سابقة منشورة بمجلة 1971
سابقة منشورة بمجلة 1971
محكمــة الإســتئناف
القضــاة:
سيادة السيد/ التجاني الزبير قاضي المحكمة العليا رئيساً
سيادة السيد/ محمد محمد الحسن شقاق قاضي محكمة الاستئناف عضواً
سيادة السيد/ زكريا أحمد الهاشمي قاضي محكمة استئناف عضواً
الهيئة المركزية للمياه والكهرباء مقدمو الطلب والمدعي عليهم
ضــد
محمد حامد أحمد مقدم ضده الطلب والمدعي
م أ/أ س/3/71
المبادئ
قوانين تأديب الموظفين – لائحة تأديب موظفي الهيئة المركزية للمياه والكهرباء – تدخل المحاكم لمراجعة قرارات مجالس التأديب – القرارات الإدارية والقضائية أو شبه القضائية – القرارات التي تؤثر على حقوق ومصالح الأفراد – قواد العدالة الطبيعية – الاتهام الجنائي وانعقاد مجلس محاسبة تقدم المستأنف ضده وهو موظف بالهيئة المركزية للمياه والكهرباء بشكاوى ضد كبار رؤسائه مما اقتضى التحقيق معهم بواسطة لجنة شكلت تحت قانون لجان التحقيق سنة 1954 غير أن الشكاوي لم تؤيد بواسطة اللجنة مما جعل سلطات الهيئة تقدم الموظف المذكور للمحاسبة أمام مجلس تأديب قضى بفصله عن العمل
/1 /
يجوز للمحاكم أن تتدخل لمراجعة قرارات الهيئات الإدارية سواء كانت سلطاتها إدارية أو قضائية أو شبه قضائية طالما كانت تلك القرارات ذات أثر على حقوق ومصالح الأفراد أو كانت القرارات خارج اختصاص الهيئة التي أصدرتها أو أن الهيئة لم تتبع في إصدارها قواعد العدالة الطبيعية
/2/
من قواعد العدالة الطبيعية سماع الشخص المقدم أمام مجلس المحاسبة حسب ظروف وطبيعة الاتهام ضده وإتاحة الفرصة له لاستجلاب واستجواب الشهود وغير ذلك مما يوفر له دفاعا متكاملا عن نفسه وأن يقتنع مجلس المحاسبة بأن الاتهام ضده قد أثبت على بينة معقولة
/3/
يجوز أن تتم إجراءات المحاسبة سابقة أو لاحقة لأية إجراءات أخرى مدنية كانت أو جنائية تفضي لها نفس الوقائع أمام مجلس المحاسبة
/4/
قرارات الهيئات الإدارية التي لا تتبع فيها قواعد العدالة الطبيعية تقع باطلة وتكون خارج اختصاصات تلك الهيئات
/5/
لا يجوز لمجالس المحاسبة اعتماد بينات تخالف القانون الذي تعقد بموجبه أو دون استدعاء الشهود الذين تقدموا بتلك البينات أو دون الحصول على تلك البينات من الشهود مكتوبة
المحامــــون
النائب العام عن مقدمي الطلب المدعى عليهم
الحكم
8/4/1972
هذا الطلب تمت الموافقة على قبوله في 25/4/72 بواسطة محكمة الاستئناف السابقة وقد انحلت محكمة الاستئناف السابقة وقد عرض بتاريخ 26/3/73 على إحدى دوائر محكمة الاستئناف الجديدة وحتى تلك الدائرة نقل أغلب أعضائها وحولت إلى هذه الدائرة كما أن هناك طلب تعويض يبدو أنه قبل وأرسل للطرف الآخر للرد عليه وقد تم الرد عليه في 11/12/73 واصبح الاستئناف مكتملاً الآن
المستأنف ضده كان يعمل موظفاً بالهيئة المركزية والمياه وكان قد تقدم بشكاوى ضد بعض كبار موظفي الهيئة للجهات العليا آنذاك وكونت على أثرها لجنة تحقيق بمقتضى قانون لجان التحقيق لسنة 1954 ولكنها لم تجد ما يكفي من البينة لإثبات أي من الاتهامات فقررت تبرئة ساحة الموظفين موضوع التحقيق
قدمت الهيئة المركزية للمياه المستأنف ضده لمجلس محاسبة تحت لائحة تأديب الموظفين وكانت التهم الموجهة إليه أنه
(1)
قام بسرقة بعض المستندات الرسمية من مكاتب الهيئة
(2)
وأن المتهم قدم معلومات باطلة عن بعض كبار موظفي الهيئة متهماً إياهم باتهامات لا سند لها
قرر مجلس المحاسبة إدانة المستأنف ضده ووقع عليه عقوبة قدم المستأنف ضده طلب مراجعة قضائية ضد قرار مجلس المحاسبة للمحكمة العليا آنذاك حددت المحكمة العليا نقاط النزاع ووضعت كإقرارات أن المستأنف كان موظفا بالهيئة المركزية وأنه فصل من الخدمة في 13/12/67 بواسطة مجلس محاسبة وأنه قد حرم من مرتب ثمانية أشهر وفوائد ما بعد الخدمة وقد كانت مدة خدمة مقدم الطلب عشر سنوات كما حددت المحكمة نقطة نزاع واحدة هي:-
