سابقة منشورة بمجلة 1973
سابقة منشورة بمجلة 1973
المحكمة العليا
القضاة
صاحب السعادة السيد خلف الله الرشيد رئيس المحكمة العليا رئيساً
سعادة السيد هنري رياض سكلا قاضي المحكمة العليا عضواً
سعادة السيد الصادق عبد الله قاضي المحكمة العليا بالإنابة عضواً
استاوروس كالستراتوس الطاعن
ضد
فتحية عبد الله حاج حسن المطعون ضدها
م ع/ط م/259/73
المبادئ
قانون تقييد الإجارات لسنة 1953 – الحاجة الماسة – عدم إمكانية تجزئة طلب الإخلاء – الاعتبارات المؤدية لثبوت الحاجة الماسة المادة 11(هـ)
-1-
إذا ثبتت الحاجة الماسة فإن من واجب المحكمة الاستجابة لطلب الإخلاء ولا تملك المحكمة صلاحية إصدار أمر خلاف ذلك
-2-
المبادئ التي استقر عليها القضاء لإثبات الحاجة الماسة هي :
أولاً : على المالك أن يثبت أنه يطلب المنزل لسكناه الشخصية
ثانياً : لا تعني الحاجة الماسة والملحة أن يحشر الناس في منازل ضيقة لا تتسع
ثالثاً : إن حاجته لسكنى المنزل ماسة ملحة في كل الظروف للسكنى الكريمة للأسرة
رابعاً : أن تكون سكناه في الموضع الذي هو فيه لم تعد مضايقة له فحسب بل أن بقائه في ذلك الموضع أصبح مشقة لا تطاق ويكون البديل عندئذٍ البحث عن مسكن آخر
المحامون
فوزي التوم منصور عن الطاعن
علي محمود حسنين وسعد ياجي عن المطعون ضدها
الحكـــم
8/7/1973
هذا طلب بالنقض في حكم محكمة أمدرمان الكلية الصادر في 20/3/73 والقاضي بتأييد قرار المحكمة الجزئية فيما يختص بحاجة المطعون ضدها (المدعية) الماسة للمنزل موضوع النزاع وتعديل الحكم ليشمل إخلاء الطاعن (المدعى عليه) من المنزل المذكور
وقائع هذا النزاع باختصار هي أن الطاعن (المدعى عليه) هو مستأجر لجزء من المنزل رقم 589 (3) 2/4 مدينة أمدرمان وأن المطعون ضدها (المدعية) هي المالكة المسجلة لذلك المنزل رفعت المطعون ضدها قضية في محكمة أمدرمان الجزئية في مواجهة الطاعن مطالبة بإخلاء المنزل لحاجتها الماسة والملحة في حقيقة الأمر يستعمل الطاعن جزءاً من ذلك المنزل يتكون من صالون وأربعة غرف وتستعمل المطعون ضدها غرفتين وصالة
تتحصل أسباب الطعن الذي تقدم به محامي الطاعن في الآتي
أولاً : أخطأت المحكمة الكلية في تفسير حكم المحكمة الجزئية عندما اعتبرت أن المحكمة الجزئية قد اقتنعت بثبوت حاجة المطعون ضدها الماسة والملحة لاستعمال هذا الجزء من المنزل , كما أخطأت المحكمة الكلية في استقرائها لحكم المحكمة الجزئية بحسبانه يقضي بإخلاء جزء من المنزل
ثانياً : أخطأت المحكمة الكلية في مسألة ترجيح البينات لأن ما ورد من أقوال لا يوضح أكثر من أن المطعون ضدها لم تكن مرتاحة في سكناها وهذا لا يسوغ أمراً بالإخلاء وضرب لذلك مثلاً بالسابقة القضائية (هيلين ديربياتس ضد ورثة أحمد المهدي (1960) مجلة الأحكام القضائية ص 164)
ثم أن المطعون ضدها لا تريد المنزل لشخصها وإنما تريده لسكنى زوجها والحاجة الماسة مقصورة على صاحب المنزل كما جاء في السابقة القضائية (فضل بربري ضد عبد القادر محمد عمر (1965) مجلة الأحكام القضائية صفحة 103) أيضاً حسب أحكام الشريعة الإسلامية يكون على الزوج واجب توفير السكن لزوجته لا العكس وضرب مثلاً لذلك بقضية : (حسن وجعفر عبد الرحمن ضد سنوسي محمد سر الختم (1960) مجلة الأحكام القضائية ص 33)
