقدم محامي المتهم بطعن في صحة هذا القرار الي السيد قاضي المديرية الذي قرر صحة القرار وشطب الطلب وتقدم المحامي بهذا الطلب الراهن
وملخص اسباب الدفاع في كل المراحل تنصب علي عدم صحة الضمان من ناحية الشكل وعلي عدم قانونيته ومخالفته للصيغة التي تنص عليها قانون الإجراءات الجنائية وعدم توقيع المتهم الاصيل عليها ويقول ان الصيغة يجب أن تكون في الاورنيك نمرة (20) في الجدول الثالث الملحق بقانون الاجراءات الجنائية , ويجب ان يحدد فيه الزمان والمكان الذي يجب أن يحضر فيه المتهم وانها مادامت لم تكن في ذلك الشكل اصبحت باطلة وغير قابلة للتنفيذ واستند في ذلك علي قضية عبدالرحمن ميرغني ضد حكومة السودان وكان رد السيد قاضي المديرية وهو مشابه لماذكره السيد قاضي الجنايات ان المهم هو جوهر الموضوع وليس الشكليات وان المتهم قد ضمن شخصا واتيحت الفرصة لاحضاره فعجز ولم يستطع ابداء سبب معقول لعجزه واضاف السيد قاضي المديرية ان هذا يشير الي تواطؤ المتهم مع المتهم الهارب من وجه العدالة واضاف السيد قاضي المديرية أن الزمان والمكان لاحضار المتهم كانا معروفين ومبينين ولم يذكر شيئا عن عدم توقيع المتهم الاصيل علي الضمان مايجول في ذهني قبل البحث في شكل الكفالة التي وقع عليها المتهم في هذه القضية : ما هو نوع أو طبيعة الكفالة الملزمة التي يجوز تنفيذها وفقا لاحكام المادة 299 من قانون الإجراءات الجنائية ؟عند استقراء المواد التي تبدأ بالمادة 287 وما بعدها نجد أن الكفالة تطلب من الشخص المقبوض عليه متهما في جريمة من الجرائم وانه يجب ان يوضع في الحراسة ولكن يجوز الافارج عنه بعد تقديم الكفالة وتقبل الكفالة بعد أن تطمئن المحكمة علي ان الافراج عنه لا يضر بسير التحرى ولا يوجد خطر جدى من هروب المتهم من العدالة وتطلب الكفالة من الشخص الذي يدان في جريمة ما وبدلا من انزال العقوبة المناسبة عليه يفرج عنه بضمان حسن سلوك تحت المادة 24 من قانون العقوبات وشبيه بهذه الحالة خالة الشخص الذي تطلب منه الضمانة للمحافظة علي الامن وحسن السير والسلوك بموجب المادة 80 وما بعدها
والكفالة هي عبارة عن تعهد يوقعة الكفيل يلتزم فيه باحضار الشخص المكفول أمام المحكمة متي ماطلب منه ذلك في الزمان والمكان المبينين في التعهد في مقابل الافراج المؤقت عن المتهم واذا اخل بهذا التعهد يدفع مبلغا معينا في التعهد ولا تقبل الكفالة ولا يفرج عن المتهم الا اذا قدم المتهم نفسه تعهدا على مبلغ معين من النقود لحضوره في الزمان والمكان المعينين (المادة 292 من قانون الإجراءات الجنائية الجدول الثالث نموذج 20) ومعني هذا ان الكفالة لاتكون بمفردها ولاتاتي كتعهد اولي قائم بذاته بل هي تعهد ثان ولاحق لتعهد المتهم نفسه ومؤيد ومعضد له
والغرض من الكفالة في حالة الشخص المتهم في جريمة وهو ألا يوضع ذلك الشخص في الحراسة ولا يستمر فيها لانتظار المحاكمة والافراج عنه مؤقتا والحضور أمام المحكمة متي مايطلب منه ذلك وفي مقابل هذا يوقع الكفيل على الكفالة واضح أن المتهم كان عرضة لوضعه في الحراسة أو للأستمرار فيها ان لم تقدم الكفالة أن الكفيل يطلب أعفاء منه ويجوز أن يموت ويجوز أن يشهر افلاسه كما يجوز أن يكون غير ذي اهلية للكفالة أو غير قادر ماليا بالوفاء بالتعهد في هذه الظروف يتحتم عل المحكمة أن تأمر بالقبض علي المتهم أو يستطيع وضع يد السلطة عليه
يتعرض القانون الي المقدرة المالية وينص علي تحديد مبلغ التعهد مع مراعاة ظروف القضية (المادة 296) والظروف التي يجب ان تراعى هي نوع الجريمة من ناحية خطورتها وشخصية المتهم من ناحية وضعه الاجتماعي واحتمال هروبه أو اختفائه وفي هذا الجانب أرى انه يجب ان يؤخذ في الاعتبار ايضا ان كان اكفيل يملك القدرة علي احضاره أمام المحكمة في الزمان المعين أو ان لم يستطيع هذا فأنه يستطيع أن يضع يد السلطات عليه للقبض عليه واحضاره امام المحكمة وأري ان علي المحكمة الا تقبل الكفيل الذي يقدم اليها الا اذا أطمانت انه يملك القدرة لاحضار المتهم أو يستطيع ان يضع يد السلطة عليه
