سابقة منشورة بمجلة 1973
سابقة منشورة بمجلة 1973
المحكمة العليا
القضاة
سعادة السيد صلاح الدين شبيكة قاضي المحكمة العليا رئيساً
سعادة السيد د حسن محمد علوب قاضي المحكمة العليا عضواً
سعادة السيد محمد الفضل شوقي قاضي المحكمة العليابالإنابة عضواً
حكومة السودان ضد مصطفى المرضي الفكي موسى
م ع / م ك / 114 / 73
المبادئ
قانون العقوبات – حق الدفاع عن النفس – شرط عدم المشاركة في المسئولية المادة 61 عقوبات
قانون العقوبات – المعركة المفاجئة – تكافؤ الأسلحة واعتبار الظروف المحيطة التصرف بقسوة او استغلال ميزة غير لازمة – المادة 249 (4) عقوبات
قانون الإثبات – تفسير الشك لمصلحة المتهم
(1)
لا ينشأ حق الدفاع عن النفس لصالح شخص إذا كان شريكاً في المسئولية عن تفاقهم الموقف الذي أفضى إلى الحادث
(2)
إذا تضاربت الأدلة وتعادلت يعامل المتهم بالدليل الذي في مصلحته عملاً بقاعدة تفسير الشك لمصلحة المتهم
(3)
لا يعتبر استغلالاً لميزة غير لازمة أو تصرفا قاسياً أو غير عادي إذا ما استعمل أحد طرفي المعركة سلاحاً خطيراً ضد الطرف الآخر والذي كان مسلحاً بنفس السلاح وإن لم يستعمله في المعركة إذ1 كان هنالك احتمال تدخل الحاضرين إلى جانبه
الحكم
26/12/ 1973م
عرضت إجراءات هذه القضية للنظر في تأييد القرار الصادر فيها بإدانة المتهم المذكور أعلاه تحت المادة 251 عقوبات وعقوبة الإعدام شنقاً حتى الموت الموقعة بناء عليه
قدم المتهم طلبا لاستئناف الحكم مستنداً على وقوع استفزاز له من جانب القتيل بالإضافة إلى فقدان الوعي بسبب حالة السكر التي كان فيها الطرفان
وسنورد فيما يلي ملخص الوقائع كما توصلت إليها المحكمة الكبرى في حكمها حيث نقوم بعد ذلك بمراجعة تسبيبها وفقاً للبينات الواردة لنرى ما إذا كانت توصلت إلى تصور مماثل وقد كان موجز الوقائع كما أوردتها المحكمة الكبرى كما يلي
"تتلخص وقائع هذه الدعوى باختصار في أن المتهم تعرض للمرحوم بالطريق اثناء سيره نحو قريته وسدد له إصابة من عكاز وواصل اعتداءاته على المرحوم ثم التحم مع المرحوم وقبضه بيده اليسرى واستل مديته بيده اليمنى ودفعها نحو صدر المرحوم فاخترقت المدية الصدر وأصابت القلب وسببت وفاة المرحوم في الحال وذلك بتاريخ 26/6/1972م بالقرب من قرية أمات طيور التابعة لنقطة بوليس أبو قوته"
وقد كانت نقاط التقرير التي ناقشتها المحكمة الكبرى في إثبات طعن المتهم للقتيل مسبباً وفاته وعالماً أن الموت نتيجة مرجحة لفعله مسنودة ببينات كافية تستند إلى إقرار المتهم بطعنه للقتيل في قلبه في استجوابه في التحقيق القضائي مع اقراره ايضاً بطعنة للمرحوم في استجوابه في المحاكمة ويؤيد ذلك شهادة ش أ 2 والقرار الطبي(مستند اتهام 1) عن نتيجة الكشف الداخلي والخارجي على جثة المرحوم
