سابقة منشورة بمجلة 1971
سابقة منشورة بمجلة 1971
المحكمــة العليـــا
القضــاة
صاحب السعادة السيد/ خلف الله الرشيد رئيس المحكمة العليا رئيساً
سعادة السيد/ هنري رياض سكلا قاضي المحكمة العليا عضواً
حكومة السودان ضــد يوســف عبد الله محمــد
(م ع/ط ج/2/72)
المبادئ
قانون الإثبات – بينة الصغير – تأييد بينة الصغير – الأسس التي يبني عليها التأييد – ما يمكن أن يكون تأييدا كافياً أدين المتهم أمام محكمة كبرى بموجب المادة 318 من قانون العقوبات تقدم محاميه بطعن أمام المحكمة العليا يعترض فيه على الإدانة على أساس أن بينة المجني عليه وهو طفل لم تؤيد وأن هناك شك معقول ينبغي أن يفسر لمصلحة المتهم
(1)
تأييد بينة الصغر لا نص عليه في القانون ولا الفقه لكنه احتياط جاء وليد أحكام القضاء وهو شيء لازم بالنسبة لتلك البينة سواء قدمها الطفل مع اليمين أو بدون اليمين
(2)
ليس من اللازم تأييد بينة الصغير أن يكون التأييد بينة أخرى مباشرة بل يمكن للمحكمة أن تأخذ بكافة الأدلة القانونية مثل القرائن والشهادة النقلية المقبولة في بعض الأحيان مثل شكوى المجني عليه في جرائم الجنس وغير ذلك من الملابسات متى كانت ذلك متفقاً مع حكم العقل والمنطق
المحامـــون
عبد الله الحسن وعبد الوهاب أبو شكيمة عن الاتهام
الحكم
23/9/1972
قدم المتهم يوسف عبد الله محمد للمحاكمة تحت المادة 218 من قانون العقوبات أمام محكمة كبرى انعقدت بالدويم وقررت إدانته وأصدرت حكما بسجنه لمدة ست سنوات تقدم المتهم باستئناف لمحكمة الاستئناف التي أيدت الإدانة وخفضت العقوبة إلى الحبس بالإصلاحية لمدة ثلاث سنوات
تقدم المحاميان عبد الله الحسن وعبد الوهاب أبو شكيمة بطعن عن طريق النقض من حكم محكمة الاستئناف للمحكمة العليا
وباستقراء مواد قانون السلطة القضائية لسنة 1972 وقانون المرافعات المدنية لسنة 1972 وقانون مباشرة السلطات القضائية سنة 1972 وقانون الإجراءات الجنائية يبين جلياً أن المشرع يستبدل بالنظام القديم المألوف والمعروف نظاماً جديداً لدرجات التقاضي إذ نصت المادة (6) من قانون السلطة القضائية على أن تتكون المحاكم من:
( أ )
المحكمة العليا
(ب)
محكمة الإستئناف
( ج)
المحاكم الكلية
(د )
المحاكم الجزئية
2) يجوز إنشاء أي محكمة أخرى بموجب قانون يبين كيفية تكوينها وتعيين مقارها وتحديد اختصاصاتها
ولما لم يصدر قانون للإجراءات الجنائية كما لم يصدر تعديل له بعد بشأن ترتيب المحاكم الجنائية فإنه وفقاً للقانون الأساسي المنظم للسلطة القضائية تعتبر الأحكام الصادرة من المحاكم الكبرى بمثابة أحكام صادرة من المحكمة الكلية ويقوم هذا بالنظر إلى ما ورد من نصوص القوانين الجديدة المشار إليها آنفاً كما يقوم على مقتضى المنطق والعقل وذلك أنه مثلما رأى المشرع أن تختص المحاكم الكلية بنظر القضايا الكبيرة ذات الأهمية والقيمة التي تتجاوز الألفي جنيه فإن المحكمة الكبرى تختص بالقضايا الجنائية الخطيرة ذات الأثر الخطير على حرية الإنسان وحياته
ولما كان من الطبيعي أن تستأنف الأحكام الصادرة من المحاكم الكبرى إلى محكمة الاستئناف على وجه مماثل لاستئناف الأحكام الصادرة من المحاكم الكلية فإن روح التشريع ومقتضى العقل يوجب الطعن في الأحكام الصادرة في الاستئناف من قضايا المحكمة الكبرى إلى المحكمة العليا
