المحكمة العليا
بسم الله الرحمن الرحيم
القضاة:
سعادة السيد / مصطفى حسن النـور قاضي المحكمة العليا رئيساً
سعادة السيد / الباقـر عبد الله علـي قاضي المحكمة العليا عضواً
سعادة السيد / صـلاح نعيم عنـدور قاضي المحكمة العليا عضواً
الأطراف:
وزير العدل وآخران الطاعنون
// ضد //
محمد حمد سالم المهدي المطعون ضده
الرقم: م ع/ط أ س/232/2008م
مقابل/ط أ س/233/2008م
لائحة عمل وكالات النيابة الجنائية لسنة 1998م – الاختصاص – تدخل الوكيل أو الوزير عند شطب التهمة الجنائية – المادة (9) من اللائحة
المبدأ:
لا يجوز للوكيل أو الوزير استعمال سلطة الفحص الواردة في المادة (9) من لائحة عمل وكالات النيابة ودون توفر حالة صدور قرار نهائي بشطب الدعوى الجنائية
الحكــم
القاضي: صلاح نعيم غندور
التاريخ : 4/12/2008م
هذان طعنان بالاستئناف تقدم بهما وزير العدل في الاستئناف بالرقم/ط أس/232/2008م وقدم الاستئناف الثاني بالرقم ط أس/233/2008م بوساطة الأستاذ/ دفـع الله الحاج يوسـف بالتضامن مـع الأستاذين/ عادل عبد الغني وعمر عبد الله الشيخ
قدم الاستئنافان في الميعاد القانوني حيث علم بالحكم المطعون فيه بتاريخ 2/11/2008م وقدم الاستئنافان في 17/11/2008م خلال القيد الزمني الوارد في المادة 14(1) من قانون القضاء الإداري لسنة 2005م في الموضوع أجد أن وقائع هذا النزاع وأسانيد الخصوم فيه وما تضمنته جميع المذكرات المقدمة في هذه القضية فإليهم نحيل في شأن بيان تفاصيل وقائع هذا النزاع وذلك منعاً للتكرار والإطالة والتطويل باعتبارهم جزءً لا يتجزأ من مفردات وأسباب هذا الحكم إلا أنني أرى عدالة أنه لا مناص من أن نورد الوقائع الجوهرية لهذا النزاع بإيجاز غير مخل وبالقدر الذي يمكننا من الفصل في الاستئنافين المقدمين وما ورد من أسباب :
بإطلاعنا على المحضر فإن الوقائع تتلخص في أن المطعون ضده تقدم بعريضة شكوى لوكيل نيابة الخرطوم شمال مدعياً بأن احتيالاً بكذب مؤثر وقع عليه من جراء ادعاءات المتهمين وهما الطاعنان بالاستئناف ط أ س/233/2008م بأنهما سوف يسخران له الجن لزيادة المبالغ المالية وتسلما في ذلك مبلغ سبعة وعشرين مليون دولار حيث تم تحريك الدعوى الجنائية وإثر استئناف مقدم لدى المدعي العام رأى شطب مواد الثراء الحرام وشطب الدعوى الجنائية في مواجهة آخر لوفاته مع إحالة الأوراق للنيابة المختصة وذلك بموجب قرار المدعي العام رقم و ع/م ع/نقض/357 بتاريخ 28/12/2008م وعلى إثر طلب تقدم به المستأنفان الثواني (ط أ س/233/2008م) لوزير العدل أصدر الوزير القرار بالرقم م ع/م ت/بتاريخ 20/4/2006م بشطب الدعوى الجنائية المقيدة بموجب البلاغ 173/2004م في مواجهة المستأنفين (عبد الكريم آدم عيسي وصديق آدم عبد الله) وهو القرار المطعون فيه نظر القاضي المختص بنظر الطعون الإدارية في الطعن الإداري وأصدر القرار بشطب الطعن الإداري لعدم الاختصاص باعتبار أن القرار المطعون فيه ليس بقرار (إداري) وتأييد الحكم بموجب الحكم الصادر في الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في الطعن الاستئنافي م ع/ط أ س/90/2006م تقدم محامي المطعون ضده بطلب مراجعة إدارية لدائرة المراجعة الإدارية وصدر الحكم بوساطة دائرة المراجعة رقم م ع/ط أ س/90/2006م مراجعة 25/2007م حيث قضى الحكم بإلغاء الأحكام الصادرة من الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا ومحكمة الطعون الإدارية وإعادة الأوراق أمام محكمة الطعون الإدارية للنظر في الطعن الإداري موضوعاً وبعد إعادة الأوراق أصدر قاضي الطعون الإدارية الحكم المطعون فيه حيث قضي الحكم بإلغاء القرار الإداري الصادر من وزير العدل بالرقم م ع/م ت بتاريخ 20/4/2006م
