سابقة منشورة بمجلة 1971
سابقة منشورة بمجلة 1971
المحكمــة العليـــا
القضــاة
سعادة السيد/ صالح محمد علي عتيق نائب رئيس المحكمة العليا رئيساً
سعادة السيد /رمضان علي محمد قاضي محكمة الاستئناف المنتدب عضواً
حكومة السودان ضــد ســمير محمد حسن وآخـر
(م ع/ط ج/4/72)
أدانت محكمة أول درجة المتهمين تحت المادة 8(3) من قانون الرقابة المتبقية سنة 1966 مقروءة مع المادة 92 من قانون العقوبات وحكمت عليهما بالتوقيع على تعهد بحسن السير والسلوك تحت المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية أيدت محكمة قاضي المديرية قرار المحكمة فتقدم كل من وكيل النيابة والمتهمين بطلبين لاعادة النظر أمام السيد رئيس القضاء في 1/7/1972 أصدرت محكمة الاستئناف قرارا في الأمر مؤيدة أحكام المحاكم الأدنى غير أن المحكمة ذاتها في 23/7/19721 أمرت بإلغاء قرارها الصادر في 1/7/1972 وأمرت بتحويل الموضوع للمحكمة العليا
المبادئ
قانون الإجراءات الجنائية – الطعن بالنقض أمام درجات المحاكم في النواحي الجنائية – القياس على المسائل المدنية بموجب المادة (4) من قانون المرافعات لسنة 1972 – معنى الطعن – المادة 231 – قانون المرافعات – قانون السلطة القضائية سنة 1972 والمادة (95) منه
1-
الطعن بالنقض عن طريق جديد لمراجعة الأحكام استحدثه قانون السلطة القضائية لسنة 1972 بموجب المادة (95) منه وله سمات تحدده بأن
( أ )
يقدم للمحكمة العليا وحدها
(ب)
أن يكون محكوماً بمتطلبات المادة 231 من قانون المرافعات المدنية سنة 1972 بموجب فقرتيها (أ) و (ب)
( ج)
إن يكون متعلقا بأحكام المحاكم التي تباشر اختصاصها للاستئناف من الدرجة الثانية وهي الأحكام التي تصدرها محكمة الاستئناف متعلقة بالأحكام التي ترد إليها من المحكمة الكلية سواء أكانت تلك الأحكام صادرة من المحكمة الكلية في حدود اختصاصها الابتدائي أو اختصاصها عند ممارستها لسلطاتها الاستئنافية
2-
يطبق قانون الإجراءات الجنائية وفقا لما يطرأ عليه من تعديلات على تحديد طرق الاستئناف والطعن بالنقض في المسائل الجنائية
3-
يمكن استنباط قواعد الطعن بالنقض في المسائل الجنائية قياسا على القواعد التي حددتها المادة (4) من قانون المرافعات المدنية لسنة 1972 بالنسبة للمسائل المدنية
المحامـــون
مصطفى أبو العلا عن المتهمين
الحكم
6/3/1973
أحيلت الإجراءات المرفقة إلى هذه المحكمة بناء على قرار صادر من محكمة الاستئناف في يوم 23/7/1972 على أساس أن الطلب المقدم لها يشكل طعناً بالنقض في مادة جنائية تختص بالنظر فيه المحكمة العليا وحدها وقالت محكمة الاستئناف أنها تؤسس قرار الإحالة على الفقرة الأولى من المادة 95 من قانون السلطة القضائية
