سابقة منشورة بمجلة 1971
سابقة منشورة بمجلة 1971
المحكمة العليا
القضاة
صاحب السعادة السيد/ خلف الله الرشيد رئيس المحكمة العليا رئيساً
سعادة السيد/ صلاح الدين شبيكة قاضي المحكمة العليا عضواً
سعادة السيد/ هنري رياض سكلا قاضي المحكمة العليا عضواً
حكومة السودان ضد إبراهيم إدريس حسن
م ع/م ك/94/72
المبادئ
قانون الإثبات – أقوال المحتضر – تطابق أقوال المحتضر وأقوال بقية الشهود – لا ضرورة أن تكون أقوال المحتضر قد أدلى بها عند فقدان أمل الحياة
(1)
استقر القضاء في السودان على الأخذ بأقوال المتوفى دون أن تكون تلك الأقوال قد صدرت ساعة الاحتضار وسواء كان الشخص الذي صدرت منه لم يعد له أمل في البقاء أو ما زالت تنبض عروقه بذلك الأمل
(2)
لا ينطوي أخذ المحكمة بأقوال المتوفاة رغم ما لازمها من ضعف نتيجة غياب المتهم عند تسجيلها على مخالفة للقانون لوجود بينة أخرى تدعمها وتتطابق معها
كانت المجني عليها زوجة للمتهم في بلادها خارج السودان ولكنها تركت زوجها هناك ودخلت السودان وتزوجت رجلا أخر وحبلت منه
جاء المتهم يبحث عنها حتى عثر عليها ولكنهما لم يتوصلا لحل لخلافهما وبعد حوالي الأسبوعين من عثوره عليها أصيبت المجني عليها بطعنة قاتلة من آلة حادة توفيت على إثرها جاء في أقوالها وهي تعاني من آلام الأذى أن زوجها هو الذي أصابها وكانت أقوالها قد أخذت في غياب المتهم
الحكـــم
27/6/1972
قدم المتهم إبراهيم إدريس حسن إلى المحكمة أمام محكمة كبرى بالقضارف تحت المادة 251 من قانون العقوبات وأصدر الحكم عليه بالإعدام في 2/3/1972 بعد إدانته
تقدم المتهم بطعن ضد الحكم بتاريخ 2/3/1972 ونعى على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون إذ قال (وأنا لا أعرف عن موتها شيئا كل ما في الأمر أنها عند استجوابها ذكرت بأني أنا الذي طعنتها بسكين كما أن هناك بعض الشهود المهمين في قضيتي هذه لم يحضروا ساعة المحكمة)
وحيث أن الإثبات في المواد الجنائية طليق من القيود إلا القليل منها مما نص عليه القانون صراحة وأن للقاضي سلطة واسعة وحرية كاملة في سبيل تقصي ثبوت الجريمة أو عدم ثبوتها وفي أن تختار من طرق الإثبات ما يراه مؤديا إلى كشف الحقيقة حسبما يستفاد من وقائع كل دعوى وظروفها
وحيث أن المحكمة الكبرى قد بينت بجلاء في حكمها الأدلة التي أقنعتها بوقوع جريمة قتل على شخص المجني عليها والتي تؤدي إلى النتيجة التي خلصت إليها منها فإن عدم العثور على شاهد مباشرة لرؤية الجريمة لا يطعن بثبوت وقوع القتل بناء على ما رأته المحكمة من أقوال المتوفاة في محاضر التحقيق الأولى ومما ذكرته لبعض الشهود وغير ذلك من القرائن التي اقتنع بها وجدانها على تكوين عقيدتها وقد تصدت المحكمة الكبرى لكل ذلك إذ ذكرت لقد سجل القاضي أقوال المتوفاة في الصفحة الرابعة من يومية التحري ولم يكن المتهم موجوداً فلابد للمحكمة أن تضع في اعتبارها أن هذه البينة قد ضعفت بغياب المتهم وعليها أن تبحث عن بينات أخرى لتؤيدها بها)