ويؤيد هذا النظر ما نصت عليه المادة (10) من قانون السلطة القضائية:
10(1) تنشأ بالمحكمة العليا الدوائر الآتية:-
أ – دائرة للفصل في دستورية القوانين وفي طلبات تفسير النصوص القانونية وتنازل الاختصاصات وتسمى الدائرة "الدستورية"
ب- دائرة لنظر الطعون بالنقض في المواد الجنائية
ج-
ذلك لأن النص في قانون السلطة القضائية على تكوين دائرة لنظر الطعون بالنقض في المواد الجنائية يؤكد ولاية الدائرة الجنائية بالمحكمة العليا لنظر طعون في المواد الجنائية وأعمال هذا النص يعني ولايتها للنظر في الأحكام الصادرة من محكمة الاستئناف على وجه مماثل لما هو مبين في المادة 231 من قانون المرافعات المدنية لسنة 1972
والقول بغير ذلك يحرم المتهم في أكبر الجرائم وأشدها خطراً من اللجوء إلى المحكمة العليا وهو قول غير جائز ولا سائغ ذلك لأنه إن سمح لصاحب القضية الجزئية في المواد المدنية أن يطعن أمام المحكمة العليا من الحكم الصادر من المحكمة الكلية في الاستئناف المرفوع من حكم المحكمة الجزئية فإن السماح بالطعن بالنقض من الحكم الصادرة من محكمة الاستئناف أولى وأعدل
وعليه يقبل الطعن شكلاً ويتحصل الطعن في سببين بنعي الطاعن بالسبب الأول منهما أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه لما قضى بالإدانة اعتماداً على أقوال المجني عليه الصغير في السن وحده وذلك لأن تلك الأقوال يجب تعضيدها بدليل مباشر في حين أن أقوال والدة المجني عليه وخالته ليست أدلة وفي بيان ذلك يقول الطاعن:-
(إن البينة المباشرة هي شهادة الطفل المجني عليه وهو يبلغ من العمر خمس سنوات والقانون يتطلب تعضيد شهادته لحداثة سنه وعدم احتمال معرفته لماهية اليمين لقد اعتمدت المحكمة على شهادتي والدة المجني عليه (ست النفر عبد الله) وخالته شاهدة الاتهام الثالثة وهي شهادة ظرفية وليست مباشرة ولا تفيد في إثبات موضوع الحادث وفوق ذلك فإنها متناقضة مع شهادة المعمل الكيماوي (مستند اتهام 3) عن عدم وجود حيوانات منوية في ملابس المجني عليه وملابس المتهم والتي جاء فيها "لقد أثبت التحليل الكيماوي تحت المجهر وجود حيوانات منوية بالمعروضات أعلاه" كما تناقض شهادة الطبيب عند الفحص والتي قرر فيها عدم وجو أي آثار للاتصال بسبب إستحمام المتهم حديثا
هذا النعي مردود عليه بأنه رغم صحة القول بأن شهادة الصغير يجب تعضيدها على ما جرى القضاء وبوجه أخص في الجنايات الخطيرة إلا أن التعضيد لا يجب أن يقتصر على الدليل المباشر بل على المحكمة أن تأخذ بكافة الأدلة القانونية مثل القرائن والشهادة النقلية المقبولة على وجه الاستثناء في بعض الظروف مثل شكوى المجني عليه في جرائم الجنس وهتك العروض وغير ذلك من الظروف والملابسات متى كان ذلك متفقاً مع حكم العقل والمنطق دون أن تتقيد بدليل معين أي سواء أكان الدليل المؤيد دليلاً مباشرا أو غير مباشر
