سابقة منشورة بمجلة 1973
سابقة منشورة بمجلة 1973
المحكمة العليا
القضاة
سعادة السيد مهدي الفحل رئيس محكمة الاستئناف رئيساً
سعادة السيد دفع الله الرضي قاضي المحكمة العليا عضواً
سعادة السيد الصادق عبدالله قاضي المحكمة العليا بالانابة عضواً
اجزخانة ابونخلة الطاعنة والمدعى عليها
ضد
سكينة محمود سعيد المطعون ضدها والمدعية
م ع/ ط م/ 140/ 73
المبادئ
القانون المدني لسنة 1971 – المسئولية التقصيرية الناجمة عن العمل غير المشروع – واجب الصيدلي العام نحو الجمهور - متى يندرج خرقه تحت المسئولية التقصيرية ومتى يندرج تحت الاخلال بالعقد – المادة 149
القانون المدني لسنة 1971 – اسس تقدير التعويض – المقصود بالتعويض الاسمي – المواد 202 و 203 قدم زوج المدعية المطعون ضدها تذكرة طبية لصرف دواء يسمى Gestanon من الصيدلية المدعى عليها (الطاعنة) وعن طريق الاهمال صرفت الصيدلية له دواء آخر يسمى (Rastanon ) تناولته المدعية وتعرضت بسب ذلك الى الام مبرحة استلزمت علاجاً متواصلاً وعرضت حياتها للخطر
(1)
الالتزام الذي ينشأ من اهمال الصيدلي في واجبه ليس التزاماً تعاقدياً بل هو التزام ينبع من المسئولية التقصيرية الناتجة عن خرق الصيدلي لواجبه العام نحو الجمهور اذا كان الضرر الناتج عن ذلك جسيماً
(2)
اذا كان الضرر الناشئ عن خرق ذلك الالتزام طفيفاً يمكن أن يدرج الالتزام تحت المسئولية التعاقدية
(3)
يلزم تقدير التعويض على وجود الوقائع المثبتة او المنفية والتي يبنى عليها حساب مقدار التعويض
(4)
التعويض الاسمي هو ما كان اسمياً في تقديره قولاً ومعنى ولذلك لا يمكن أن يكون التعويض المقدر بمبلغ 100 جنيه تعويضاً اسمياً
المحامون
عمر ابوبكر عن المدعية والمطعون ضدها
عبد الرحمن كورتي عن المدعى عليها والطاعنة
الحكم
20/8/1973
حاصل الطعن أن الزوجة المدعية (المطعون ضدها) ووكيلها تقدم بتاريخ 13ر12ر1968 بتذكرة (روشتة) لصرف دواء قرره لها الطبيب واسم الدواء Gestanon وعن طريق الاهمال صرفت لها الصيدلية المدعى عليها (الطاعنة) دواء يسمى Rastanon وللدواء الاخير خواص مغايرة تماماً بل مضادة للدواء الذي قرره الطبيب صرفه للمطعون ضده
عند استعمال الدواء " Rastanon” تعرضت المطعون ضدها لمخاطر كبيرة تمثلت في آلام مبرحة وانهيار عصبي وفي اجهاضها لجنينها ولدى فحصها بواسطة الطبيب على أثر ما انتابها من آلام تبين اهمال الصيدلية في صرف دواء مضاد للدواء المقرر
وقد تعرضت المطعون ضدها للعلاج فترة طويلة ولم تعد لحالتها الطبيعية حتى تاريخ الدعوى
تعويضاً عن الاهمال الذي تسبب في كل هذه الويلات للمريضة (المطعون ضدها) فقد طالبت بتعويض جملته 1750 جنيه تفاصيله كالاتي
250 جنيه عن الالام التي لحقت بها
400 جنيه عن المرض العصبي الذي نجم عن استعمال الدواء
100 جنيه مصاريف العلاج
1000 جنيه فقدها لجنينها الذي اجهضته
أنكرت المدعى عليها (الطاعنة) مسئوليتها عن الاضرار التي اصابت المطعون ضدها وبعد أن صاغت محكمة الموضوع نقاط النزاع واستمعت الى بينة الطرفين بما فيها بينات طبية ادلى بها الطبيبان انتهت المحكمة الى أن المدعية لم تثبت من الاضرار المشار اليها سوى نزيف استمر تسعة ايام بسبب تعاطيها لدواء الراستتون
وبذلك وجدت المحكمة أن الصيدلية قد اخطأت وترتب على خطئها ضرر الغير يعتبر وفقاً للمادة 144 من القانون المدنى عمل غير مشروع يلزم من ارتكبه بالتعويض