ما إذا كانت إجراءات مجلس المحاسبة غير قانونية أو أسئ استعمال السلطات التقديرية فيها
قررت المحكمة العليا أن التهمة الأولى عن المستندات تعتبر تهمة جنائية بحتة ولا تقع تحت اختصاصات مجالس المحاسبة حسب سلطات تلك المجالس تحت المادة الخامسة من لائحة تأديب موظفي الهيئة المركزية 1967 كما وجدت أيضا أن التهمة الثانية لا تدخل في نطاق نفس المادة كما رأت أن إجراءات مجلس التأديب كانت مختصرة بشكل أهدر حق المتهم في الدفاع عن نفسه وتوضيح وجهة نظره وبالنسبة لمطالبة المستأنف –الموظف- بالتعويض لإشانة السمعة لاتهامه بالسرقة فقد قررت المحكمة العليا أن البينات أمامها لا تثبت إشانة سمعة ولذلك لم تحكم للمستأنف بتعويض وعليه فقد أمرت المحكمة العليا بإلغاء إجراءات مجلس التأديب وشطبت قرار الفصل ضد المستأنف إلا أن سعادة النائب العام تقدم بهذا الطعن ضد قرار المحكمة العليا نيابة عن حكومة السودان (الهيئة المركزية للمياه والكهرباء)
وقبل مناقشة أسباب الطلب وما تلاه من ردود ومناقشة ما أثارته محكمة الاستئناف عن اختصاص المحكمة العليا أرى أن نعطي صورة عامة عن طبيعة وطريقة التدخل بواسطة المحاكم في قرارات مجالس التأديب
ابتداءً هذا القرار من مجلس التأديب والمحكمة العليا آنذاك صدرا قبل سريان قانون المرافعات والقانون المدني اللذين ألغيا الآن لذلك فالقانون الواجب التطبيق هو القانون العام كان القانون العام خلال تاريخه الطويل الحافل يفرق بين القرارات الإدارية البحتة والقرارات القضائية وشبه القضائية وكانت المحاكم تتدخل عن طريق المراجعة القضائية في القرارات الأخيرة لأسباب عدة من ضمنها عدم مراعاة قواد العدالة الطبيعية كحق السماع مثلا وقد كانت المحاكم الإنجليزية تحجم بدورها عن التدخل في القرارات الإدارية البحتة وقد حدث هذا في قضايا منها قضية نكودا على المنشورة في المجلد عن سنة1951 (محكمة الاستئناف الصفحة 66 (1951) A C 66 والقضيتين:-
Ex Pariker (1953) 2 All E R 717
Ex Fry (1954) 2 All E R 118
كان القرار في القضية الأولى أن سحبت رخصة منسوجات بسيلان وفي الثانية كان القرار أن ألغيت رخصة عربة أجرة "تاكسي" وفي القضية الثالثة كان القرار فصل أحد رجال قوة المطافئ لعدم انصياعه لأمر رئيسه وفي الثلاث قضايا لم يسمع الأشخاص المضارين وقد رفضت المحاكم التدخل في تلك القرارات لأنها ليست شبه قضائية ولكنها إدارية محضة ثم جاءت القضية RidgeV Boldwin (1964) AC 40 الشهيرة والتي جعلت القضايا الثلاثة السابقة مشكوكاً فيها إذ حانت الفرصة لمجلس اللوردات لكي يستعرض القضايا السابقة بغرض توضيح الموقف وكان مضمون رأيه أن أي جهة تصدر قراراً يؤثر على حقوق الناس يعتبرقرارها قضائيا بمعنى أن المحاكم يمكن أن تتدخل فيه إذا حرم الطرف من السماع
علق العالم ويد (Wode) في مؤلفه عن القانون الإداري الطبعة الثانية ص 124 على القضية Ridge V Boldwin (1964) Ac 40 والتي عرفت بقضية Brighton تحت العنوان “judicially” reinterpreted بقوله
“The House of lords held that, the constable of Brighoton could not validly be dismissed by the Watch Committee under their statutory powers without being given a fair hearing It is (the case) of outstanding importance because it has re-interpreted Lord Justice Attkins words about “the duty to act judicially” so as to remove the stumbling black which had been made out of them Lord Reid has explained that it was a mistake in earlier cases to take these words as expressing a superadded condition: they merely express what follows automatically from the power to affect the rights of subjects which really means wherever there is power to make a decision on order there is also a “duty to act judicially” The power and the duty go hand in hand