في يوم 26/12/71 أدانت محكمة جنايات الخرطوم المشكلة من قاضي من الدرجة الأولى المتهمين تحت المادة 93 من قانون العقوبات مقروءة مع المادة 8(3) من قانون الرقابة المتبقية لعام 1966 وحكمت عليهما بالتوقيع على تعهد بحسن السير والسلوك لمدة عام تطبيقا للمادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية تقدم المتهمان بطلب لاعادة النظر ضد قرار الإدانة لقاضي مديرية الخرطوم (الدائرة الجنائية) وفي يوم 9/1/1972 تقدم المتهمان بطلب إعادة النظر ضد ذلك القرار للسيد رئيس القضاء ثم تقدم وكيل نيابة الخرطوم في 23/2/1972 بطلب لاعادة النظر أمام السيد رئيس القضاء طاعنا في صحة العقوبة التي صدرت من المحكمة ضد المتهمين وفي يوم 1/7/1972 – وهذا حد هام- أصدرت محكمة الاستئناف قرارا في الطعنين المقدمين لها
بالنسبة لطلب المتهمين أيدت المحكمة قرار الإدانة وبالنسبة لطلب وكيل النيابة أيدت أيضا العقوبة سجلت محكمة الاستئناف مذكرة بالقرار وأسبابه ووقعت عليها وسجل رئيس الدائرة القرار على صحيفة العقوبة ووقع عليها في ذات التاريخ ومن ثم أصبح حكما قائما قانونا- وهو بذلك الوصف وتلك الطبيعة لا تستطيع ذات المحكمة التي أصدرته العدول عنه أو إلغائه أو تعديله لكن في يوم 23/7/1972-
-وهذا جد غريب- أعادت ذات المحكمة –محكمة الاستئناف- وأصدرت قرارا بإلغاء حكمها السابق وأمرت بإحالة الإجراءات للمحكمة العليا على أساس الأسباب الموضحة في مذكرتها الأخيرة
ولهذا طرح هذا الموضوعات أمام هذه المحكمة وما أظن هذه المحكمة بحاجة لتمضية أي وقت لتقول أن قرار محكمة الاستئناف الأخير – بتاريخ 23/7/1972 مخالف صراحة لقاعدة قانونية أولية تقضي ببساطة على أن محكمة الاستئناف لا تستطيع قانوناً أن تلغي حكمها ومن ثم فإن هذه المحكمة تعتبر أن قرار محكمة الاستئناف بتاريخ 23/7/73 باطل وكأن لم يكن لمخالفته للقانون الذي يقضي بعدم اختصاص ذات المحكمة الجنائية بإلغاء حكم أصدرته من قبل كما في مثل هذه الحالة ومن ثم يكون حكم محكمة الاستئناف هو ذلك الذي أصدرته في 1/7/1973
إن بعض التشريعات التي صدرت متتابعة منذ يوم 3/6/72 قد نتج عنها بعض الفراغ القضائي والقانوني في أكثر من موضع وواجبنا الأول كمحاكم هو محاولة ملء هذا الفراغ وتكملة القصور ما أسعفتنا لذلك النصوص القائمة وقواعد التغيير على أن نكون حذرين ي الوقوف عند حد اختصاصنا كسلطة قضائية دون تخطيه لاختصاص السلطة التشريعية وبعده هذا فإن كل ما نستطيع أن نقوله هو أن المشرع لم يعرض إرادته واضحة حتى يمكن تطبيقها إن القانون الإجرائي الذي مازال يحم مسار الدعوى الجنائية بما في ذلك طرق الطعن في الأحكام هو قانون الإجراءات حسب التعديلات التي ألحقت به – في صلبه أو في أي قانون آخر كما في قانون السلطة القضائية لعام 1973 والموقف في قانون الإجراءات الجنائية بصدد طرق الطعن الجائز في الأحكام جد واضح الأحكام الصادرة من قضاة المحاكم الجنائية المنفردين بدرجاتهم الثلاث يطعن فيها بالاستئناف أو بطلب إعادة النظر أمام قاضي الدائرة سواء كان قاضي للمديرية أو قاضي للمحكمة العليا وكل ما قررته الأحكام الوقتية الواردة في الفقرات 2 و3 و4 من المادة 95 من قانون السلطة القضائية هو أنها حددت الأجهزة القضائية الجديدة التي خلقها قانون السلطة القضائية كبديلة للأجهزة القضائية التي حددتها النصوص الملغاة حسب ما نص عليها قانون الإجراءات الجنائية والتي لم يعدلها الآن وجود قانوني وهذه الأحكام الوقتية التي وردت في المادة 95 من قانون السلطة القضائية يستمر العمل بها في النواحي الجنائية إلى أن يصدر قانون جديد للإجراءات الجنائية أو أن يعدل القانون الحالي ليواكب الوضع القانوني الجديد