وكانت نقطة التقرير التالية التي ناقشتها المحكمة الكبرى في حيثياتها هي ما إذا كان المتهم يمارس حقه المشروع في الدفاع عن نفسه حينما طعن المرحوم وقد أجابت المحكمة على هذا التساؤل بالنفي معتمدة كلية في تصور الوقائع على شهادة (ش أ 2) الذي كان شاهد العيان الوحيد في الحادث معلله ذلك بأن شهادته وردت متواترة ومتسقة في التحري والإحالة وإمام المحكمة الكبرى وعلى الرغم من تأييدنا لقرار المحكمة الكبرى بعدم وقوع الحادث أثناء ممارسة المتهم لحق الدفاع الشرعي عن نفسه أو عند تجاوزه بحسن نية إلا أننا لا نتفق معها في النتيجة التي توصلت إليها في الاعتماد كلية على شهادة (ش ا 2) في تصور الأحداث حيث أن شهادته جاءت مهتزة ومتعارضة في التحقيق القضائي والمحاكمة
ولا تنسجم مع أقواله الأولى في التحريات الأمر الذي يجعل الوصف الذي خلقه المحكمة الكبرى عليها غير مطابق للوقائع كما يتضح من الاستعراض التالي لتلك البينات
يقر المتهم بوقوع المشادة بينه وبين القتيل في عصر ذلك اليوم حول اللحمة التي اخذها من القتيلي إلا أن محل الخلاف هو كيفية بدء الالتحام بينهما فقد صور _( ش أ 2) ما حدث بان المتهم تخلف منهما بعد وقوع المشادة الأولى حول اللحمة ثم تصدى لهما بعد ذلك في الطريق بينما كانا يركبان حمارين هو والقتيل حيث ضرب المتهم المرحوم بالعكاز بينما كان الآخر فوق الحمار ثم نزل المرحوم من حماره حيث واصل المتهم الاعتداء عليه إلى أن طعنه بالسكين ولكن يلاحظ أن التفاصيل التي أدلى بها هذا الشاهد عند مناقشته في التحقيق القضائي تلغي ظلالا كثيفة من الشك حول صدق الشاهد في إيراد تلك التفاصيل ففي الوقت الذي يقول الشاهد بان المتهم رفض أن يركب على الحمار الذي حضر به أولا وذلك عند عودتهم في طريقهم إلى قريتهم يضيف هذا الشاهد في المناقشة في التحقيق ايضا بأن المتهم كان يسير معهما برجليه حتى وصلوا إلى طريق يسمى(العوناب) حيث شرب معهم الشاي هناك منزل شخص يسمى (الضو) الأمر الذي يبدو غريباً بالنسبة لما نسبه من رفض امتطاء حمار المرحوم عند العودة ثم قبوله بعد ذلك مرافقتهما على رجليه وهما راكبين ثم شربه الشاي معهما في منزل شخص يعرفونه بعد ذلك وبينما يقول هذا الشاهد في المحاكمة بان المتهم تخلف منهما في الطريق بعد مغادرتهم منزل المدعو الضو في تلك الحلة يضيف بأن المتهم تخلف منهما في الطريق وبعد قليل أتى جارياً حيث ضرب المرحوم وهذه التفاصيل لا تنسجم مع الرواية المختزلة التي أدلى بها هذا الشاهد في أقواله في التحري (ص 2) حيث يقول بأنهما خرجا هو وعمه بعد النزاع الأول حول اللحمة في الكمبوفي طريقهما إلى قريتهما حيث عرض لهم المتهم في الطريق ثم قال للمرحوم "أنت تأبى ما تديني اللحمة ليه انيك أمك" ثم ضرب الأخير بعكازه هذا مع ملاحظة أن هذا الشاهد يقول عند مناقشته بواسطة المحكمة ما يلي :"المتهم عندما حصل المرحوم وضربه لم يقل له أي شئ بل انهال عليه ضرباً"