وقد أصبح الاتجاه القضائي في إنجلترا أن يعطى الطرف حق السماع إذا كان القرار يؤثر على حقوقه ومصالحه (انظر
دون الدخول في متاهات حول ما إذا كانت الجهة التي أصدرت القرار كانت سلطاتها إدارية أو شبه إدارية
وإذا كنا سنطبق القانون العام فإننا لا نستطيع أن نتجاهل التطور الذي حدث للقانون العام السوابق القضائية السودانية –مدى علمي- اعتمدت على التقسيم الذي كان سائدا بين القرارات الإدارية والقرارات شبه القضائية وكانت تتدخل عندما تقرر أولا أن القرار قضائي أو شبه قضائي
أما الآن فرأيي أن محاكمنا يمكن أن تتدخل في أي قرار مهما كانت صفة الجهة التي اتخذته إذا كان ذلك القرار يؤثر على حقوق الشخص أو مصالحه
القرار موضوع هذا الإستئناف صادر من مجلس تأديب وهو قرار يؤثر على حقوق المستأنف ضده ومصالحه وهو من القرارات التي تستطيع محاكمنا النظر في مدى صحته
وكقاعدة عامة فالمحاكم تراجع قضائياً قرارات السلطات إذا تعدت السلطة حدود اختصاصها أو إذا اتبعت إجراءات خاطئة أو إذا لم تتبع قواعد العدالة الطبيعية أو إذا كان هناك خطأ قانوني في المحضر أو إساءة إستعمال السلطة الممنوحة لها
في القرار موضوع الإستئناف وجدت المحكمة العليا أن مجلس التأديب لم يكن مختصاً بنظر التهم التي قدم المستأنف ضده بموجبها للمحاكمة
وفي القانون العام عشرات القضايا التي تتحدث عن عدم الإختصاص منها القضية الإنجليزية الشهيرة
التي عددت الحالات التي يمكن أن تعتبر الجهة التي أصدرت القرار غير مختصة بإصداره مما يؤدي لتدخل المحكمة عن طريق المراجعة القضائية وقد جاء هذا في قرار اللورد الذي كان يرى أن أي قرار باطل أو عديم الأثر القانوني يكون خارجاً عن اختصاص الجهة التي أصدرته – وعدد الحالات التي تجعل القرار باطلاً أو عديم الأثر القانوني وهي
/ 1/
أن يكون القرار قد صدر بسوء نية أو
/2/
إذا صدر القرار من جهة ليست لها سلطة إصداره أو
/3/
إذا فشلت الجهة التي أصدرت القرار في تطبيق قواعد العدالة الطبيعية ( ) ونحن نعلم أن أهم قواعد العدالة الطبيعية هو حق السماع أو
/ 4/
إذا كانت الجهة التي أصدرت القرار وبحسن نية فسرت القانون الذي يعطيها السلطة خطأ ونتيجة لذلك فشلت في معالجة الموضوع المحال إليها أو
/ 5/
قررت في موضوع لم يرفع إليها أو يحول لها أو
/6/
رفضت أن تأخذ في الاعتبار أمر كان عليها أن تأخذه في الاعتبار
/ 7/
أو بنت قرارها على مسألة ما كان لها أن تأخذها في الاعتبار بموجب القانون الذي تعمل به
ويرى اللورد ( ) أن القائمة هذه ليست شاملة بمعنى أنه قد تكون هناك أسباب أخرى تجعل القرار خارجاً عن اختصاص الجهة التي أصدرته ومن رأيه أيضا – رأي اللورد ( ) – أن هذا معناه إن أي خطأ في القرار يجعل الجهة التي أصدرته غير مختصة ولأننا سنطبق القانون العام من حقنا أن نأخذ برأي سدنة القانون العام ما دام الرأي ذلك عادلاً ومقبولاً ويعطي محاكمنا فرصة التصحيح عن طريق المراجعة القضائية
أعود الآن لاستعراض أسباب الاستئناف
يرى المستأنف أن المحكمة الإدارية أو مجلس التأديب لا تتوقف على اتخاذ الإجراءات الجنائية ومن الممكن معاقبة الشخص المرتكب لجريمة جنائية إدارياً بالرغم من عدم اتخاذ إجراءات جنائية ضده وهذا يخالف ما كانت قررته المحكمة العليا –آنذاك- من أن تهمة سرقة المستندات تعتبر تهمة جنائية محضة لا تختص بها مجالس التأديب
