سابقة منشورة بمجلة 1971
سابقة منشورة بمجلة 1971
محكمــة الإســتئناف
القضــاة
سيادة السيد/ محمد الفضلي شوقي قاضي محكمة الإستئناف بالخرطوم رئيساً
سيادة السيد/ حسين محمد حسين قاضي محكمة الإستئناف بالخرطوم عضواً
حكومة السودان ضــد محمــد أنور حامــد
م أ/ م ك/127/72
المبادئ
قانون العقوبات – الدفاع عن النفس- لا يطلب ممن يمارس حقه في الدفاع الشرعي عن النفس تفسير دفاعه وفقاُ لما يطرأ من تغييرات في الظروف كان المتهم والمجني عليه في مكان عام يدبره شاهد الاتهام الخامس عندما احتد النقاش بينهما مما دعا الحاضرين للتدخل بينهما ترك المتهم المحل بعد النزاع ولكن المجني عليه لحق به وأصابه بسكين كانت لديه ثلاث مرات وقعت على الوجه وأعلى الصدر استطاع المتهم انتزاع السكين من المجني عليه وأصابه بها ست مرات أدت إلى الوفاة
لا يطالب ممن يمارس حقه في الدفاع الشرعي عن النفس أن يغير طريقة دفاعه طبقا للظروف التي تجد كما لا يحكم عليه في ممارسة حقه وجهة نظر الرجل الهادئ التفكير
المحامــون
وكيل نيابة مديرية كسلا عن النائب العام
الحكم
6/9/1972
القاضي محمد محمد الحسن شقاق
هذا طلب إستئناف تقدم به وكيل نيابة مديرية كسلا ضد القرار الذي أصدرته محكمة كبرى انعقدت ببور تسودان قضت فيه ببراءة المتهم محمد أنور حامد من الاتهام الذي وجه له تحت المادة 251 من قانون العقوبات
تتخلص وقائع القضية في أن المتهم والمجني عليه كانا في محل عام "قهوة" يديرها شاهد الإتهام الخامس على إبراهيم علي عندما ثار بينهما جدل وفرق الحاضرون بينهما ثم غادر المتهم المحل ولكن المجني عليه لحق به وطعنه ثلاث طعنات على الوجه وأعلى الصدر "الترقوة" فانتزع المتهم السكين من المجني عليه وأصابه بها ست مرات على أجزاء مختلفة من جسمه حتى سقط على الأرض أسعف المتهم والمجني عليه وفي المستشفى توفي المجني عليه بعد دقائق من وصوله
قررت المحكمة أن المتهم هو الذي سبب موت المجني عليه وأنه كان لديه سبب للاعتقاد بأن الموت نتيجة مرجحة ثم ذهبت إلى أن المتهم عندما طعن المجني عليه كان يمارس حقه في الدفاع عن النفس ولم يتجاوز حدود ذلك الدفاع
إننا نتفق مع السيد وكيل النيابة في رأيه أن المحكمة أخطأت عندما قررت أن المتهم لم يتجاوز حدود الدفاع عن النفس لقد ذكر المتهم – وأصر على ذلك- انه لم يكن مسلحاً وأنه أخذ سكين المجني عليه عنوة بعد أن أصابه الأخير بها ثم سدد الطعنات بدوره للمجني عليه حتى سقط الأخير على الأرض لو كانت البينات التي تدل على أن المتهم استعمل سكينا غير السكين التي كان يحملها المجني عليه (وهي السكين التي عرضت أمام المحكمة) متوفرة لكان في الوسع القول بأن المتهم لم يتجاوز حدود الدفاع عن النفس لأنه كان يصد عن نفسه طعنات المجني عليه له ولكن المحكمة استبعدت هذه الأدلة وقبلت قول المتهم انه لم يكن يحمل سكيناً ولابد لنا من قبول قرار المحكمة هذا
من هذا نخلص إلى أن المتهم قد ثبت له الحق في الدفاع عن النفس ابتداء وذلك بسبب اعتداء المجني عليه وطعنه له ولكنه لم يكن في حاجة لصد هجوم المجني عليه إذ أنه أخذ منه السكين التي كان يستعملها ولذلك فإنه يكون قد تجاوز حدود الدفاع عن نفسه خاصة وأنه قد طعن المجني عليه ست طعنات لهذه الأسباب أرى أن نرفض تأييد قرار البراءة وأن نعيد القضية لنفس المحكمة لمراجعة قرارها طبقا لهذه المذكرة
18/10/1972
القاضي حسين محمد حسنين