لقد شهد شاهد الاتهام الرابع والخامس بأن المتوفاة أخبرتهم عند سؤال شاهد الاتهام الرابع لها عن القاتل أخبرتهم بأن زوجها قد طعنها وعندما استفسر عن اسم زوجها حدثته وذكرت "زوجي إبراهيم" الصفحة الثامنة من إجراءات المحاكمة لا ريب أن ما قاله الشاهدان شهادة سماعية ولكنها تتسم بالسمات الآتية:-
لقد كانت تلك الأقوال تتعلق وذات صلة بالحادث وفي نفس ساعة الحادث عندما كانت المتوفاة ملقاة على الأرض تتلوى من الآلام وتستنتج المحكمة من هذه الظروف أن المتوفاة قالت تلك الكلمات من غير تدبير أو تفكير
قد يقال أن شهادة شاهدي الاتهام الرابع والخامس قد تقع بين الاستثناءات لقاعدة الشهادة السماعية كما ذكرت بيد أن تلك الشهادة استمدت من المتوفاة التي اعتبرنا أقوالها عند الاحتضار أقوالا ضعيفة بسبب غياب المتهم عند أخذ تلك الأقوال ومن ثم فإن شهادة شاهدي الاتهام الرابع والخامس قد أخذتا من نفس المصدر الضعيف ولا سند لضعيف قد تكون في هذه الحجة بعض القوة ولكن إذا أخذنا أقوال المتوفاة في يومية التحري فنجدها في المرات الثلاثة لا خلاف بينها وبين ما قالته لهذين الشاهدين فهذه الأقوال تنهض دليلا على صدق قول المتوفاة وتقوى من شهادة الشاهدين وتسند وتعضد من أقوال المتوفاة عند الاحتضار
وحيث أن القضاء لدينا قد جرى واستقر على أن يأخذ بأقوال المتوفى وفقا لأحكام القانون الهندي التي لا تتطلب أن تكون تلك الأقوال قد صدرت منه في وقت لم يعد له أمل في البقاء على قيد الحياة أو ما زالت تنبض عروقه بالأمل في البقاء وذلك تطبيقا لأحكام المادة 32 من قانون الإثبات الهندي التي تنص الفقرة الأولى منها على ما يأتي
(الأقوال سواء كانت مكتوبة أو شفوية والخاصة بوقائع متعلقة بالدعوى والصادرة من شخص المتوفى أو شخص لا يمكن العثور عليه أو لا يمكن إحضاره دون تعطيل شديد أو بمصروفات باهظة والتي تبدو للمحكمة وفقا للظروف أنها غير معقولة تعتبر هي نفسها وقائع متعلقة بالدعوى في الحالات التالية:
1) إذا كان القول صادرا من الشخص عن سبب وفاته أو عن أي من ظروف الحادث الذي أدى إلى وفاته وذلك في الحالات التي تثار فيها مسألة موت ذلك الشخص وتعتبر تلك الأقوال متعلقة بوقائع الدعوى سواء كان الشخص الذي صدرت منه وقت الإدلاء بها متوقعاً للموت أو لم يكن متوقعاً له وكيف كانت طبيعة الإجراءات التي يثار فيها سبب وفاته)
لذلك فإن اعتبار المحكمة لأقوال المتوفاة المتواترة ثلاث مرات في يومية التحري رغم ما شابها من ضعف لعدم حضور المتهم نتيجة هربه دليلاً من الأدلة التي تؤدي إلى النتائج التي توصلت إليها لا ينطوي على مخالفة للقانون لأنها اعتمدت في تأييد ذلك الدليل على قرائن أخرى وردت في شهادة كل من الشاهد الرابع والخامس إذ ذكرت بأن المتوفاة قد أخبرتها بأن المتهم هو الذي قتلها وكان ذلك بعد الحادث مباشرة دون ن يسع الوقت للتلفيق أو الانتقام
ولم تكتف المحكمة الكبرى بذلك بل عرضت لجميع الظروف والملابسات إذ استطردت في حكمها:
(ولن تكتفي المحكمة بذلك لنرجع لسلوك المتهم والظروف المحيطة بالحادث لنرى إن كان بها ما يشير بإصبع الاتهام إلى المتهم كقاتل للمتوفاة
أولاً: لقد تزوجت المرحومة وما زالت في عصمة المتهم بل وحملت سفاحا وهذا كاف لإثارة حمية ورجولة المتهم بل لقد ذكر المتهم في أقواله أنها رفضت الذهاب معه وبالتالي رفضته