وقد كان رد المستأنف ضده على الطلب أن وافق المحكمة العليا في قرارها وتضيف أنه حسب المادة الخامسة من لائحة تأديب موظفي الهيئة المركزية فإن محاكمة المستأنف لا يمكن إجراؤها إلا بعد الإدانة أمام المحكمة الجنائية لذلك ففي رأيه أن المجلس اغتصب حقاً لا يملكه وتملكه محاكم الجنايات
ومع أن مسألة هل يمكن محاكمة الشخص إدارياً في تهمة جنائية قبل أن يقدم لمحاكمة جنائية – مسألة جديدة ومتكررة وهامة إلا أن قرار المحكمة العليا ومرافعات المستأنف ضده لم تستند على سبب قانوني لترجيح رأي أي منها بل كل ما قدم كان مجرد رأي غير مسنود مما يجعل مهمتنا عسيرة أن المادة الخامسة من لائحة تأديب موظفي الهيئة المركزية سنة 1967 قد أخذت حرفيا من المادة السادسة من قانون تأديب الموظفين سنة 1917 المعدل – المجلد الأول قوانين السودان ص 252 وقد أورد محامي المستأنف ضده الحالات التي حددتها المادة الخامسة والتي يمكن أن يعقد فيها مجلس تأديب للموظف وهي :-
أ / عدم الامتثال أو التقصير في الامتثال للأوامر الواردة في اللوائح
ب/ عدم الامتثال أو التقصير في الامتثال للأوامر المشروعة الصادرة من الرؤساء
ج / السلوك الذي ينافي القيام بالواجب على الوجه الصحيح
د / السلوك الذي لا يليق بالمركز الرسمي
و / الإدانة في تهمة جنائية
ز / إشهار الإفلاس من محكمة مختصة
ولكن ما لم يذكره محامي المستأنف ضده هو أن المادة الخامسة بعد أن أوردت الحالات التي يمكن أن يعقد فيها مجلس تأديب أضافت الآتي:-
"وذلك كله مع عدم الإخلال بأية إجراءات مدنية أو جنائية يكون قد تسبب في إتخاذها ضده والنص الإنجليزي في المادة 6 من ويفهم من الجزء الأخير من المادة الخامسة هذه أن الشخص الذي يقدم لمجلس تأديب يمكن أيضاً أن يتعرض لأية إجراءآت أخرى إذا قانون تأديب الموظفين كالآتي:-
“… Shall be liable to be dealt with under this ordinance, without prejudice to any civil or criminal proceedings to which he may have rendered liable”
كأن ما فعله يشكل مسئولية مدنية أو جنائية
ورأيي أن هذا الجزء من المادة الخامسة من لائحة تأديب موظفي الهيئة يجعل الإجراءآت التأديبية لا تمنع من إتخاذ الإجراءات ضد نفس الشخص وفي نفس الموضوع فيما بعد وهذا معناه أن إجراءات التأديب يمكن أن تسق الإجراءات الجنائية وبالتالي إذا كانت هناك تهمة جنائية ضد موظف يمكن أن يقدم لمجلس تأديب ثم يمكن أن تتخذ إجراءات جنائية ضده أولا تتـــخذ صــحيح أن المادة الخامسة من لائحة التأديب بالهيئة قد جعلت من ضمن أسباب تأديب الموظف إدانته في تهمة جنائية وهذا معناه أن إدانة الموظف تعتبر وحدها كافية لتقديمه لمجلس تأديب دون الدخول في مناقشة ما إذا كانت الإدانة في التهمة الجنائية تعتبر مثلا سلوكا يتنافى والقيام بالواجب على الوجه الصحيح والمعروف أن الإدانة في التهمة الجنائية تأتي بعد إتخاذ إجراءات جنائية ضد الشخص وتقديمه للمحاكمة وإذا كانت الاجراءات الجنائية يمكن أن تتخذ حتى بعد تقديم الشخص لمجلس تأديب فرأيي أن الإدانة في تهمة جنائية وهي تتلو إتخاذ الإجراءات الجنائية يمكن أن يسبقها مجلس تأديب للموظف وبذلك لا يشترط إدانة الموظف أولا ثم تقديمه لمجلس تأديب بعد ذلك
لم أجد في القانون العام ما يعالج مثل هذا الموضوع بتحديد ووضوح ولكن القضية الإنجليزية Abbot V Pratt (1952) 1K B 189 تعرضت لمسألة كهذه – وقائع القضية تتلخص في أن المدعي كان من الحمالين في ميناء لندن لترحيل الحبوب من السفن والحمالين لهم لجنة لترعى مصالحهم ولها سلطات تأديب عليهم قدمت شكوى ضد المدعى وانعقدت اللجنة بحضور أحد ضباط اتحاد العمال كمستشار – ووقعت عقوبة على المدعي- وعندما انقضت الجلسة وفي الشارع ضرب المدعي ضابط اتحاد العمال لأنه أحس أنه ظلم ضابط اتحاد العمال طلب عقد جلسة طارئة للجنة الحمالين للنظر في شكواه ضد المدعى المدعي رفض المثول أمام اللجنة وذكر أنه لا يعتقد أن عمل اللجنة هو النظر في مثل تلك الشكوى لأن هناك محاكم عملها نظر مثل تلك المسائل