زيادة على ذلك يبدو أن المطعون ضدها لم تكن جادة في طلب الحيازة بدليل أنها انتظرت لمدة سنتين بعدما أنذرت الطاعن بالإخلاء وهذا واضح مما استنتجته المحكمة الجزئية بدليل أنها لم تسلم بطلبات المطعون ضدها
ثالثاً : على سبيل الاحتياط إذا اعتبرنا أن الحكم يقضي بتجزئة العقار فإن المحكمة الكلية قد أخطأت في فهمها بأن التجزئة لا تجوز
رابعاً : لم تلتفت المحكمة الكلية إلي الدفع القانوني من أن عقد الإيجارة يمنع المطعون ضدها من استرداد الحيازة
وجاء في رد المطعون ضدها ما يتلخص في الآتي
-1-
سبب الدعوى كما هو واضح هو الحاجة الماسة وما كان يجوز للمحكمة الجزئية أن تحكم لصالح المطعون ضدها لو لم تثبت الحاجة الماسة ودليل ذلك أن المحكمة الجزئية حكمت بإخلاء جزء من العقار
-2-
يمنع الطاعن من إثارة مسألة الحاجة الماسة وعدم ثبوتها لأنه قبل الحكم ولم يستأنف (المادة 194 من قانون المرافعات لسنة 1972) والقول بأن المطعون ضدها تطالب بالحيازة لسكنى زوجها قول مردود لأنها تريد أن تسكن هي وأفراد أسرتها وهذا ما قررته قضية (إبراهيم رزق ضد ميلاد فانوس (1969) مجلة الأحكام القضائية ص 42) التي وضعت مبدأ وحدة الأسرة أنا قضية فضل بربري فوقائعها تختلف ولا يعتد بها في هذا المقام
-3-
لا يجوز إثارة عقد الإيجارة الآن لأن المحكمة الجزئية قد قضت فيه ولم يستأنف الطاعن ثم أن المادة 216 من قانون المرافعات المدنية لسنة 1972 تتحدث عن الاستئناف وليس الرد
-4-
قضت المحكمة الجزئية بتجزئة العقار ولكن المحكمة الكلية صححت هذا الوضع الشاذ
وبعد الاطلاع على المذكرات وكافة الأوراق يتضح أن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية وبذلك يتعين النظر في موضوعه
رفعت المطعون ضدها دعواها أمام المحكمة الجزئية مطالبة بإخلاء العقار رقم 589(3) 2/3 مدينة أمدرمان بسبب الحاجة الماسة لسكناها الشخصية
صرحت العريضة في يوم 27/6/1972 , وفي جلسة السماع الأولى التي أجلت عدة مرات تمت الموافقة على نقاط النزاع وجاء في المحضر أن الطاعن (المدعى عليه) قد أقر بملكية المطعون ضدها (المدعية) للمنزل وأن من المسلم به أن الطاعن (المدعى عليه) هو المستأجر وحددت نقاط النزاع فيما يتعلق بالحاجة الماسة وأثر العقد المبرم على تحديد الإيجارة تلقائياً
ثبت لمحكمة الموضوع أن عقد الإيجارة قد بدأ قبل ثمانية عشر عاماً وأنه خلال تلك المدة قد تغيرت حالة المطعون ضدها وزاد عدد أسرتها وأنها تعيش في ضيق شديد مع عائلتها ولذلك قررت كما ورد في منطوق الحكم أن يسمح لها باستعمال الحجر الأربعة في الجزء موضوع النزاع إذا أرادت ذلك على أن ينحصر استعمال الطاعن (المدعى عليه) على الصالون ولم يصدر أمر بإخلاء
استأنفت المطعون ضدها هذا الحكم أمام المحكمة الكلية بانية أسباب الاستئناف على أن حكم المحكمة الجزئية في الواقع قرار بتجزئة العقار بلا مبرر قبلت المحكمة الكلية الاستئناف وقررت أن حكم المحكمة الاستئنافية الجزئية وقع معيباً للأسباب الآتية:-
أولاً : بما أن الحاجة الماسة تعتمد على نقطة نزاع جوهرية هي مدى حاجة المدعي الماسة للعقار محل النزاع فإن الإجابة على ذلك بنعم يترتب عليها الأمر بإخلاء العقار وإلا فيلزم شطب الدعوى وبما أن محكمة الموضوع قد أجابت بنعم على ذلك السؤال فإن الحاجة الماسة قد ثبتت وكان يجب أن يصدر حكم بالإخلاء
