سابقة منشورة بمجلة 1973
سابقة منشورة بمجلة 1973
المحكمة العليا
القضاة
صاحب السعادة السيد / خلف الله الرشيد رئيس المحكمة العليا رئيساً
سعادة السيد/ هنري رياض سكلا قاضي المحكمة العليا عضواً
سعادة السيد/ الصادق عبد الله قاضي المحكمة العليا بالإنابة عضواً
محمد عثمان ابو سوار طاعن
/ضد/
مجلس بلدي أم درمان المطعون ضده
م ع/ط م /182/73
المبادئ
القانون المدني لسنة 1971 – القبول المعدل للإيجاب يعتبر إيجاباً جديداً – التنفيذ الاختياري للإيجاب يعتبر قبولاً ضمنياً له – المواد 80 و82
(1)
القبول بشرط لا يجعله قبولاً يتم به العقد بل يعتبر إيجاباً جديداً
(2)
يتطلب القانون إعلان أو وصول القبول إلى علم الموجب ولكن التنفيذ الاختياري للإيجاب قد يقوم مقام القبول فيعتبر قبولاً ضمنياً لا يحتاج إلى إعلان صريح وينفذ به العقد
المحامون
حسن علي شبو عن الطاعن
كمال الدين عثمان عن النائب العام عن المطعون ضده
الحكم
4/10/1973
تقدم الطاعن في 12/3/1973 بعريضة طعن بطريق النقض من الحكم الذي أصدرته المحكمة الكلية بأم درمان في الاستئناف رقم 211/1972 كما تقدم محامي المطعون ضده بمذكرة لدفاعه
وتتلخص الوقائع الجوهرية للطعن – حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – في أن المطعون ضده (المدعى) قد رفع في 1/7/1968 الدعوى رقم 1022/68 أمام محكمة أم درمان الجزئية ضد الطاعن (المدعى عليه) باسترداد مبلغ 1254 جنيها و977 مليماً باعتباره متأخرات أجرة عن 4 أكشاك سلمت للطاعن منذ 11/2/1967 حتى 30/6/1968 بواقع الأجرة الشهرية 20 جنيهاً و500 مليماً للكشك الواحد كما طالب المطعون ضده بإخلاء الطاعن وقال المطعون ضده شارحاً لدعواه بأنه قبل عطاء المدعى عليه لإدارة أربعة أكشاك بأم بدة في أكتوبر 1965 بواقع الشهر 20 جنيهاً و500 مليماً للكشك الواحد واستلم الطاعن الأكشاك منذ 11/2/1967 وأنه لم يقم بدفع المقابل أو متأخرات الإيجار منذ ذلك التاريخ وحتى 30/6/1968 فيما عدا مبلغ 70 جنيهاً منها 20 جنيهاً دفعت تأميناً لدى تقديم العطاء ومن ثم ترتب في ذمة الطاعن مبلغ 1254 جنيهاً و977 مليماً
وذكر المطعون ضده رداً على بيانات طلبها محامي الطاعن : (يبدأ العطاء في 11/2/1967 ويستمر لمدة عام أي ينتهي في 11/2/1968 ودفع الخمسين جنيهاً بتاريخ 25/2/1968 ودفع العشرين كتأمين كان قبل استلام الأكشاك في أول يوليو 1965)
وتقدم الطاعن بمذكرة لدفاعه كما تقدم بدعوى فرعية مطالباً فيها باسترداد مبلغ 3500 جنيهاً من المطعون ضده ودفع الطاعن الدعوى الأصلية بأنه يعترف بأن قبول العطاء كان في أكتوبر 1965 ولكنه ينكر أن مدة العطاء هي من 11/2/67 حتى 11/2/68 وأن العطاء كان لمدة عام تبتدئ من 15/7/1965وتنتهي في 30/6/1977 وأن استلامه للأكشاك الأربعة لم يكن بناء على عقد إيجار وإنما بناء على طلب المجلس ودون إيجار أو مقابل وأنه كنتيجة لفشل المطعون ضده في تنفيذ التزامه بالتسليم خلال الفترة الواقعة بين 15/7/1965-30/6/1966 لحقت بالطاعن أضراراً وفاته ربح مما قدره بمبلغ 3500 جنيهاً وهي محل دعواه الفرعية
وتقدم المطعون ضده بالرد مصراً على دعواه مردداً أن القبول كان مشروطاً بأن تكون مدة التعاقد منذ تاريخ استلام الأكشاك وقد تم ذلك في 11/2/1967 ومن ثم لم يرتكب المطعون ضده إخلالاً بأي من التزاماته