وخلصت المحكمة الى أن التعويض يجب أن يقدر بصورة موضوعية ولا يمكن اخذه بمنظار المدعية الذي جسمه بصورة لا تتفق مع ما تجمع امام المحكمة من بينات ولذلك عملا بالمادتين 202 و 203 من القانون المدني فقد قضت محكمة الموضوع بتعويض اسمي للمدعية قدره 100 جنيه وشطبت الدعوى فيما عدا ذلك
استأنف الطرفان حكم محكمة الموضوع للمحكمة الكلية التي لم تجد في البينات ما يثبت الاضرار التي حاقت (بالمطعونة ضدها) والتي فصلتها في عريضة دعواها ما عدا الالام التي اصابتها فقد اقتنعت المحكمة الكلية بأن الدواء (راستنون) كان سبباً في الالام التي عانتها المطعون ضدها وعليه فقد رفعت المحكمة الكلية التعويض من 100 جنيه الى 200 جنيه وشطبت حكم محكمة الموضوع اذ أن التقدير الاخير ليس اسمياً بل هو تعويض عن الام التي لحقت بالمطعون ضدها
وضد حكم المحكمة الكلية تقدمت الطاعنة (المدعى عليها ) بهذا الطعن ويأخذ الطعن على حكم محكمة الموضوع القصور في إغفالها للبينة التي قدمتها الطاعنة والخاصة بتزوير تذكرة الدواء وتنكر الطاعنة بأن التذكرة التي قدمت للصيدلية وصرف بموجبها الدواء هي ذات التذكرة التي حررها طبيب المطعون ضدها كما ينعي الطعن على الحكم انه لم يتيقن بالبينة التي يتطلبها قانون الاثبات من أن المطعون ضدها كانت حبلى عند استعمالها للدواء وكذلك لم تثبت المحكمة عن الفترة التي استمر فيها النزيف ومثل هاتين الواقعتين لا يجوز للمحكمة التوصل اليهما استدلالا
وبعد أن قررت محكمة الموضوع أن الصيدلي قد ادى واجبه بدقة فانه من التناقض دمغه بالاهمال
وينعى الطعن اخيراً على الحكم بأنه طالما أن شخص البائع لم يحدد فليس هناك مبرر قانون لاسناد المسئولية على الصيدلية الطاعنة بوصفها متبوعا
واعترض محامي المطعون ضدها على أوجه الطعن ووصفها بأنها اما أن تكون لا خلاف عليها عند نظر الدعوى أو أنها من البديهيات التى لا نزاع حولها والتي يجب أن يسلم بها واما لأنها لا تمس صميم الموضوع
وبخصوص مأخذ الطاعن على تذكرة الدواء فقد أشار محامي المطعون ضدها الى التذكرة نفسها والى شهادة الزوج الذي صرفها وشهادة الشخص الذي كان يرافقه ورتب محامي المطعون ضدها على ذلك أن خطأ الطاعنة كان مركباً من فعل وامتناع فهي امتنعت عن صرف الدواء الصحيح خطأ ثم انها قامت بالفعل بصرف دواء آخر ضار ايجابياً بالمطعون ضدها
ولاثبات رابطة السببية بين تناول الدواء وحدوث الاضرار موضع التعويض استدل محامي المطعون ضدها باقوال زوج المطعون ضدها واقوال جيرانها وبالشهادة الفنية التي ادلى بها الطبيب سيد احمد الذي كان طالب طب نهائي عند تناول المطعون ضدها للدواء وحول شهادة هذا الطبيب جاء في حكم المحكمة الكلية ما يلي
(صحيح أن الطبيب سيد احمد عبد الله كان طالباً في سنته النهائية ابّان نشوء موضوع الدعوى في سنة 1968 ولكنه كان طبيبا مارس مهنته لمدة سنتين ابان الادلاء بشهادته امام محكمة الموضوع والذي يؤخذ في الاعتبار وليس وضعه عند نشوء موضوع الدعوى )
وقد رجحت المحكمة الكلية بحق شهادة الطبيب سيد احمد ووصفتها بأنها (منطقية ومقبولة) وهي فعلا كذلك بالمقارنة بشهادة الطبيب أمين جبر ميخائيل الذي نفى أن يكون للراستنون أثر على المطعون ضدها وأضاف بأنه يمكن التغلب على مفعوله في حرق السكر بتناول عصير وسكريات بكميات وافرة ولكن السؤال من اين للمطعون ضدها أن تعلم أن الراستنون هو الجستنون حتى تحتاط لتلافي مفعوله في حرق السكر ؟ انها طبعا عندما تعاطت الراستنون لم يكن لديها ادنى شك في انه الجستنون الموصوف لها لوقف النزيف لذلك فشهادة الطبيب سيد احمد هي اقرب الى الحياد والدقة