انعقدت اللجنة ونظرت الشكوى في غياب المدعي وقررت أن المدعي مذنب لضربه ضابط اتحاد العمال وأمرت بفصله من سجل الحمالين
المدعى استأنف القرار مدعياً أن اللجنة ليس لها إختصاص وطالب بتعويض وقد جاء في حكم اللورد افرشيد (Lord Eversed MR) ص 194 عن موضوع الاختصاص الآتي
“The matter was however, clearly fought and tried out in the court below, and in the first circumstances, the judge arrived at the conclusion, as I think, rightly, that the necessary contractual foundation of what had been done had not been established Indeed the only evidence directly bearing on the point namely, that of the plaintiff, was to the effect that the committee did not have, and had never assumed have and jurisdiction to take discretionary action as a result of an allegation of a common assault in the street upon a trade union official”
وعن موضوع الإختصاص أيضا جاء في حكم اللورد دينج (Lord Denning) في ص 198:-
“The question in this case is: What are the bounds of the jurisdiction of the committee? They clearly have jurisdictioh to deal with breaches of the comporter’s working rules, but have they jurisdiction to deal with a comporter for a common assault in the street? Mr Abbot said that some time ago the committee had a case about one comporter striking another comporter in the street, and they came to the conclusion that, as it happened in the street and not at work, it was nothing at all to do with them The present case may be said to be stronger case for the jurisdiction of the Committee because the assault took place immediately after a decision of the Committee and in consequence of it But no contract or custom is vouched to support the jurisdiction, and in the circumstances I think the accuses man should be convicted by a court of law before he can be removed Two cases were mentioned in evidence where comporters, who had been quality of assault on young girls, were removed from the the comporter’s register I have no doubt that, on conviction for a serious offence, the Committee would have power to remove a man from the register; but I do not think they would have any such power before the man was convicted They certainly would have no power to try him for the offence, and hence no power to remove him from it”
ويعتقد لورد Denning أن رأيه هذا يؤيد إحدى القضايا القديمة والتي نظرت في سنة 1665 وبعد أن أورد وقائع تلك القضية ورأى القضاة فيها أضاف ص 199
“It seems to me that in the present case, the judge applied this very test; for he said that he could find no jurisdiction anywhere in the Committee either as a matter of practice or as a matter of consent or any thing of that sort to deal with this complaint which, after all was a criminal offence I find myself in full agreement with the judge The objection to jurisdiction which Mr Abbot took at the outset, was a good objection The committee ought not o have entertained Mr Plats – the officer- complaint at all”