وثبت بالقرار الطبي بالكشف عن المتهم وجود رض بسيط في الركبة اليسرى وجرح سطحي في الساق الأيمن فوق الكوع طوله 2 بوصة ويرجح الطبيب بأنه ناتج من آلة صلبة حيث قرر له خمسة أيام للعلاج بالعيادة الخارجية كما كانت ملاحظات المتحري عن مشاهداته للاصابات التي كانت بالمتهم كما وردت في شهادته في المحاكمة ( لاحظت أن المتهم به تورم على ركبة رجله الشمال وجرح نازف منه دم على ساقه اليمين وضربة أخرى على سبابة يده اليسرى ) وذلك التعارض والاهتزاز الذي لحق شهادة (ش أ2) زيادة على الاصابات التي لحقت بالمتهم كما وضح من قبل تجعلنا نرجح عليها رواية المتهم في أقواله للبوليس عن تصويره لبدء العراك الذي أدى إلى احداث الوفاة خاصة وأن شهادة (ش أ 2) تبدو غير منطقية في تصوير بعض الظروف وتعليلها كتصويره للحادث على أنه كان نتيجة لترصد من المتهم وفي الوقت الذي يقول فيه بأن المتهم كان سائراً معهم على قدميه ثم تخلف عنهما في الطريق يضاف إلى ذلك احتمال مناصرة المتهم لعمه في المشاجرة التي وقعت مما يكون باعثاً له على تصوير الأحداث لمصلحته ويخلق مجالاً للشك المعقول ينبغي تفسيره لصالح المتهم خاصة وأن روايته الأولى في اقواله للبوليس معقولة في ضوء البينات الواردة ووفقاً لرواية المتهم المشار إليها حدثت مشادة بينه وبين المرحوم بينما كانوا ثلاثتهم يركبون حميرهم في طريق العودة إلى قريتهم وكان ذلك بسبب سوء التفاهم الذي حدث بينهما من قبل حول اللحمة حيث نزلا من حماريهما وتعاركا وحيث طعن المتهم المرحوم ولا يستبعد أن يكون(شأ2) قد تدخل حينذاك مناصراً لعمه إلا أن رواية المتهم التي اعتمدنا عليها وإن كانت تنفي سبق الاصرار والترصد في تصوير الأحداث إلا أنها لا تثبت نشوء حق الدفاع الشرعي وفقا لما ورد فيها حيث أن الأمر لم يعد أن يكون شجاراً تطور الى معركة بالعكاكيز وحتى ولو تدخل ش ا 2 إلى جانب عمه فقد كان المتهم شريكاً للمرحوم في المسئولية عن تفاقم الموقف مما يفقده التمسك بممارسة حق الدفاع الشرعي حينذك وذلك يغنينا عن الخوض في تجاوز ذلك الحق وقد كانت المعركة متكافئة بين المتهم والمرحوم حيث كان المرحوم يحمل عكازاً كما كان يلبس سكيناً حول ذراعه كما جاء في شهادة ش أ 3 الذي شاهده بعد الحادث كما أن طعن المتهم للمرحوم بالسكين مع احتمال تدخل (شا2) إلى جانب عمه كما جاء في رواية المتهم لا يعتبر في تلك الظروف استغلالاً لميزة غير لازمة أو تصرفاً قاسياً أو غير عادي لذلك فإننا نرى أن تفسير الشك المعقول لصالح المتهم يقتضي أن نرفض تأييد القرار بإدانته في القتل العمد وبالتالي نرفض تأييد عقوبة الإعدام الموقعة بناء عليه حيث نعطيه ميزة الاستفادة من الاستثناء الرابع للمادة 249 عقوبات ونأمر بالتالي تغيير قرار الإدانة إلى القتل الجنائي غير العمد مع عقوبة السجن مدى الحياة منذ 26/6/1972 وفي ذلك ما يغني عن الخوض في مدى انطباق دفع الاستفزاز الخطير المفاجئ الذي يستند إليه المتهم في استئنافه