سابقة منشورة بمجلة 1971
سابقة منشورة بمجلة 1971
محكمة الاستئناف المدنية
القضاة
صاحب السعادة السيد/عثمان الطيب رئيس القضاة
حكومة السودان ضد مكواج كوات اوقو
م أ/ م ك / 159/71
المبادئ
قانون العقوبات – تسبيب القتل – الاستفزاز الشديد المفاجئ – المواد 251 و246(1) من قانون العقوبات – في معنى مفاجأة الاستفزاز التقى المتهم والمجني عليه في محل عام للخمور البلدية وكانت معهما مجموعة من النساء تقربت احداهن من المجني عليه الشئ الذي لم يرض المتهم ابتعد المجني عليه من المحل وتبعه المتهم وعلى بعد ست ياردات التفت المجني عليه ناحية المتهم وضربه بعصاة على الكتف حتى تحطمت العصاة ثم رماه على الارض وجلس عليه وضغطه وعندما فض الحاضرون العراك جرى المتهم لمقره واحضر عصاه ولحق بالمجني عليه جريا وضربه مرة واحدة على الرأس أصيب المجني عليه بكسر في الرأس أدى إلى نزيف بالمخ ثم إلى الوفاة
بما أن مسألة الاستفزاز الشديد المفاجئ مسألة وقائع فإن مسألة ما إذا كان المتهم قد هدأ وعاد إلى صوابه مسألة وقائع أيضا يؤخذ في الاعتبار عند تقريرها عوامل انصراف الذهن عن الوقائع ومراجعة النفس وطول أو قصر الفاصل الزمني بين الفعل المسبب للاستفزاز والفعل المشكو منه وغير ذلك من الظروف المحيطة
الحكم
20/9/1971
انعقدت المحكمة الكبرى في رمبيك في 18/1/1971 قدم المتهم المذكور أعلاه للمحاكمة متهما بأنه في يوم 7/10/1970 في مدينة رمبيك ضرب المدعو كوج دور في رأسه بعصاه وتسبب في وفاته وبذلك يكون مرتكبا جريمة القتل العمد التي يحاكم عليها تحت المادة 251 من قانون العقوبات أدانت المحكمة المتهم وحكمت عليه بالإعدام
وقائع القضية كما وجدتها المحكمة كانت كما يلي
كان المتهم يتعاطى الخمور البلدية في أحد البيوت العامة لبيعها وبعد أن تعاطى ما شاء تحرك من حيث كان يجلس وجلس بالقرب من الفتاة (اكويل)(شأ3) وكان يشكو من أن إحدى النساء أساءت إليه
وفي هذه الأثناء دخل المجني عليه وكان يحمل بعضاً من النقود فاتجهت إليه الفتاة (اكويل) راجية أن يعطيها قرشين وقبل أن يرد المجني عليه زجر المتهم الفتاة وأردف ذلك بقوله لها أن تتبع المجني عليه إن كانت (تحبه) غضبت الفتاة وطلبت من المتهم أن يبتعد عنها ولكن المجني عليه هو الذي بادر بالابتعاد وخرج من المحل ولكن المتهم تبعه وعلى بعد ستة ياردات التفت المجني عليه على المتهم وضربه بعصاه على كتفه حتى انكسرت عليه وأصيب المتهم برضوض ثم هجم المجني عليه على المتهم وضربه بعصاه على كتفه ورماه أرضا وجلس عليه أتى بعض الحاضرين ورفعوا المجني عليه وفرقوا بينهما جرى المتهم إلى حيث كان يسكن وتسلح بعصاه وعاد يجرى حتى لحق بالمجني عليه وضربه ضربة واحدة في رأسه سببت للمجني عليه كسرا بالجمجمة ونزيفا داخليا في المخ نتجت عنه الوفاة في يوم 12/10/70 في المستشفى كانت الضربة قوية ولذا يسند العلم للمتهم بان وفاة المجني عليه كانت النتيجة الراجحة لفعله وليس فقط نتيجة محتملة