واستمر اللورد Denning ليقول حتى لو افترضنا أن اللجنة لها اختصاص النظر في التعدي الذي حدث في الشارع ولكن بالرغم من ذلك فاللجنة ليس لها اختصاص في هذه القضية بالذات لأنه لم يعطي إعلان صحيح بالتهمة للمدعى إن الخطاب الذي أرسل للمدعى ليس تهمة أو إعلان بالتهمة ولكنه مجرد دعوة للاجتماع التي نظرت شكوى ضابط إتحاد العمال لم تكمن مشكلة بموجب قانون أو لائحة كما هو الحال بالنسبة لمجلس التأديب عندنا – ولكنها شكلت باتفاق ورضاء عمال الشحن منذ فترة طويلة – ولم يثبت بموجب الإتفاق أو العرف أو مما سار العمل عليه أن تلك اللجنة نظرت قبل ذلك في شكاوى ذات طبيعة جنائية وعدم الحق في نظر شكاوى جنائية لم يكن وحده هو السبب للقرار بأن لجنة عمال الشحن غير مختصة بنظر ذلك النزاع لأن السبب الآخر والأقوى أنه حتى لو افترضنا أن اللجنة مختصة فالمشكو ضده لم يعلن بالتهمة وبالتالي لم يعط حق السماع كما تتطلب ذلك قواعد العدالة الطبيعية كما يقول اللورد ديننق
ثم أن هذه القضية الإنجليزية جاءت في كتب القانون الإداري تحت قواعد العدالة الطبيعية وحق السماع – انظر
Administrative Law – Wade – P 157 & 158
وكتاب
Judicial Review – de Smith – 2nd ed PP 140, 154, 168 & 226
وهذا مما يضعفها كسابقة فقط عن مسألة حق نظر الشكاوى الجنائية بواسطة لجنة تأديبية مضافا إلى هذا طبيعة تشكيل تلك اللجنة – ولأن القضايا الإنجليزية ليست ملزمة لنا فإنه حتى عنصر الاسترشاد بمثل تلك القضايا لا يتوفر في هذه القضية
وفي إحدى القضايا الأمريكية
Sheehan v Board of Transportation
والتي جاءت في كتاب:
تحت عنوان
Effect of Criminal Indictment & Conviction
جـــاء
An employee had been charged within assaulting his superior and we required to answer charges of insubordination and misconduct as a result thereof The employee at the hearing requested that it be adjourned until disposition of the indictment proceeding in as much as they involved the same circumstances The adjournment was refused and the hearing was continued in the absence of the employee He was found guilty of the charges and dismissed from the service
Meanwhile the grand jury failed to indict him The Court upheld denial of his re-instatement by his deportment head, ruling that the department head could make his own independent determination as to whether the employee’s conduct was such as to warrant punishment, and that the department head was not bound by the failure of the grand jury to indict the employee…
وقد يفهم من هذه القضية الأمريكية أنه حتى لو وجهت تهمة جنائية فإن ذلك لا يمنع من إتخاذ إجراءات تأديبية ضده وبالتالي فإن وجود ما يشكل تهمة جنائية لا يمنع من إتخاذ إجراءآت تأديبية عن نفس الموضوع
ولعل ما جاء في هذه القضية الأمريكية وما جاء في نهاية المادة (5) من لائحة تأديب موظفي الهيئه المركزية والتفسير المقبول الذي يمكن إعطاؤه لذلك الجزء من المادة إلى جانب ضعف القضية الإنجليزية التي أشرت إليها يجعلنا في رأيي نقرر أن وجود ما يشكل تهمة جنائية ضد الموظف لا يمنع من تقديمه لمجلس التأديب قبل محاكمته جنائياً وإذا ما نظر مجلس التأديب ومن ناحية تأديبية في موضوع قد يشكل تهمة جنائية فإن ذلك المجلس لا يعتبر قد خرج عن دائرة إختصاصه ولذلك فرأيي ومع الاحترام أن ما توصلت إليه المحكمة العليا (آنذاك) من أن مجلس التأديب لا يحق له النظر في الموضوع الذي نظره في هذا الاستئناف قول لا يسنده القانون ويتعين نقضه من ناحية المبدأ
وسأتعرض الآن للطريقة التي عالج بها مجلس التأديب المسائل التي عرضت عليه