مواصلة لاستعراض طرق الطعن في الأحكام الجنائية وفي قانون الإجراءات الجنائية فإننا نقول أن التظلم من قرار قاضي الدائرة الصادر في استئناف عن حكم القاضي الجنائي المنفرد يقدم –كآخر طريق- لرئيس القضاء الذي حلت محله حالياً محكمة الاستئناف وفي حكم الفقرة الأولى المادة 95 من قانون السلطة القضائية هذا عن طريق الطعن في أحكام القضاء الجنائيين أمام أحكام المحاكم الكبرى فتذهب –تأييدا أو استئنافا أو طلب إعادة النظر لرئيس القضاء ووفق الأحكام الوقتية الواردة في المادة 95 من قانون السلطة القضائية فإن المحكمة العليا –وفي الفقرة الخمسة تختص بالنظر في تأييد واستئناف الأحكام الخاضعة للتأييد وهي أحكام الإعدام أو السجن مدى الحياة طالما كانت هذه خاضعة من قبل لتأييد رئيس القضاء أما الاستئنافات وطلبات إعادة النظر فيما عدا ما أشرت إليه سابقا من أحكام المحاكم الكبرى فترفع لمحكمة الاستئناف وفي حكم الفقرة الأولى من المادة 95 من قانون السلطة القضائية هذا هو وضع قانون الإجراءات الجنائية بصدد طرق الطعن في الأحكام الجنائية الصادرة من كافة محاكم الجنايات حتى اليوم ويستطيع كل متظلم أن يسلك ذات الطريق بكل درجاته المستعرضة هنا
إن ما تم تشريعه من قوانين من اليوم الثالث من يونيه سنة 1972- تاريخ استصدار قانون السلطة القضائية سنة 1972 يتطلب منا أن نستعين بالنصوص القانونية المناسبة وإعمال قواعد التفسير لتكملة القصور فيها وسد أي فراغ بها وإذا لم تسعفنا هذه الوسائل فليس لدينا قانونا غير أن نقف عند حد اختصاصنا القضائي ونقول أن المشرع لم يعرض لنا إرادته متكاملة واضحة حتى نطبقها مع دعوة له –على الأكثر- لملء ذلك الفراغ وليس لنا –ونحن المسئولون عن تطبيق القانون أن نتعمد مخالفة صريحة لقانون مهما كانت المبررات
إن قانون السطه القضائيه لسنة 1972 قد إستحدث طريقاُ جديداً لم يكن معروفاً من قبل لدينا هي طريق الطعن بالنقض في المسائل الجنائيه وذلك طبقاً للماده 10(أ) و (ب) من قانون السلطه القضائيه وقد ورد في الحكم الوقتي المنصوص عليه في الماده 9(أ) لذلك القانون مايفيد بإحالة الطعون بالنقض للمحكمه العليا والواقع إنه لم يكن ممكناً للمحاكم تطبيق ذلك النص في ذلك الوقت 1972/6/3 لعدم وجود قانون وقتها يحدد ماهية وطبيعة الطعن بالنقض ذلك إن قانون السلطه القضائيه كان قد إكتفى بتقرير الحق دون تفصيله