بعد الاطلاع على كافة الاوراق ومن بينها حكما المحكمتين الجزئية والكلية وكذلك مرافعات الطرفين يتبين لنا أن محكمة الموضوع عالجت هذا القصور تحت المادة 149 من القانون المدني بالإضافة الى المادتين 202 و 203 من نفس القانون كما أن المحكمة الكلية استندت ايضاً على المادة 149 المشار اليها وعلى هذا النحو جاءت مرافعة الطاعنة والمطعون ضدها
اننا نرى أن التكييف الصحيح لموضوع هذه الدعوى ليس هو الخطأ ولا هو الاخلال بالعقد
فالالتزام في هذه الدعوى ليس تعاقدياً بل ينشأ من خرق واجب الصيدلي العام نحو الجمهور اي يقع تحت المسئولية التقصيرية ولو كان الالتزام قد نشأ من عقد بين زوج المدعية والصيدلي لما امكن اقامة هذه الدعوى اذ ليس هناك صلة تعاقدية بين الصيدلية والزوجة المضرورة
وقد ارست هذا المبدأ محكمة الاستئناف بنيويورك في القضية الرئيسية المشابهة لقضيتنا هذه :
THOMAS V WINGHESTER (6NY 397 Am Dec455
“ The facts proved were briefly these
Mrs Thomas being in all health her physician prescribed to her dose of dandelion Her husband purchased what was believed to the medicine prescribed, at the store of Dr Foord, a physician and druggist in Cazerovia, Madison County, where the plaintiffs reside
A small quantity of the medicine thus purchased was administered to Mrs Thomas on whom it produced very alarming effect such as couldness of the surface and extremities, feebleness of circulation, spasms of the muscles, giddiness of the head dilation of the pupils of eyes and derangement of the mind she recovered however, after some time from its effects, although for a short time her life was thought to be in great danger The medicine administered was BEL-LADONA and not DANDELION”
إن وقائع هذه السابقة تنطبق على هذه الدعوى بدرجة تكاد تكون تفصيلية فيما عدا أن المدعى عليه في تلك القضية كان الشركة الصانعة والمعبئة للدواء والتي باعته لوكلاء باعوه بدورهم للدكتور فورد الذي باعه لزوج المدعية وقد رفعت الدعوى على الشركة لأنها عبئت الدواء الذي بيع للزوج تحت اسم دواء آخر سام وقد تصرف الوكلاء والصيدلي على اساس أن الـ " Belladonna " هي "Dandelion” حسب ما هو مكتوب على وعاء الدواء الذي كان (mislabeled) فالمحكمة لم تؤسس حكمها على العقد بل على المسئولية التقصيرية فقد جاء في حيثياتها
“ The defendant’s duty arose out of the nature of his business and the danger to others incident to its mismanagement Nothing but mischief like that which actually happened could have been expected from sending the poison falsely labeled into the market and the defendant is justly responsible for the probable consequences of the act The duty of exercising caution in this respect did not arise out of the defendant’s contract of sale to A spin wall (the agent) The wrong done by the defendant was in putting the poison mislabeled in the hands of A spin wall as an article of merchandise to be sold and afterwards used as the extract of dandelion by some person then unknown”