هل للمتهم أن يستفيد من أي من الاستثناءات الواردة في المادة 249 من قانون العقوبات؟ ناقشت المحكمة الكبرى ما إذا كان قد وقع عليه اعتداء يعطيه حق الدفاع عن النفس او ما إذا كانت هناك معركة مفاجئة وردت المحكمة على كل واحدة منها بالنفي وناقشت المحكمة موضوع الاستفزاز بإسهاب وملخص رايها كان كما يلي
"أن المتوفى قد استفز المتهم استفزازاً شديداً عندما ضربه بالعصى ورماه على الأرض الا أنه بذهاب المتهم إلى حيث أخذ عصاه ولحاقه بالمتوفى بالقرب من (إنداية شريف) قد مضت فترة كافية لإطفاء ثورة نفسه واستعادة عقله والتحكم في تصرفاته"
إني لا أجد نفسي متفقا مع المحكمة في هذا الرأي
الاستفزاز يجب أن يكون شديدا ومفاجئاً بالدرجة التي يحدث للمتهم انفعالاً شديداً يفقده السيطرة على تصرفاته ويكون المتهم قد ارتكب الفعل الذي أدى إلى جريمة القتل وهو في تلك الحالة فإذا وقع الفعل الإستفزازي كان شديد ولكن المتهم أحجم أو تردد أو لم يتمكن في نفس اللحظة من ضرب أو طعن المجني عليه فإن النظر يتجه إلى طول الفترة وأثرها في حالة المتهم النفسية للوصول إلى قرار فيما إذا كان عنصر الفجائية لا يزال موجوداً وهذه مسألة وقائع تستنتج من كل الظروف المحيطة بالحادثة ومقدار الفترة الزمنية التي مضت بين وقوع الاستفزاز ووقوع الجريمة في درجة أقل من الأهمية من حالة المتهم النفسية لأن الحالة النفسية هي الأثر الذي يحدثه الإستفزاز فإذا ظل المتهم منفعلاً إنفعالاً شديداً وفاقداً للسيطرة على تصرفاته منذ أن وقـع الاستفزاز إلى وقت ارتكاب الجريمة فإن عنصر الفجائية لا يكون قد زال مهما طالت الفترة الزمنية ولا شك في أنه عندما تطول الفترة الزمنية بحيث تجعل المتهم ينصرف ذهنه عن الواقعة الاستفزازية لثوان معدودات أو يخلو لنفسه أو يجول ذهنه فيما حدث وما هو مقدم عليه فانه يكون قد زال عنه أثر الإستفزاز وهدأت نفسه واسترد السيطرة على تصرفاته ويكون عنصر الفجائية قد انتفى وأنه إذا أقدم على إرتكاب الجريمة بعد ذلك يكون دافعه الإنتقام والحقد
في هذه القضية فإن الاستفزاز الشديد وقع على المتهم لأن المجني عليه ضربه بعصاه ورماه على الأرض واعتلاه وضغط عليه قام المتهم ولم يكن يحمل أي سلاح وجرى إلى حيث يسكن وحمل عصاه وجرى نحو المجني عليه وضربه كان مكان الاستفزاز يبعد عن محل المتهم بواحد وعشرين ياردة ويبعد نفس المكان عن المكان الذي وقعت فيه الجريمة بثلاثة عشر ياردة فإذا كان المتهم قد جرى إلى محله وعاد لنفس المكان الذي وقع فيه الإستفزاز إلى أن لحق المتوفى فإنه يكون قد جرى 55 ياردة فكم تكون الفترة الزمنية التي انقضت في هذا؟ أنها لا تتعدى الدقيقة الواحدة ولكن الأهم من هذا أن المتهم لم يحجم ولم يتردد ولم يتوقف بل جرى مسرعا إلى اخذ عصاه والى أن ضرب المجني عليه فإنه لم يجد الفرصة للانصراف الذهني عما حدث أو يرجع إلى نفسه ويفكر فيما حدث وما هو مقبل عليه أن الانفعال وفقدان السيطرة على تصرفاته والذي حدث له منذ الوهلة الأولى لم يفارقه حتى ضربه للمجني عليه
لهذه الأسباب فإني استبدل إدانة المتهم تحت المادة 251 من العقوبات بإدانته تحت المادة 253 من نفس القانون وأحكم عليه بالسجن لمدة أربعة عشر سنة تبدأ من تاريخ إيداعه بالحراسة