سابقة منشورة بمجلة 1971
سابقة منشورة بمجلة 1971
محكمة الاستئناف المدنية
القضــــاة
سعادة السيد فضلي شوقي – قاضي المحكمة العليا بتفويض من رئيس القضاء
حكومة السودان ضد عجال محمد بدوي وآخر
م أ/م ك/118/71
تشاجر المتهم والمجني عليه الأول نهارا بخصوص جهاز استقبال "راديو" كان المتهم قد اشتراه من المجني عليه الأول وأعاده له بدعوى عدم الصلاحية وفي المساء تعقب المجني عليه ومعه المجني عليه الثاني المتهم ولحقا به في فضاء وكانا مسلحين وتحرشا به كان من نتيجة ذلك التحرش أن أصاب المجني عليه الأول المتهم بسكين على خده وأصاب المجني عليه الأول بطعنات ورماه أرضاَ ثم ضرب المجني عليه الثاني بالسكين أيضا في كفه واضطره للفرار توفي المجني عليه الأول
المبادئ
قانون العقوبات – حق الدفاع عن النفس – المادة 61 من قانون العقوبات – انتهاء التخوف من الموت او الأذى – الأذى الذي يوقعه من يستعمل حقه في الدفاع عن النفس – مقياس تجاوز حق الدفاع عن النفس
إذا نشأ حق الدفاع الشرعي عن النفس فإنه لا ينتهي إلا بانتهاء الخوف المعقول الذي أنشأه ولقياس أن الحق قد انتهى أو أن المتهم قد تجاوزه فلا يعتد بعدد الطعنات التي وجهها المتهم للمعتدى (أو تكرار الأذى وإنما القياس هو الحد الذي توقف عنده المتهم في تسبيب الأذى بحيث لا يتجاوز ذلك الأذى درجة شل حركة المعتدي ومنعه من مواصلة هجومه
المحامـون
الأستاذ محمد توفيق زيدان عن المجني عليه الأول
الحكم
24/1/1972م
المحكمة الكبرى التي جلست في مروي يوم 20/12/1970 رأت أن تصدر أمرا ببراءة المتهم عجال محمد بدوي من التهمة التي وجهت له تحت المادة 251 من قانون العقوبات وذلك لتسبيبه وفاة المدعو علي أحيمر وكذلك من التهمة الموجهة إليه تحت المادة 279(أ) من قانون العقوبات بالنسبة للأذى الذي أصاب به المدعو بخيت عبد العزيز وأمرت بالإفراج عنه يوم صدور القرار في الثاني من مارس 1971
وقد تقدمت أسرة المجني عليه الأول بإستئناف ضد قرار البراءة بواسطة السيد محمد توفيق زيدان المحامي
الوقائع باختصار كما توصلت لها المحكمة من البينات هي أن المتهم والمجني عليه الأول تشاجرا في نهار يوم 21/8/1971 – بخصوص راديو اشتراه المتهم من المجني عليه الأول ثم أعاده له بدعوى أنه غير صالح للاستعمال – وفي مساء نفس اليوم قام المجني عليه الأول بصحبة المجني عليه الثاني عجال محمد بدوي بتعقب المتهم حتى لحقا به في منطقه فضاء وتحرشا به وكان الأول يجعل سكينا وفأسا "فرار" والثاني يجمل سكينا وعصاة واعتديا على المتهم إذ طعنه الأول في خده بينما طعنه الثاني في اليد اليسرى والظهر وهنا أستل المتهم سكينه وعاجل المجني عليه الأول بطعنات حتى رماه أرضا ثم طعن الثاني في كفه واضطره للفرار حسب البينات التي وردت
وهذه الوقائع لا تدع مجالا للشك في ان المتهم عندما لجأ لسكينه ووجه طعناته للمجني عليهما أنما كان يمارس حقه الشرعي في الدفاع عن النفس ففقد هاجمه المجني عليهما وهما شخصان وهو واحد أمامهما ووقع الهجوم في مكان فضاء اختاره المجني عليهما عن عمد كما يبدو لكي يحرمان المتهم من فرصة الحصول على أية نجدة وكانا يحملان أسلحة خطيرة وقاتلة انهالا عليه بها طعنا وجرحا ولم يتركا أمامه سبيلاً لرد ذلك الهجوم سوى اللجوء إلى سكينه وفي هذه الحال لا يصبح عدد الطعنات التي وجهها المتهم للمعتدين ذا بال كثير – إنما المقياس هو الحد الذي وقف عنده المتهم في تسبيب الأذى للمعتدين ويجب ألا يتجاوز هذا الحد درجة شل حركة المعتدين ومنعهما من مواصلة هجومهما الذي كان بلا شك سيؤدي إلى وفاته إذا ما واصلاه والدلائل تثبت أن المتهم طعن المجني عليه الأول حتى ألقاه أرضا ولم يستمر أكثر من ذلك وأنه وجه ضربة واحدة للثاني فولى هاربا واكتفى المتهم بذلك
لقد بنى محامي أهل المتوفى استئنافه على أساسين هما
(1 )
أن المتهم هو الذي استدرج المجني عليهما إلى تلك المنطقة التي حدث فيها الصدام والطعن
(2 )
أن المتهم قد وجه عدة طعنات للمجني عليه الأول مما يثبت أنه تعدى الحد المسموح له به في حق الدفاع الشرعي عن النفس
ولكن الوقائع تشير بوضوح إلى عدم صحة أي من هذين الرأيين
فالوقائع تثبت أن الشجار الذي وقع بخصوص الراديو في الصباح كان بالنسبة للمتهم منتهياً ولم يكن لديه ما يدعوه لمواصلته في المساء
أما عن الطعنات التي وجهها المتهم للمجني عليه الأول وتعدادها فهي كما ذكرنا لا تحسب في هذه الأحوال من ناحية الكم وإنما من ناحية المدى وقد اقتنعت المحكمة بأن المتهم توقف بمجرد أن سقط المجني عليه الأول على الأرض وهو الحد المعقول الذي يضمن به المتهم عدم مواصلة المجني عليه لهجومه عليه وبالنسبة للمجني عليه الثاني فلم يوجه له المتهم أكثر من طعنة واحدة ولى بعدها الأدبار
لهذا أؤيد براءة المتهم من التهمتين الموجهتين إليه والإفراج عنه على أساس أنه لم يفعل أكثر من مباشرته لحقه في الدفاع الشرعي عن النفس في الحد المعقول