فالمسئولية ليست تعاقدية بل تقوم على الاهمال الذي يؤدي الى تعريض جمهور المستهلكين غير المعروفين للخطر فالصيدلي مسئول عن اهماله حتى ولو اعطى المدعية هذا الدواء مجاناً وبلا مقابل
وهذا ينطبق على الاهمال الذي يسبب خطراً محدقاً بحياة الاخرين في حين أن الاهمال الذي يؤدي الى ضرر خفيف يمكن أن يندرج تحت المسئولية التعاقدية فقد استقر هذا التمييز في قضية حيث جاء :-
( LONGMEID V HALLIDAY-6 Law and Equity Rep 562 )
“ The distinction is recognized between an act of negligence imminently dangerous to the lives of others, and one that is not so In the former case, the party guilty of the negligence is liable to the party injured, whether there be a contract between them or not, in the latter the negligent party with whom he contracted, and on the ground that negligence is a breach of the contract,,
وقد امتدت هذه القاعدة لتشمل كل المصنوعات والمبيعات التي تباع او تصنع باهمال بسبب الخطر على حياة او صحة البشر وبعد تطوريرها عبر سلسلة من السوابق لخصت القاعدة في القضية
Huest v JI Case threshing Mash Co (120 F 865)
“ An act of negligence of a manufacture or vendor which is imminently dangerous to the life or health of mankind and which is committed in preparation or sale of an article intended to preserve, destroy or affect human life is actionable by third parties who suffer from the negligence,
وفي صدد تحديد المسئولية فإن نفس المبدأ يمكن استخلاصه من السابقتين :
The Brick Case و Donoghue V Stevenson
أن محامي المطعون ضده لم يكتفي بان رد على طلب الطعن بل تقدم بطعن مضاد يطلب بموجبه الحكم للمطعون ضدها (المدعية) بكل التعويض الذي طلبته في عريضة دعواها ومقداره 1750 جنيه
وبخصوص مقدار التعويض فان حكم محكمة الموضوع لم يكن مسبباً بما فيه الكفاية اذ انه لا ضرورة للتعويض الاسمي في حالة وجود وقائع معينة يمكن اثباتها او نفيها فضلا عن أن التعويض الاسمي لا يبلغ 100 جنيه فقد يكون اقل من ذلك بكثير حتى يكون اسمياً قولا ومعنى
اما المحكمة الكلية فلم تقتنع الا بالالام فقط وعلى هذا الاساس حكمت بتعويض قدره 200 جنيه
اما هذه المحكمة فقد تبين لها بما لا يدع مجالاً للشك أن الصيدلية اهملت سلبا وايجابا حينما فشلت في صرف الدواء الصحيح وصرفت بدلا عنه دواء ضارا ثبت أن المضرورة على اثر تناوله اصيبت بالام مبرحة ومستمرة الزمتها العلاج المتواصل كما عرضت حياتها للخطر آنذاك غير اننا لم نقتنع بأن الاجهاض كان سببه المباشر هو تناول الدواء راستنون
وفي مقابل الالام ومصاريف العلاج المناسبة والمرض الذي تسبب للمطعون ضدها واستمرار النزيف بدل وقفه مما كان سيعرض حياتها للخطر فان هذه المحكمة ترى أن التعويض المناسب لا يقل عن مبلغ 500 جنيه
لذلك
(1)
يحكم للمطعون ضدها بتعويض قدره 500 جنيه
(2)
يشطب الطعن
(3)
يقبل الطعن المضاد الى المدى الذي رفع اليه التعويض ويشطب في ماعدا ذلك
(4)
يلزم الطاعن برسوم الطعن وترد اليه الكفالة
(5)
تحصل رسوم الطعن المضاد من المطعون ضدها