وبعد أن دونت المحكمة الإقرارات وحددت نقاط النزاع في الدعوى على ضوء المذكرات المتبادلة واستمعت إلى أقوال الخصوم والشهود قضت لصالح المطعون ضده بكل طلباته ورفضت الدعوى الفرعية تأسيساً على أن القبول الصادر من المطعون ضده في 27/11/1967 كان يتضمن شرطاً جديداً مؤداه أن يكون تسليم الأكشاك بعد استلامها من المستأجر الشاغل لها ومن ثم يعتبر إيجاباً جديداً لم يلاق قبولاً من جانب الطاعن إلا لدى استلامه للأكشاك في 11/2/1967
وأن استلام الطاعن للأكشاك في ذلك التاريخ قاطع في الدلالة على أنه قبل الإيجاب الجديد بنفس الشروط السابقة بين الطرفين كما أن تسليم الطاعن مبلغ 50 جنيهاً للمطعون ضده في عام 1968 دليل يؤيد ما ورد من أدلة أخرى على أن نية الطرفين قد انصرفت على تنفيذ شروط العقد بينهما في الفترة ما بين 11/2/67 إلى 11/2/68 وليس عن الفترة المعلن عنها لدى الدعوى لتقديم العطاءات عام 1965 ومن ثم يكون الطاعن ملزماً بالوفاء بالأجرة وأن الإدعاء بأنه ارتضى إدارة الأكشاك تطوعاً وتبرعاً مخالف للثابت في الأدلة وظروف الدعوى كما كان عادياً من الدليل كما أن الطاعن عجز عن تقديم أي دليل على إخلال الطاعن بالتعاقد أو أنه أصيب بضرر مادي
واستأنف الطاعن الحكم لدى المحكمة الكلية فقضت برفضه وأيدت الحكم المستأنف لأسبابه
ومن ثم تقدم الطاعن بهذا الطعن عن طريق النقض
وبنى الطاعن طعنه على الأسباب الثلاثة التالية
يتحصل السبب الأول للطعن في أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه إذ قضى بأن ما صدر من المطعون ضده يعتبر إيجاباً جديداً في حين أن هذه المسألة لم تكن من بين نقاط النزاع في الدعوى وفي حين أن هناك إقراراً من جانب المطعون ضده بأن ما صدر منه قبول للعطاء المقدم من الطاعن مشروط بالتسليم في ميعاد محدد وقال محامي الطاعن شارحاً لوجهة نظره :-
(أن صياغة نقطة النزاع الأولى كان القصد منها أن يثبت المدعى أن قبوله الذي أخطر به المدعى عليه في أكتوبر 1965 كان مشروطاً بأن التسليم سيتم بعد إخلائها – الأكشاك – من المتعهد السابق وقد ألقت المحكمة عبء الإثبات في هذه النقطة على المدعى على أساس أن العطاء وقبوله والأخطار بقبوله متفق على أنها تمت في أكتوبر 1965 مما جعلها تصبغ الإقرار الأول)
إن المحكمة الجزئية ومن بعدها المحكمة الكلية قد تركت نقاط النزاع وجعلت تبحث في أمر لم يكن من بين نقاط النزاع ألا وهو " اقتران القبول بما يغير الإيجاب" طبقاً للمادة 80 من القانون المدني وفي هذا خطأ ارتكبته المحكمة إذ كان يجب عليها أن تبحث أولاً فيما إذا كان المدعى في الدعوى الأصلية قد أثبت ادعاءه من أنه عندما قبل عطاء المدعى عليه في أكتوبر 1965 اشترط أن يتم الاستلام بعد الإخلاء من المتعهد السابق وذلك لأن البحث في تطبيق المادة 80 من القانون المدني يقتضي أولاً أن يثبت المدعى واقعة اقتران قبوله بالشرط الذي ذكره ومعلوم قانوناً أنه إذا ما أثبت المدعى هذا الدفع فإن القبول الذي تم في أكتوبر 1965 يعتبر إيجاباً جديداً
وتساءل محامي الطاعن : هل أثبت المدعى (المطعون ضده) هذا الشرط ؟ وأجاب بالنفي للأسباب السابق بيانها ولأن الإخطار الذي أرسله المطعون ضده في 27/11/66 بموجب مستند رقم (1) قد أرسل بعد توافر أركان العقد في أكتوبر 1965 ومن ثم لا يعتبر إيجابا جديداً بل لا يعدو أن يكون إعلاناً بفشل المطعون ضده في تسليم الأكشاك للطاعن
وهذا النعي مردود عليه بأنه وإن كان صحيحاً أن صياغة عريضة الدعوى قد توحي بأن العطاء المقدم من الطاعن قد صادف قبولاً في 1965 ألا أن ما ورد من رد على طلب البيانات المقدمة من الطاعن يدل بوضوح على أن المطعون ضده قد ابان أن القبول للعطاء كان مشروطاً بأن يكون التسليم بعد استلام الأكشاك من مستأجرها السابق كما أنه رغم الإقرار الأول يوحي بأن القبول الصادر في 27/11/1966 كان مطلقاً إلا أن نقاط النزاع تفصح عن أن القبول المعني كان مقيداً