وقائع هذه القضية موضحة في مذكرة زميلي السيد محمد محمد الحسن شقاق أنني أختلف معه في الرأي وأرى أن نؤيد قرار المحكمة الكبرى لقد استفز المجني عليه المتهم أولا في "القهوة" ثم تربص به وطعنه في أماكن خطيرة في الوجه وأعلى الصدر قرب العنق والترقوة وقد استطاع المتهم أن ينزع السكين من المجني عليه وأن يسدد له طعنات قاتلة إن الشخص الذي يدافع عن حياته لا يمكن أن يقرر دفاعه مستنداً على ما يطرأ من تغييرات أثناء دفاعه بعد أن انتزع السكين أنه أصبح على مأمن من نفسه إنني أرى أن المتهم تنطبق عليه أحكام المادة 61 من قانون العقوبات وأنه كان محقاً في قتل المجني عليه دفاعاً عن نفسه يقول العلامة قور في كتابه قانون العقوبات الهندي الطبعة الثانية في الصحيفة رقم 690 معلقا على المادة 100 من قانون العقوبات الهندي والتي تعادل المادة سوداني61
“A man who is assaulted is not bound to modulate his defence step by step according to the attack Where the assauit has once assumed a dangerous form every allowance should be made for one, who, with the instinct of self preservation strong upon him, pursues his defence a little further than to a perfectly cool by-stander would seem absolutely necessary”
وفي نفس المرجع نجــد في الصحيفة رقم 689
“The law will always makes just allowance for the sentiment of a person placed in a situation of peril who has no time to think”
وإذا تمعنا وقائع القضية نجد أن المجني عليه أحد أفراد قبيلة البني عامر بينما المتهم من قبيلة الهدندوة وهناك تنافر بين أفراد القبيلتين فشاهد الاتهام الرابع محمد حامد وهو من بني عامر أنكر أن المجني عليه من قبيلته وحاول أن يشهد لصالح المجني عليه ونجد أن شهادته متضاربة ففي محكمة الإحالة قال أنه شاهد المتهم يضرب المجني عليه أولا ثم أقر في استجواب المحكمة له أن المتهم كان أمامه والمجني عليه كان خلفه وأنه سار أمامهما مسافة وعند استجوابه بواسطة محامي المتهم ذكر أنه التفت صدفة فشاهدهما (أي المجني عليه والمتهم) يتعاركان ولذلك فهو لا يعرف ما إذا كان المجني عليه قد ضرب المتهم قبل المجني عليه وكما أقر هذا الشاهد أمام محكمة الإحالة أنه يعرف المجني عليه وأنه صديقه نجد أن الشاهد أمام المحكمة الكبرى لا ينكر صلته بالمجني عليه بل لا ينكر أيضا أن المجني عليه كان من أفراد قبيلته هنالك شك كبير حول السكين الثانية التي وجدت بمكان الحادث خاصة ولم يوجد بها أي أثر للدم كما لم يستطع رجال البوليس الذين حضروا بعد الحادث مباشرة العثور عليها
للأسباب السابقة أرى أن نؤيد قرار المحكمة ببراءة المتهم
2/12/1972
القاضي محمد الفضلي شوقي
أعتقد أن المحكمة التي نظرت القضية قد فحصت البينات والأدلة فحصا دقيقاً وأجرت كل الموازنات اللازمة ووضعت كل الاعتبارات التي تتطلبها ظروف الحادث وإني أرى أن قرارها بأن المتهم لم يتجاوز حد الدفاع الشرعي عن النفس لا مجال للطعن فيه على ضوء الاعتبارات والموازنات السابق ذكرها لقد كان هنالك استفزاز مفاجئ وحاد من جانب المجني عليه تطور إلى ملاحقة من جانب المجني عليه نحو المتهم ثم تعدي بالسكين عليه مما وضع المتهم في موقف كانت حياته فيه مهددة بخطر جسيم وهذا يكفي لمنح المتهم حق الدفاع الشرعي عن النفس الذي يمكن أن يصل لدرجة تسبيب الموت لهذا أؤيد قرار براءة المتهم