أولاًَ: المجلس الذي انعقد لمحاكمة المستأنف ضده هو مجلس تأديب مصلحي شكل حسب المادة 9 من لائحة تأديب موظفي الهيئة المركزية للكهرباء والمياه لسنة 1967 وليس هناك خطأ في تشكيل ذلك المجلس وحسب المادة 12 من نفس اللائحة فقد أحظر المتهم – المستأنف ضده- بانعقاد المجلس وتسلم صورة من ورقة الاتهام- في مضمونها كافية لإحاطة المتهم علماً بالاتهامات المقدمة ضده – لأن الغرض هو أن يعرف الموظف لماذا قدم لمجلس تأديب ليتمكن من الدفاع عن نفسه وأجد نفسي متفقاً مع المستأنف أن استعمال كلمة "سرقة" بدلا من كلمة "أخذ" مثلا لا تغير شيئا ما دامت الجهة المختصة تعتقد أن ما قام به الموظف يشكل مخالفة للائحة التأديبية – وما دام الموظف سيفهم مهما كانت الكلمة المستعملة – أنه سيحاكم أمام مجلس تأديب بعد إثبات التهمة ضده – ليس أمام محكمة جنائية فنية تتقيد بالتعريف القانوني الدقيق للجرائم
إن القواعد العامة للعدالة تقتضي ألا يحاكم أي شخص إلا بعد إثبات التهمة ضده – وقد تختلف درجة الإثبات في المحاكم الجنائية عنها في مجالس التأديب لكن لابد أن يكون هناك إثبات للتهمة
بالنسبة لمجالس التأديب المصلحية – كما في هذه الحالة- فالمادة 13(1) من لائحة سنة 1967 توجب على مجلس التأديب أن يسمع جميع بينات الإثبات والمادة 13(2) من اللائحة تجيز تأدية البينة أما شفويا أو بتقرير مكتوب
المادة 13(3) تعطي المتهم الحق في مناقشة جميع شهود الإثبات وأن يوجه أسئلة مكتوبة للشاهد الذي أدى شهادته بالكتابة
لقد تعرضت المادة 13 من اللائحة لنوعين من البينات لإثبات التهمة الأولى عندما يحضر الشهود أمام المجلس والثانية عندما يدلي الشهود ببينات مكتوبة دون أن يحضروا
وفي رأيي أن سلوك مجلس التأديب لأي الطريقتين يعتمد على طبيعة التهمة ووضوحاً أو عدم وضوحها وصعوبة أو سهولة إحضار الشهود وما إذا كان المتهم سيضار في دفاعه إذا لم يستدع الشهود
في الاستئناف هذا- مجلس التأديب لم يستدع أي شهود لاثبات التهم المقدمة لاسيما أن المتهم أجاب أنه غير مذنب – وفي رأيي أن المجلس كان عليه أن يتأكد أين تحفظ المستندات ومن هو الشخص المسئول عن حفظها وهل للمتهم صلة من ناحية العمل بتلك المستندات وهل المستندات من النوع السري الذي لا يحق للمتهم الاطلاع أو الحصول عليه وفوق ذلك كيف حصل المتهم على تلك المستندات وما أثر ذلك على سير دولاب العمل وضبطه ونظامه
كل هذه في رأيي مسائل تستدعي سماع بينات عنها ليقال أن التهمة قد ثبتت ضد المتهم مما يستوجب تأديبه ولكن شيئاُ من هذا لم يحدث
كل الذي اعتمد عليه مجلس التأديب في حيثياته هو أن لجنة التحقيق وتقصي الحقائق ذكرت في تقريرها أن محمد حامد – المستأنف ضده- سلمها مستندات واعتمد عليها في شكواه
هل يعتبر ما ذكرته لجنة التحقيق بينه بتقرير مكتوب حسب المادة 12(2) من اللائحة؟ وأجيب بالنفي لأن ما ذكرته لجنة التحقيق لا يجيب على المسائل التي ذكرت أن على مجلس التأديب أن يتأكد منها ليقول أن التهمة قد ثبتت ضد المتهم ولأن مجرد تقديم مستندات للجنة التحقيق لا يدل على أن ممن قدمها قد حصل عليها بطريقة مخالفة للنظم المكتبية يدخله تحت طائلة لوائح التأديب
ثم أنه حسب قانون لجان التحقيق لسنة 1954 المادة 12 منه –فالأقوال أمام لجان التحقيق لا تصلح كبينة أمام المحاكم- وإذا كانت المحاكم لما لها من مقدرة على تقييم ووزن ما قدم من الأقوال أمام لجان التحقيق قد منعت من قبول تلك الأقوال كبينة فرأيي أن مجالس التأديب وخبراتها محدودة أحق بأن تمنع من قبول ما جاء أمام لجان التحقيق كبينة قاطعة تعتمد عليها في إصدار قرارات قد تكون عنيفة الأثر على معيشة ومستقبل الشخص المقدم لمجلس التأديب وأن عليها أن تسمع البينات أما باستدعاء شهود أو أن تطالب ببينات مكتوبة من الشهود لتقرر ثبوت التهمة أو عدمه