ولما كان على المحكمة تكييف الدعوى على الوجه الصحيح قانوناً وإن أخطأ الخصوم في ذلك وإن قاموا بتكييف الدعوى على الوجه الصحيح الذي يروق لهم
ولما كان من القواعد الأصولية في القانون وجوب أن يكون القبول مطابقاً للإيجاب فإن كان غير مطابق له بأن اختلف عنه زيادة أو نقصاً أو تعديلاً فإن العقد لا يتم ويعتبر رفضاً يتضمن إيجاباً جديداً وهذا ما نصت عليه المادة 80 من القانون المدني لسنة 1971م
(إذا اقترن القبول بما يزيد في الإيجاب أو يقيد منه أعتبر رفضاً يتضمن إيجاباً جديداً)
وحكم هذه المادة مطابق للقاعدة الأصولية في القانون الإنجليزي من أن اقتران القبول بشرط لا يجعله قبولاً يتم به العقد بل إيجاباً جديداً
ولما كان الثابت في الأدلة أن المطعون ضده لم يخطر الطاعن بقبول العطاء خلال عام 1965 على ما يزعم الطاعن وأن الإخطار الموجه من المطعون ضده في 27/11/1966 قد تضمن شرطاً بأن يكون تسليم الأكشاك للطاعن بعد إخلاء شاغلها وكان ذلك الشرط يغير من جوهر التعاقد ومحل ووقت التسليم وكان من الثابت أن الطاعن قبل تسليم الأكشاك في 11/2/1967 فإن محكمة الموضوع إذ كيفت الوقائع المذكورة الثابتة وفق الأدلة والمستندات بأن ما صدر من المطعون ضده في 27/11/1966 يعتبر إيجاباً جديداً في معنى المادة 80 من القانون المدني وأن استلام الطاعن للأكشاك يعتبر قبولاً في معنى المادة 82 ومن ثم لم ينعقد العقد إلا لدى التسليم لا تكون قد خالفت القانون بل طبقته تطبيقاً صحيحاً ذلك لأنه وإن كان القانون يتطلب إعلان أو وصول القبول لعلم الموجب ألا أن من المقرر قانوناً وفقهاً وقضاءً أن التنفيذ الاختياري للإيجاب قد يقوم مقام القبول فيتم به العقد ويعتبر قبولاً ضمنياً دون حاجة إلى إعلان صريح
وفي ذلك قالت المادة 82 من القانون المدني " إذا تبين إرادة الموجب أو من طريقة التعامل أو من مقتضى العرف أن تنفيذ العقد يقوم مقام القبول فإن العقد يعتبر قد تم في المكان والزمان اللذين بدأ فيهما التنفيذ ويجب في هذه الحالة المبادرة بإخطار الطرف الآخر ببدء التنفيذ)
لذلك فإن استلام الطاعن للأكشاك في الظروف الملابسة وفق طبيعة المعاملة بين الطرفين دليل قاطع على قبوله للتعاقد وفق الشروط التي قدم بها العطاء ذلك لأنه لاستخلاص العقد من إيجاب وقبول وسبب ومحل لا ينظر إلى واقعة بعينها أو مستند منفرد على حدة بل يتعين على المحكمة أن تأخذ في اعتبارها جميع الظروف والملابسات والأوراق لكي تستخلص منها الإيجاب والقبول ومدى التطابق بينهما للتعرف على الوقت الذي تم فيه العقد والشروط الواردة فيه
ولما كانت محكمة الموضوع قد استنتجت قبول الطاعن للإيجاب الصادر من المطعون ضده قبولاً ضمنياً لاستلامه الأكشاك ومن استمرار استخدامه لها والانتفاع بها منذ 11/2/1967 حتى 30/6/1968 ومن قيامه بدفع مبلغ 50 جنيهاً في عام 1968 فإن المحكمة في استنتاجها القبول الضمني للإيجاب من تلك القرائن التي من شأنها أن تستنتجه لا تكون قد أخطأت في تطبيق القانون ومن ثم يكون قضاء المحكمة للمطعون بمتأخرات الأجرة المستحقة لامتناع الطاعن عن الوفاء بها بموجب عقد صحيح بينهما موافقاً للقانون