ثانياً: لقد حضر المتهم إلى المنزل الذي كانت تسكنه المتوفاة ولم يكن سلوكه وديا تجاهها وتجاه أخيها شاهد الاتهام الثاني فلم يقض الليلة معهما مما ينهض دليلا على غضبه من تصرف زوجته وعلمه بمكان سكناها
ثالثا: الطريقة البشعة التي طعنت بها المتوفاة تدل دلالة واضحة على أن غرض الجريمة كان الانتقام والتشفي ومن كان يحقد على المتوفاة أكثر من زوجها المفجوع فيها؟
رابعا: حضور المتهم لنقطة بوليس القضارف يوم16/12/69 بعد أربعة عشر يوماً من الحادث وتفسيره المتضارب المتناقض لسبب حضوره فقد ذكر في يومية التحري صفحة (8) (أنا ذهبت للمستشفى لزيارة زوجتي وخفت أن الحكيم يقول لي أنت طعنت المره وحضرت هناك)
وعند استجواب قاضي الإحالة له ذكر "حضرت إلى المركز بالقضارف لكي اسأل عن الشخص الذي طعنها"
أن تناقض المتهم في تفسير سبب مجيئه لنقطة البوليس مثل حي لقولة يكاد المريب أن يقول خذوني" وحيث أن الحكم قد اعتمد على أقوال المتوفاة والشهود والقرائن بما يؤدي عقلا ومنطقا إلى النتيجة التي توصل إليها فإنه لا يكون قد خالف القانون إذ ورد بالحكم أن هذه البينات الظرفية وشهادة شاهدي الاتهام الرابع والخامس هي إثبات قوي تؤيده وتعضده أقوال المتوفاة عند احتضارها الأمر الذي يدل على أن الحكم المطعون فيه لم يعتمد في الحكم على مجرد أقوال المتوفاة على ما قد يبدو لأول وهلة عند بحثه لتقييم مثل ذلك الدليل قانوناً بل اعتمد الحكم على ذلك الدليل مؤيدا جميع القرائن والظروف والملابسات والأقوال المعاصرة على ما سلف بيانه
وبعد أن تصدى الحكم المطعون فيه لبيان توفر اركان جريمة القتل العمد واورد ادله مقبولة على النتيجه التي رتبها عرض للإستثناء الذي بدأ مناسباً وفقاً للظروف وهو الإستفزاز الشديد المفاجيء فقالت المحكمه:
"المتهم زوج للمتوفية ولكنها تركته قبل الطلاق منه وتزوجت بشخص آخر وحبلت منه كل هذه الحقائق قد تثير المتهم وتحمله لفعل هذا التخوف على أسباب معقولة كما لتكتمل عناصر المادة 249(1) لابد لهذه الإثارة أو الاستفزاز أن يكون كاملا ضد المعترف دون حاجة إلى المحكمة أن المتهم علم بحضور المتوفاة من جمهورية تشاد منذ مدة طويلة كما علم أنها حضرت مع رجل وجاء إليها وتحدث معها ولم يسفر حديثهما عن تسوية الأمر بينهما ثم أصيبت المجني عليها بعد أسبوعين من تاريخ مقابلتهما بالمدة التي قضاها في البحث عنها والمدة التي كانت بين مقابلته لها والحادث مدة معقولة تنهض دليلا على أن المتهم دبر أمره وقرر التنكيل بالمجني عليها)
لما كان ذلك وكان ما انتهى إليه الحكم فيما تقدم كافيا وسائغا في إثبات نية القتل العمد وتوافرها لدى الطاعن فإن الطعن على الحكم يكون متعينا رفضه كما أنه لا يعيب الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع ذلك لأن الطاعن لم يطلب من المحكمة الكبرى ولا قاضي الإحالة استدعاء شاهد معين ولذلك لا يقبل منه إثارة مثل هذا الطلب أمام هذه المحكمة
وحيث أنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً وتأييد الإدانة