لذلك فرأيي أن مجلس التأديب عندما لا يرى استدعاء الشهود وعندما لا يطلب ببينة مكتوبة منهم يكون قد رفض أن يأخذ في الاعتبار أمراً كان عليه يعتبره وعندما اعتمد مجلس التأديب على ما جاء في تقرير لجنة التحقيق يكون قد بنى قراره على مسألة ما كان له أن يأخذها في الاعتبار وبذلك يمكن تطبيق الأسس التي أشار إليها اللورد ريد في القضية الإنجليزية Anisminic وبذلك يكون القرار اختصاص مجلس التأديب
وحتى وإن كانت هذه المحكمة غير موفقة فيما أوردت يبقى أن
تناقش موضوع حق السماع
وحق السماع هو إحدى قاعدتي القانون الطبيعي –
Natural Justice-
وأهمها والقاعدة العامة أن الشخص لابد من سماعه قبل اتخاذ قرار لغير مصلحته ولا خلاف على هذا في القانون العام لا سيما بعد أن أصبح التفريق بين القرار الإداري والقرار القضائي وشبه القضائي لا مكان له مادام القرار قد يؤثر على حقوق الناس ومصالحهم
ولكن الخلاف في القانون العام هو: ما هي مستلزمات السماع العادل – وهل هي تشمل (1) حق السماع شفوياً (2) حق استجواب الشهود (3) حق تقديم البينات والحق في مناهضة تلك البينات (4) الحق في أن يمثل الشخص بمحام؟؟
وقد اتفق أساطين القانون الإداري على أن المسألة تعتمد على نوع الجهة التي أصدرت القرار واللوائح التي تعمل بموجبها وكل الظروف الأخرى لكن كما قال العلامة ويد (Wade) في مؤلف عن القانون الإداري:-
“ An administrative Authority cannot be expected to act as if it were a court of law and justice and must be reconciled with practical needs” Wade, - Administrative law – 2nd Ed P 192
بالنسبة لمجلس التأديب –موضوع الاستئناف- فحق سماع المتهم مشمول في المادة 13(2) من لائحة سنة 1967 والتي تعطي المتهم حق تقديم بينة نفي وأن يستمع إليها المجلس – والمادة 13(2) تعطي المتهم الحق في مناقشة جميع شهود الإثبات وأن يوجه أسئلة مكتوبة لأي شاهد أدى شاهدته مكتوبة وأي حقوق معقولة تكفل للمتهم سماعاً عادلا وتتمشى وقواعد القانون العام
ولكن كما هو واضح من محضر وقرار مجلس التأديب موضوع الاستئناف فإن المتهم لم يعط الفرصة ليدافع عن نفسه بسبب أن الشهود الذين كان من الواجب تقديمهم أو تقديم بيناتهم مكتوبة كما ذكرت من قبل لم يقدموا ولذلك لا مجال للقول بأن المتهم قد أتيحت له فرصة سماع شهود الإثبات أو أنه أتيحت له فرصة تقديم شهود نفي
لذلك أرى أن مجلس التأديب لم يتقيد بحق السماع الذي يتطلبه القانون الطبيعي ولوائح المجلس مما يجعل القرار خارجاً عن اختصاصه وأن ما ذكرت ينطبق على الاتهامين اللذين قدم المتهم وحوكم أمام مجلس التأديب بموجبهما
والآن أود أن أخلص من هذا العرض المطول إلى المبادئ الآتية
(1)
أن أي قرار يؤثر على مصالح الشخص أو حقوقه يكون التدخل فيه بواسطة المحكمة ودون البحث فيما إذا كانت الجهة التي أصدرته كانت سلطاتها إدارية أو قضائية أو شبه قضائية كما كان الحال سابقا
(2)
أن وجود أي من الأسباب التي وردت في قضية Anismic يجعل القرار خارجاً عن اختصاص الجهة التي أصدرته وبعبارة أخرى فإن أي خطأ في القرار يجعله خارجاً عن اختصاص الجهة التي أصدرته
(3)
إذا كان موضوع التأديب قد يشكل تهمة جنائية فيمكن تقديم الشخص لمجلس تأديب ولو لم تتخذ الإجراءات الجنائية ضده
(4)
أن يقتنع مجلس التأديب أن الاتهام قد أثبت وذلك بعد إستدعاء وإستجواب شهود الإتهام أو الأخذ بالأقوال المكتوبة التي يقدمها شهود الإتهام
(5)
أن يعطى المتهم الحق في سماعه حسب طبيعة وظروف الاتهام ضده بالنسبة لهذا الإستئناف – فرأيي أن يشطب لأن القرار كان خارجا من اختصاص مجلس التأديب لكل أو أي من الأسباب التي ذكرتها