وقد عرضت مسألة الطعن بالنقض في الأحكام الجنائية في قضية سابقة هي إجراءاتنا رقم م ع/طعن جنائي1972/7 وقد جاء فيها أن قانون الإجراءات الجنائية الواجب التطبيق على المواد الجنائية لا يعرف طريق الطعن بالنقض في الأحكام ومن ثم وبداهة فقد خلت نصوصه من تحديد ماهية هذا الطعن والإجراءات المتعلقة به ولقد تقرر حق الطعن بالنقض في الأحكام أمام المحكمة العليا بما يشمل المسائل الجنائية لأول مرة بقانون السلطة القضائية لعام 1972 لكن دور هذا القانون اقتصر على مجرد تقرير هذا الحق دون تحديد طبيعته والإجراءات المتعلقة به وفي اليوم الأول من يوليو 1972 أصبح قانون المرافعات المدنية ساري المفعول وقد حددت المادة الرابعة منه نطاق تطبقه إذ نصت على الآتي "يطبق هذا القانون على الإجراءات المتعلقة بالمواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية وعلى الإجراءات المتعلقة بغيرها من المواد فيما لم يرد بشأنه نص في قوانين أخرى بالرغم من أن قانون السلطة القضائية قد قرر حق الطعن بالنقض في الأحكام الجنائية إلا أنه لا يوجد أي قانون حتى الآن يحدد طبيعة الطعن بالنقض في المواد الجنائية والإجراءات المتعلقة بذلك ومن ثم يتعين إعمال حكم المادة الرابعة من قانون المرافعات المدنية ويقتضي ذلك تطبيق القواعد الإجرائية التي ورد النص عليها في الباب الرابع عشر- وبالذات الفصل الخامس منه –على الطعن بالنقض في الأحكام الجنائية- آخذين في الاعتبار بالطبع بعض الفوارق اللصيقه بطبيعة الحكم الجنائي ونفس هذا المبدأ طبق في إجراءاتنا رقم م ع/طعن جنائي1972/8
ووفق قاعدة تطبيق أحكام قانون المرافعات المدنية المتعلقة بالطعن بالنقض في المواد المدنية على الطعن بالنقض في المواد الجنائية فيما لا يتعارض وطبيعة المواد الجنائية وهذه هي القاعدة التي توصلت إليها هذه المحكمة عن طريق إعمال حكم المادة الرابعة فماذا يعني الطعن بالنقض في المواد الجنائية قانوناً في جوهره وفي هيكله العام؟
إنه يعني أنه طريق غير عادي لطعن في الحكم تضبطه قواعد أساسية هي:
-1-
أن يقدم إلى المحكمة العليا وحدها
-2-
أن يقدم ضد أحكام محاكم الدرجة الثانية فقط وهي الأحكام الصادرة من محكمة الاستئناف في نظرها للاستئنافات المقدمة لها ضد أحكام المحاكم الكلية الابتدائية وكذلك الأحكام الصادرة في المحاكم الكلية في قضايا استئناف أحكام الجزئية "المادة 231 والمادة 211(3) من قانون المرافعات المدنية"
-3-
أن يستند الطعن في محتواه على حالة من الحالات التي نصت عليها الفقرتان (أ) و (ب) من المادة 231 على سبيل الحصر هذا هو شكل الطعن بالنقض في الأحكام الجنائية من ناحية قانونية ومن المهم ملاحظة أن هذا التكييف القانوني للطعن بالنقض في المواد الجنائية وكذلك المدنية" ما كان يمكن التوصل إليها قبل يوم1972/7/1 تاريخ سريان الطعن بالنقض في المادة العاشرة من قانون السلطة القضائية والتعرض له الوارد في المادة 95(أ) منه يظل عاطلا تماما غير قابل للتطبيق بواسطة المحاكم وذلك لانعدام أي تعريف قانوني للنقض ولطبيعته وحالاته حتى ذلك التاريخ