هذا هو القانون الذي يطبق علي الكفالة وتقبل الكفالة بمقتضاه وعندما ننظر الي الكفالة التي اتخذت في هذه القضية نجد انها ليست كفالة قانونية يمكن تنفيذها بمقتضي المادة 299 من قانون الإجراءات الجنائية
أولا انها ليست كفالة عن شخص متهم مقبوض عليه وكان عرضة لوضعه بالحراسة او للاستمرار فيها واخذت للافراج عنه وانها ليست كفالة لشخص يفرج عنه بضمان حسن سير وسلوك تحت المادة 24 من قانون العقوبات ولا بشخص وقع عليه تعهد للمحافظة على الأمن بموجب المادة 80 أو احدى اخواتها الشخص المكفول هنا متهم في جريمة وسبق الافراج عنه بكفالة اخري وكان في وقت توقيع الكفالة موضع القضية طليقا غير معرض الي شئ يستوجب هذه الكفالة
وثانيا لا يوجد في القانون تعهد أوكفالة لابتعاد المتهم عن دائرة اختصاص المحكمة المحلي والمفهوم ان الشخص المتهم الذي افرج عنه بكفالة عليه ان يكون متواجدا في دائرة اختصاص المحكمة التي تكون القضية امامها واذا ابتعد عن دائرة اختصاص تلك المحكمة وذهب الي مكان اخر في داخل السودان يجوز للكفيل ان يطلب اعفاءه من الكفالة الشئ الذي يرتب عليه اعادة قبض المتهم ومن باب اولي انه لايجوز اخذ كفالة عن شخص متهم لكي يخرج من السودان كيف يستطيع الكفيل احضار المتهم الذي يخرج من السودان ليس في أمكان أي شخص مهما كانت مقدرته ان يعيد ذلك المتهم من بلد اجنبي وبما انه خرج عن اختصاص المحاكم السودانية فان المحكمة لا تستطيع احضاره ويجوز لسلطات الدولة ان تطلب تسليمه بمقتضي قانون تسليم المجرمين الهاربين الا اذا كانت توجد بين السودان والدوله التي لجأ اليها المتهم معاهدة تبادل مجرمين واتخذت الاجراءات ورأت الدولة هنا وهناك وجود مبررات لطلبه وتسليمه واذا لجأ الى دولة ليس بينها وبين السودان معاهدة تبادل مجرمين فانه اصبح من المستحيل احضاره
ان الكفيل الذي تنفذ عليه الكفالة هو الذي اخل بها بمعني انه في امكانه ومقدوره احضار المتهم حسب نص التعهد ولكنه لم يفعل اما عن قصد او اهمال أو عدم اهتمام اما إذا لم يكن في مقدوره احضاره وكان مستحيلا عليه ذلك ولم تكن الاستحالة بفعل منه فانه لا يوصف بالاخلال بالتعهد و يقال ان الشخص لايمكن ان يتعهد او يتعاقد علي فعل المستحيل والتعاقد علي فعل المستحيل يعتبر عبثا لاترتب عليه القوانين أي اثر ولا التزام واري ان الكفالة التي اخذت في هذه القضية – اذا قصد منها احضار المتهم بعد شهر من خروجه من السودان – هي عبث لا طائل تحته لان الكفيل تعهد بفعل شئ وهو لا يستطيع فعله وتظهر عدم صحة هذه الكفالة من أنه اذا مات هذا الكفيل أو اشهر افلاسه في اثناء هذا الشهر فلا يمكن تنفيذ القانون باعادة القبض علي المتهم
وثالثا ان عبارة التعهد الذي وقعة الكفيل عبارة ركيكه صيغت بطريقة لاتمت الي القانون بصله لانها تقول ان الكفيل يضمن مبارحة المتهم للسودان ويعود اليه بعد شهر ان هذا هو ايضاعبث لان مبارحة السودان والعودة اليه ليس من الافعال التي يتعهد بها الكفيل وان تعهده ينحصر في حضور المتهم في الزمان والمكان المعينين ويضاف الي هذا ان هذه الكفالة – ان سميت كفالة – اتت منفردة وغير مسبوقة بتعهد من المتهم نفسه كما ينص القانون
ورابعا اذا ثبت ان الكفيل قد تواطأ وتآمر مع المتهم لتمكينه من الهرب ان هذا لا يعتبر اخلالا بتعهده لكي يلزم بتنفيذ التعهد ان التواطؤ والتآمر مع المتهم – اذا ثبت – يمكن ان يدخل في نطاق جريمة من الجرائم التي يعاقب عليها القانون
لهذه الأسباب فإني أري عدم وجود كفالة تصلح للتنفيذ تحت المادة 299 من قانون الإجراءات الجنائية وبهذا أمر بالغاء الإجراءات وأطلاق سراح المتهم