وإذا افترضنا أن ما صدر من المطعون ضده لا يعتبر إيجاباً جديداً بل قبولاً مشروطاً فإن وجه الرأي لا يتغير من حيث النتيجة إذ ثبت أن الطاعن قد قبل بتراخى تنفيذ العقد إلى حين استلام الأكشاك من شاغلها دون تحفظ أو اعتراض من جانبه وأن دفعه لمبلغ خمسين جنيهاً دليل قاطع عن رضائه بأن يكون التنفيذ منذ 11/2/1967 وليس من تاريخ تقديم العطاء بل أنه حتى إذا افترضنا جدلاً بأن ما صدر من المجلس البلدي لا يعتبر إيجاباً جديداً لاقى قبولاً من الطاعن فإن في ظروف الدعوى وأدلتها ما يمكن أن يستخلص منه استخلاصاً سائغاً بأن استلام الطاعن للأكشاك في 11/2/1967 يعتبر إيجاباً منه لإدارتها وفق شروط عطائه السابق وأن سكوت المطعون ضده عن ذلك وسماحه للطاعن بالانتفاع بها واستغلالها يعتبر قبولاً من جانبه ومن ثم يتعين مساءلة الطاعن عن دفع المقابل الذي سبق الاتفاق عليه وإذ الإدعاء بأن الاستلام كان دون مقابل عار من الدليل ومخالفة لطبيعة المعاملة وما أفاده الطاعن فعلاً لما قام باستغلال الأكشاك وحقق ربحاً من ذلك
لذلك يكون الطعن بهذا السبب غير سديد بل غير منتج
وينعي الطاعن بالسبب الثاني أن الحكم قد خالف القانون إذ اعتبر أن المرسل من المطعون ضده إلى الطاعن في 27/11/1967 قبولاً مشروطاً في حين أن المطعون ضده قد سبق له أن أخطر الطاعن بالقبول شفوياً وقال الطاعن شارحاً لذلك
(إن إخطار المدعى عليه بقبول العطاء معترف به بأنه قد تم بواسطة المسئولين وقد حدد المدعى عليه المسئول الذي أخطره في أكتوبر 1965 بقبول عطائه بالاسم وهو محمد أحمد الحاج -الضابط التنفيذي – ولعل المحكمة الكلية قد اختلط عليها الأمر لأن المدعى عليه قد سرد جميع الأطوار التي مرت بها العطاءات حتى قبول عطائه وإخطاره بواسطة محمد أحمد الحاج ومن هذا يتضح أن ما ذكرته المحكمة الكلية من أن ضابط المجلس هو الممثل القانوني للمجلس متوافر إذ أن ضابط المجلس هو الذي أخطر المدعى عليه)
وهذا النعي مردود عليه بأن ليس في الأدلة ما يثبت أن الطاعن قد أخطر بواسطة المجلس البلدي بقبول عطائه دون قيد في عام 1965 ولذلك فإن ما انتهى إليه الحكم من أن الإخطار الصادر في 27/11/1966 هو وحده الذي يعتبر صحيح لا غبار عليه ذلك لأن مجرد قبول اللجنة للعطاء لا يشكل قبولاً لأن القانون يتطلب الإعلان الموجب سواء كان ذلك صراحة أو ضمناً وليس في الأدلة ما يثبت أن المجلس البلدي قد سبق له إخطار الطاعن بقبول عطائه كما أن طبيعة المعاملة تدل على أن الطاعن كان ينتظر تصريحاً بالقبول كتابة وهو ما لم يقم به المطعون ضده إلا في 27/11/1966 وكان قبولاً مشروطاً هو في الواقع إيجاب جديد على ما سبق ذكره لدى الرد على السبب الأول للطعن
ولذلك يكون النعي بهذا السبب الثاني غير سديد
وينعي الطاعن بالسبب الثالث للطعن مخالفة الحكم للقانون لما قضى بالحكم عليه في حين أن استلامه للأكشاك كان على سبيل التبرع ودون أن يكون هناك عقد شفوي أو كتابي بين الطرفين كما أخطأ في تطبيق القانون لما لم يحكم لصالح الطاعن بطلباته في الدعوى الفرعية
هذا النعي مردود بما سبق ذكره في الرد على السببين الأول والثاني ومردود عليه أيضاً بأن القول بأنه لم يكن هناك تعاقد شفوي أو كتابي مخالف للأدلة وطبيعة المعاملة كما أن الطاعن قد عجز عن تقديم أي دليل على ما ادعاه من ضرر إذ ليس في الأوراق ما يدل على أنه ترك أعماله عام 1965 إذ ليس مستساغاً بأن يترك الطاعن متجره وهو يعلم بأن غيره لا يزال يستخدم الأكشاك وأن الإدعاء بأنه كان يتوقع أرباحاً طائلة لو سلمت له عام 1965 دليل داحض لزعمه بأن الأكشاك يمكن أن تسلم له أو لغيره دون مقابل
لما تقدم من أسباب يتعين رفض الطعن وإلزام الطاعن بالرسوم ومصادرة نصف الكفالة