لقد حررت الفقرة الأولى من المادة 95 من قانون السلطة القضائية حكما وقتيا باستمرارية محكمة الإستئناف في نظر أعمال معينة كانت من اختصاص جهات قضائية معينة انتهت وذلك على النحو الموضح في هذه الفقرة بما في ذلك الاستثناء وهذا الحكم الوقتي يسري وسوف يسري مفعوله على القضايا التي كانت منتظرة في وقت سريان العمل بالقانون وعلى تلك التي تلحق طالما كانت مبررات هذا الحكم الوقتي قائمة لم تنته بصدور تشريعات جديدة تواكب الموقف القانوني الجديد والاستمرارية بهذا المعنى يدل عليها مثلا اختصاص محكمة الاستئناف "كبديل لرئيس القضاء" حتى الآن بالنظر في الإستئنافات واعادات النظر التي تقدم لها ضد أحكام المحاكم الكبرى دون الإعدام والسجن المؤبد حتى ولو لم تكن القضية منتظرة أمامها في وقت سريان القانون إنما وردت بعد ذلك اليوم وحتى تشريع جديد كبديل لهذا الحكم الوقتي أما الاستثناء الوارد في هذه الفقرة فقد جاء فيه: "وذلك فيما عدا الطعون بالنقض فتحال بحالتها وبدون رسوم إلى المحكمة العليا ويخطر ذوو الشأن بقرار الإحالة" هذا الاستثناء في نظرنا هو وحده في هذه الفقرة الذي ينحصر أثره في القضايا التي كانت أمام محكمة الاستئناف القديمة في وقت سريان القانون ويستفاد ذلك من أمرين أولهما أن عبارة "تحال بحالتها" تعني أنها كانت منتظرة فعلا عند حصول الواقعة المؤثرة وثانيهما: فإن أي قضايا تصل لمحكمة الاستئناف بعد سريان القانون وترى أنها غير مختصة بالنظر فيها قانونا فإنه فقط تحكم بعدم اختصاصها ولا تأمر بإحالتها إلى المحكمة العليا – على الأكثر توجه المستأنف بالطريق الصحيح
منذ يوم 1972/7/1 فإن عبارة "فيما عدا الطعون بالنقض فتحال بحالتها وبدون رسوم إلى المحكمة العليا " تصبح عبارة مفهومة وقابلة للتطبيق تماما فلا تشكل لغواً من جانب المشرع ذلك أنه وفي تاريخ سريان القانون الجديد كانت توجد أمام محكمة الاستئناف القديمة (أو رئيس القضاء) إعادة النظر المدنية التي قدمت ضد أحكام المديريات في قضايا استئنافات أحكام المحاكم الجزئية التي لم يفصل فيها بعد وبما أنه ومنذ يوم 1972/7/1 أصبح غير ممكن قانونا الطعن في أحكام محاكم المديريات تلك أمام جهة قضائية أعلى إلا أمام المحكمة العليا وبطريق الطعن بالنقض فتلتزم محكمة الاستئناف شكلاً بإحالة هذا النوع من القضايا الذي وجدته منتظراً أمامها إلى المحكمة العليا لتفصل فيه شكلاً ثم موضوعاً وفي رأينا أن تفسير استثناء الإحالة هذا والوارد فبي الفقرة الأولى من المادة 95 إنما ينحصر انطباقه على المواد المدنية دون الجنائية والدليل على ذلك أن استعمال المشرع لعبارة "بدون رسوم" إنما يعني أنه قصد بذلك الاستثناء المواد المدنية وحدها
ومن جهة أخرى فإن الوضع القانوني القائم حتى اليوم بصدد طرق الطعن في المواد الجنائية يحتم إجراء هذا التفسير دون سواه إن قانون الإجراءات الجنائية الساري المفعول حتى اليوم مع سائر التعديلات التي وردت عليه ما زال يسمح الخصوم أن يطعنوا في أحكام القضاة الجزئيين أمام قضاة الدوائر "المحاكم الكلية الآن" ويسمح لهم أن يطعنوا في أحكام محاكم الدرجة الثانية هذه أمام رئيس القضاء "محكمة الإستئناف الآن" كآخر مرحلة ولا نستطيع نحن أن نلغي أو نعدل هذا الوضع القانوني الصريح والذي ما زال ساري المفعول إذن يستطيع الخصم أن يطعن بطريق الاستئناف أو إعادة النظر في أحكام المحاكم الكلية الصادرة في إستئناف