ثانياً : جاء الحكم مخالفاً لما درجت عليه المحاكم من عدم اللجوء إلي التقسيم
ثالثاً : كون أن المنزل كان مقسماً لا يؤثر في دعوى الحاجة الماسة مادام النزاع في جزء فإذا ثبتت الحاجة الماسة فلابد من الإخلاء
رابعاً : كان عقد الإيجارة فيما يختص بهذا الجزء ودخول المحكمة في التقسيم يعني تعديل عقد الإيجارة بينما أن عقد الإيجارة قد انتهى بثبوت الحاجة الماسة
خامساً : بما أن المدعية (المطعون ضدها) قد أفلحت في إثبات حاجتها الماسة والملحة للعقار حيث ثبت أن أسرتها تتكون من تسعة أشخاص وأن ظروفها الموضوعية قد تغيرت كذلك منذ نشوء عقد الإيجارة , فقد كانت لها طفلة في ذلك الوقت وأن عدد الأطفال قد زاد وأن الأطفال قد أصبحوا كباراً أكبرهم يبلغ من العمر 19 سنة والثاني 17 سنة , فإن الحجرتين والصالة التي يسكنون فيها لا تكفي ولا تناسب العائلة , وبما أن العائلة تحتاج ككل عائلة أخرى إلي صالون فإنه لابد من إخلاء كل العقار
ونود أن نقرر بادي ذي بدء أن المحكمة الكلية حالفها التوفيق في هذا الحكم فقد أخطأت المحكمة الجزئية خطأً كبيراً في أنها لم تصدر حكماً بالإخلاء عندما ثبت لها أن المدعية (المطعون ضدها) قد أثبتت حاجتها الماسة والملحة لاسترداد حيازة العقار موضوع النزاع وكان أمام المحكمة طريقان إما رفض طلبات (المدعية) أو قبولها أو الحكم لها ببعض الطلبات ورفض الباقي ولكن كان للمدعية طلب واحد هو الإخلاء للحاجة الماسة
يثير محامي الطاعن (المدعى عليه) نقطة جوهرية في هذا الخصوص وهو أن الحاجة الماسة لم تثبت حسب ترجيح البينات وأن المحكمة الجزئية باعتبارها محكمة الموضوع لم تقتنع بثبوتها , بيد أننا نجد أن المحكمة الجزئية تقول بالحرف : " مما لا شك فيه أن المدعية تعيش في ضيق شديد , فمن المؤكد أن حجرتين وصالة لا تكفي لتسعة أشخاص خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن أبناء المدعية كبروا وتعدوا مرحلة الطفولة ويبدو أن المدعى عليه نفسه لا ينكر الضيق الذي تعيش فيه المدعية (أنظر محضر القضية)
سلوك الطاعن (المدعى عليه) نفسه يؤيد ما ورد من بينات , فعرضه بالتخلي عن الغرف الأربعة في الجزء الذي يشغله يعني أنه اقتنع بالضيق الذي تعانيه المطعون ضدها (المدعية) ويبدو أن المحكمة الجزئية قد حالفها التوفيق في اختيار كلمة "الضيق" وهي كلمة لها مدلول كبير في قضايا الإخلاء للحاجة الماسة خصوصاً في ضوء حكم المحكمة العليا وأخيراً في قضية (محمد كرار ضد الفاتح سليمان م ع/ط م/315/1973) فقد استعرضت المحكمة العليا السوابق الهامة في هذا الخصوص واستنبطت المبادئ التي استقر عليها قضاء السودان فيما يلي :-
أولاً :على المدعي أن يثبت أنه يطلب المنزل لسكناه الشخصية
ثانياً : أن حاجته لسكنى المنزل حاجة ماسة وملحة
ثالثاً : لا تعني الحاجة الماسة والملحة أن يحشد الناس في منازل ضيقة لا تسمح كل الظروف للسكنى الكريمة للأسرة
رابعاً : أن تكون سكناه في الموضع الذي هو فيه لم تعد مضايقة فحسب بل أن بقائه في ذلك أصيح مشقة لا تطاق ويكون البديل عندئذٍ البحث عن مسكن آخر
وليس هناك ما يلزم المؤجر بتجشم المشاق والبحث عن مسكن آخر في سبيل إراحة المستأجر لأن الغرض من سن قانون تقييد الإيجارات هو حماية المستأجر من استقلال المالك الجشع لا لتمكين المستأجر من قهر المالك العادي وإلا لأصبح المنزل وبالاً على صاحبه