وقاعدة تعضيد شهادة الصغير لا نص عليها في قانون الإجراءات الجنائية ولا القانون الهندي ولكنها وليدة أحكام القضاء والفقه الجنائي وهي واجبة الإتباع سواء حلف الصغير اليمين أو لم يحلف وشهادة الصغير تكون ذات وزن نسبي بقدر ما يثبت للمحكمة من تمييز لدى الصغير أو حسن إدراك حتى لو لم يتجاوز السابعة من عمره
ولما كانت الأسباب أن المحكمة لم تعتمد في الإدانة على أقوال الصغير المميز فحسب – البالغ من خمس سنوات وليس في الخامسة كما يقول الطاعن – بل على الأدلة غير المباشرة والقرائن والظروف الملابسة أيضا مثل بكاء الطفل وشكواه الصارخة لخالته ثم لوالدته فور مقابلتهما له من أن المتهم قد اعتدى على شرفه وأقوال والدته التي قامت بإبلاغ البوليس دون تردد وشهادة الطبيب الدالة على وجود جروح بشرج المجني عليه يوم الحادث ورؤيته وهو يبكي وهروبه يوم الحادث وكلها أدلة يمكن أن يستخلص منها استخلاصاً سائغا بأن المتهم قد ارتكب جريمة تحت المادة 318 من قانون العقوبات فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد شابه خطأ في تطبيق القانون
ولا يقدح في سلامة الحكم ما قيل عن عدم وجود آثار للحيوانات المنوية في ملابس المتهم أو جسمه ذلك لأن جريمة المواقعة يكفي فيها إيلاج عضو التذكير لدى الرجل كلياً أو جزئيا في جسم آخر سواء أكان ذلك مصحوباً بإفراز المني أو غير مصحوب به مادام ذلك الاتصال العمدي كان ضد نواميس الطبيعة دون رضا المجني عليه (انظر كتاب قانون العقوبات السوداني معلقا عليه للدكتور محي الدين عوض – الطبعة الأولى – ص 471) ولأن عدم وجود آثار في جسم المتهم يعزى إلى استحمامه وفقا لشهادة الطبيب وهو سبب يؤدي عقلا إلى إزالة الحيوانات المنوية بغرض أن القانون يتطلب مثل ذلك الأثر وهو لا يتطلبه كما يبين من شرح المادة المذكورة القائل "الإيلاج كاف لتوفر ركن المواقعة اللازم لهذه الجريمة" ولما كانت تلك الأدلة جميعها كافية لحمل الحكم فإنه لا يؤثر على صحته ما استطر فيه من إيراد لقول شاهد الاتهام الأول من وجود بقع من الدم بالمرحاض ذلك لأن الحكم يقوم على دعامات من أقوال المجني عليه التي لم تتغير طوال مراحل التحقيق والمحاكمة وأقوال غيره من الشهود ومن وجود جروح في جسم المجني عليه هي من آثار اتصال جنسي وفق رأي الطبيب ووجود تلك الآثار ثبوت للأصل المسبب لوجود الدم ولذلك فإن إثبات أو نفي الدم قد جاء نتيجة جروح المجني عليه لم يكن ذا أثر يمكن أن يتغير به وجه الرأي في الحكم
ومما ينعاه الطاعن بالسبب الثاني في الحكم المطعون أنه مشوب بخطأ في تطبيق القانون وتأويله لأنه لم يفسر الشكل لصالح المتهم وهو قول مردود بأن محكمة الموضوع وقد انتهت بحق على ما سلف بيانه في الرد على السبب الأول من أن إجماع الأدلة المباشرة وغير المباشرة قد تضافر لثبوت أن المواقعة لم تحدث إلا من المتهم وحده فإنه ما كان لها بعد ذلك أن تفسر الشكل لصالح المتهم ذلك لأنه ما دام الاتهام قد أوفى بالعبء المنوط به من إثبات الجريمة في حق المتهم فوق كل شك معقول فإنه يتعين الحكم بإدانة المتهم
لكل ما تقدم يتعين رض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه وهو ينطوي على الرد الكافي بالنسبة لعد تخفيف العقوبة لأقل من ثلاث سنوات لجسامة الجريمة وخطورتها على المجتمع