أحكام القضاة الجزئيين أمام محكم الاستئناف كآخر مرحلة إذا شاء الطاعن سلوك هذا الطريق الذي ما زال القانون يقره ويستوي في ذلك أن يكون طعنه مستندا على القانون وحده أو على الوقائع وحدها أو عليهما معا بكل بساطة هذا هو الوضع القانوني القائم حتى اليوم ولذلك وتأييداً للتفسير أن الاستثناء ينحصر انطباقه على المواد المدنية دون الجنائية – فلا يوجد قانونا أمام محكمة الاستئناف في وقت سريان القانون الجديد إجراءات جنائية نحيلها للمحكمة العليا على أساس أنها تشكل طعنا بالنقض إن محكمة الاستئناف وفق القانون القائم تختص بالنظر في الطعن ذلك بوصفه إستئنافاً أو إعادة نظر مقدماً لها كبديل لرئيس القضاء ضد حكم محكمة الدرجة الثانية وتفصل فيه بذلك الوصف من ناحية القانون ومن ناحية الوقائع طالما أن الخصم اختار سلوك ذلك الطريق ولم يلجأ للطريق المستحدث (طريق الطعن بالنقض) وفق ضوابط كما سيتضح بعد قليل
أما طريق الطعن المستحدث (طريق الطعن بالنقض) والذي توصلنا إلى تطبيقات له في المواد الجنائية عن طريق القياس بأعمال حكم قاعدة الإسناد الواردة في المادة الرابعة من قانون المرافعات المدنية فطريق سلوكه مفتوح ومتاح للمتقاضين شريطة أن يلتزموا ضوابطه وأحكامه والقول بأن كل محتوى الطعن بالنقض هو مخالفة القانون (إلى آخر ما ورد في الفقرتين (أ) و (ب) من المادة 231) قول غير متكامل لتعريف أحكام هذا الطعن طريق النقض في هيكله يرتكز على ثلاثة شعب أولها هو محتواه وهو المتعلق بمخالفة القانون إلى آخر ما ورد في الفقرتين (أ) و (ب) من المادة 231 من قانون المرافعات سنة 1972 وثانيها جهة يقدم لها وهي المحكمة العليا وحدها وثالثها –وهو هام- الجهة التي يطعن في أحكامها بالنقض وهي أحكام محاكم الدرجة الثانية – أي أحكام محاكم الإستئناف في قضايا إستئناف أحكام المحاكم الكلية الإبتدائية وأحكام المحاكم الكلية في قضايا إستئناف أحكام المحاكم الجزئية (حسب الحكم الوقتي للمادة 95 من قانون السلطة القضائية فإن المحاكم الكلية تشكل جنائياً محاكم كبرى والمحاكم الجزئية تشكل جنائيا محاكم قضاة جنايات بدرجاتها الثلاث) هذا هو نطاق الطعن بالنقض في أبعاده الرئيسية ووفق هذا التحديد القانوني لطريق الطعن بالنقض فإنه لا يمكن قانوناً الطعن بالنقض في حكم محكمة الاستئناف الصادر بصدد حكم من المحكمة الكلية صادرة في قضية إستئناف ضد حكم محكمة قاضي للجنايات ذلك لأن الطعن بالنقض في هذه الحالة يكون مقدما ضد حكم محكمة الدرجة الثالثة وليس الثانية وهذا لا يجوز بصريح حكم القانون وثانيا لأن سلوك ذلك الطريق تحكمه قواعد قانون الإجراءات الجنائية وحدها ووفقاً لهذا فإن حكم محكمة الاستئناف في هذه الحالة (وهي البديل لرئيس القضاء) يكون باتا في جميع الأحوال –أي لا يقبل الطعن بأي طريق
وبهذا الاستعراض نكون قد توصلنا بأعمال قواعد التفسير والاستناد إلى النصوص القانونية المناسبة لملء الفراغ وتكملة القصور بصدد طريق الطعن المستحدث (النقض) في المواد الجنائية هذا الفراغ الذي سببه عدم صدور قانون الإجراءات الجنائية بما يواكب الوضع القانوني الجديد ومن ثم فإن القواعد القانونية التي تحكم طرق الطعن في الأحكام الجنائية (القديمة والمستحدثة) تكون كما يلي:-