وبتطبيق هذه المبادئ على وقائع القضية الماثلة لا نجد أن المحكمة الكلية قد أخطأت بل لعلها قد أصلحت ما فات على المحكمة الجزئية وباستقراء الحكم نجد أن المحكمة الجزئية في الواقع قد حكمت بإخلاء جزء من الجزء المتنازع عليه في العقار المذكور ولكنها تركت المحكوم لها بالخيار رغم أنه لم يكن لعبارة (إذا أرادت ذلك) الواردة في منطوق الحكم قيمة لأن المحكوم له في كل الحالات حر في أن ينفذ أو لا ينفذ ما قضى له به
أما القول بأن المطعون ضدها تريد المنزل لسكنى زوجها مردود عليه لأنها لم تطالب بالمنزل إلا لأن أبنائها الذين يقيمون معها قد كبروا وليس ثمة ما يحتاج إلى دليل إذ ثبت أن البنت قد بلغت الثامنة عشرة فالمتعارف والذي تأخذ به المحكمة علماً قضائياً أن البيت لا يجب أن تكون مع الولد في حجرة واحدة في مثل هذا العمر ولم تعدو المحكمة الكلية الحقيقة عندما قررت " وهذا السكن فيه ضيق ومعاناة وغير صحي ولا يفي بحاجاتهم الضرورية ولا يجد رب الأسرة مكاناً لمعاشرة زوجته"
وهذه القضية تختلف عن قضية فضل بربري ضد عبد القادر محمد عمر (1965) مجلة الأحكام القضائية ص 103 في أن المالك في تلك القضية كان يسكن سنجة والمالكة في هذه القضية تسكن في أمدرمان في جزء من المنزل موضوع النزاع ولا نرى ما يوجب الإشارة إلى واجب الزوج في توفير السكن لزوجته لأن هذه النقطة لم تكن موضوع نزاع ولم ترد في المرحلة الأولى من هذه الإجراءات وهي بعد غير ذات صلة بسبب الدعوى
أثار محامي الطاعن أن المحكمة لم تلتفت إلي أن هناك عقداً نافذ المفعول يمنع المطعون ضدها (المدعية) من استرداد الحيازة وجاء في رد محامي المطعون ضدها أن الطاعن ممنوع من إثارة هذا الدفع في هذه المرحلة لسببين الأول أن الطاعن لم يستأنف الحكم وبذلك قبله بموجب المادة 194 من قانون المرافعات لسنة 1972 لا يجوز إثارة دفع جديد أمام المحكمة الاستئنافية , والثاني أن السبب الذي أورده محامي الطاعن , من أنه أثار هذه النقطة أمام المحكمة الاستئنافية لأن المادة 216 من قانون المرافعات تقضي بأن النزاع ينقل برمته إلى المحكمة الاستئنافية , ليس سبباً صحيحاً أن أحكام المادة 216 تنطبق على حالة المستأنف وليس على حالة المستأنف ضده
ونرى أن ما ذهب إليه محامي المطعون ضدها صحيح لأن منطوق المادة صريح ولا يحتاج إلي تبيان ورد في الفقرة الأولى من تلك المادة : "الاستئناف ينقل الدعوى بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف بالنسبة لما رفع عنه الاستئناف فقط , فالقول إذن أن الاستئناف ينقل الدعوى فقط غير دقيق فالاستئناف ينقل الدعوى " بالنسبة لما رفع عنه الاستئناف فقط"
وهذا ينطبق على حالة المستأنف وينبغي ألا يفيد منه المستأنف ضده وإلا لأصبحت أحكام المادة 194 من قانون المرافعات غير ذات موضوع , ولاضطرب مبدأ نهاية الأحكام ونفاذها فالطاعن لعدم استئنافه حكم المحكمة الجزئية يعتبر قابلاً له , وهو بالتالي يمنع من إثارة أية مسألة لم يشأ أن يثيرها أمام محكمة الموضوع ولا يحق له أن ينتهز فرصة نقل الدعوى أمام المحكمة الاستئنافية بسبب استئناف الطرف الثاني لإثارة النزاع من جديد كان حكماً لم يصدر
عليه ولما ورد أعلاه نرى شطب الطعن من حيث الموضوع وإلزام الطاعن بالرسوم وترد له الكفالة