/1/
أحكام قضاة الجنايات بدرجاتها الثلاث يطعن فيها بالاستئناف أو طلب إعادة النظر أمام المحاكم الكلية المختصة محلياً
/2/
أحكام المحاكم الكبرى وتتولاها المحاكم الكلية بصفة ابتدائية وفق الحكم الوقتي في المادة 95(4) يطعن فيها بالاستئناف وطلب إعادة النظر (ما عدا حالة الفقرة (5) من المادة 95) أمام محكمة الاستئناف
/3/
أحكام محكمة الإستئناف المشار إليها في الفقرة (2) أعلاه يجوز الطعن فيها بالنقض أمام المحكمة العليا لأنها أحكام صادرة من محكمة الدرجة الثانية – إذا توفرت في حقها أحكام الطعن بالنقض الأخرى الواردة في المادة 231 من قانون المرافعات المدنية
/4/
أحكام المحاكم الكلية المشار إليها في الفقرة (1) أعلاه وتقبل الطعن بطريق الطعن القديم والذي ما زال ساري المفعول وتقبل الطعن كذلك بالطريق المستحدث وهو طريق الطعن بالنقض لكن ذلك لا يعني تواجد الطريقين معا في نفس الوقت الوضع القانوني المستعرض هنا لا يقبل ذلك وإنما يقضي بأن سلوك أحدهما يسقط حتما حق سلوك الطريق الآخر ضد هذا الحكم (حكم المحكمة الكلية بصفة إستئنافية) يمكن تقديم إستئناف أو طلب إعادة النظر لمحكمة الإستئناف كآخر طريق للطعن وفي قانون الإجراءات الجنائية (يستوي في ذلك أن يستند الطعن على القانون أو الوقائع أو كليهما) وسلوك هذا الطريق يسقط الحق في سلوك طريق الطعن بالنقض بعد ذلك إذ يصبح في هذه الحالة غير جائز قانوناً لأنه سيكون مقدماً ضد حكم محكمة الإستئناف هذا والصادر منها بوصفها محكمة الدرجة الثالثة وليس الثانية ولأن طريق محكمة الاستئناف ذاك هو آخر طريق طعن متاح في مثل هذه الحالة وفق القانون الذي يحكم هذا الطريق وهو قانون الإجراءات الجنائية والأمر الآخر هو أنه ضد حكم المحكمة الكلية هذا يمكن تقديم طعن بالنقض للمحكمة العليا رأسا لأنه صادر من محكمة الدرجة الثانية إذا توافرت شروط الطعن بالنقض في مثل هذه الحالة يسقط الحق في سلوك الطريق القديم لمحكمة الاستئناف والذي ما زال قائما (الاستئناف أو طلب إعادة النظر) هذا هو الوضع القانوني في هذا الصدد في ظل الظروف الحالية كما نراه وعلى سبيل المناقشة الصرف فإننا نقول أن هذا الموقف لا يجافي العدالة ولا مبادئ القانون الطبيعي في ظل الإمكانيات القانونية المتاحة حالياً ذلك أنه لا يحرم الخصم من درجة تقاضي كانت متوفرة له من قبل كما لا يمنعه من سلوك طريق طعن جديد منحه له القانون صراحة أو عن طريق الاستنتاج بالضرورة
واستناداً على ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه بهذا الطلب (حكم محكمة الاستئناف الصادر بتاريخ 1972/7/1 لا يقبل الطعن بطريق النقض إذ أنه حكم صادر من محكمة الدرجة الثالثة ثم أنه حكم نهائي بات وفق القانون الذي يحكم ذلك الطريق الذي سلكه الطاعن وهو قانون الإجراءات الجنائية لكل هذه الأسباب فإننا نقرر عدم قبول هذا الطعن بالنقض شكلاً