تتلخص أسباب الطعن التي تقدم بها الطاعن الأول (وزير العدل) في الأوجه التالية :
1- أخطأت محكمة الموضوع في نظر الطعن دون تحديد نقاط النزاع وفي اعتبار أن النزاع قانوني وليس موضوعياً وأخطأت بمخالفة حكم دائرة المراجعة
2- أخطأت محكمة الموضوع في عدم الرجوع إلى القرار المطعون فيه ولم تتعرض لما جاء فيه من أسانيد موضوعية وتطبيق للقانون دون الإطلاع على ملف الدعوى الجنائية
3- أخطأت محكمة الموضوع في أن وزير العدل هو في الأصل من مكونات النيابة الجنائية وفق المادة (17) من قانون الإجراءات الجنائية
وطالب بإلغاء الحكـم المطعون فيه وفيما يتعلق بالاستئناف الآخر بالرقم ط أ س/233/2008م والذي تقدم به الأساتذة/ الأجلاء دفع الله الحاج يوسف وعادل عبد الغني وعمر عبد الله الشيخ فقد التمس الأساتذة منحهم مهلة إضافية لتقديم أسباب الاستئناف بدعوى أنهم لم يتسلموا صورة الحكم المطعون فيه إلا قبل اليوم الأخير رغم متابعتهم لاستلام الحكم المطعون فيه وفي تقديرنا أنه لا مبرر لمد المواعيد أو تقديم أسباب إضافية ذلك أن المادة (184) من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م تلزم أن تتضمن عريضة الطعن الأسباب التي بني عليها الطعن وأن عدم إيراد أسباب للطعن يجعل من الطعن خالياً من الأسباب التي توجب عدم الالتفات لما فيه ولا نرى سبباً لتأخير الفصل في الطعن وبعد إطلاعنا على المحضر وسائر الأوراق وما أثير في جميع المذكرات القانونية المقدمة من الأطراف كافة نرى أن النعي بمخالفة الحكم المطعون فيه لحكم دائرة المراجعة بالمحكمة العليا فيما يتعلق بنظر الطعن الإداري موضوعاً ودون تحديد نقاط النزاع فلا نري وجهاً لهذا النعي وهو مردود عليه ذلك أن المادة (10) من قانون القضاء الإداري لسنة 2005م تنص على الآتي:
( يفصل القاضي المختص في الطعن من واقع المستندات المقدمة من الطرفين وما يقدمانه من حجج قانونية إلا إذا رأى أن المستندات وحدها لا تكفي للفصل العادل في الطعن وأن سماع بيناتهما ضروري لتحقيق العدالة ) لا أرى في اكتفاء محكمة الموضوع بالمستندات والحجج القانونية – قدحاً فيما توصلت إليه أو أن في ذلك خروجاً عن حكم دائرة المراجعة المشار إليه ذلك أن الفصل موضوعياً في الطعن الإداري وفقاً للمادة (10) من قانون القضاء الإداري لسنة 2005م يتم سواءً بالمستندات أو الحجج القانونية وأن الاستثناء من هذه القاعدة في اللجوء إلى سماع البينات متى كان ذلك ضرورياً للفصل العادل في الطعن وبطبيعة الحال لا يتم اللجوء إلى سماع البينات إذا لم يكن هناك جدوى للسماع وهذا ما لا يتطلبه النظر في هذا الطعن إن قرار وزير العدل الصادر بشطب الدعوى الجنائية جاء إعمالاً للمادة (9) من لائحة عمل وكالات النيابة الجنائية لسنة 1998م فقد نصت المادة علي جواز تدخل الوكيل ثم الوزير من تلقاء نفسه أو بناءً على التماس في حالة صدور قرار نهائي (بشطب الدعوى الجنائية) في مرحلة التحري وهذا يعني بمفهوم المخالفة للنص الصريح أنه لا يجوز التدخل في حالات رفض شطب الدعوى الجنائية نرى أن ما جاء في المادة (9) من لائحة تنظيم العمل لوكالات النيابة الجنائية أريد به تحصين القرارات (دون مرحلة التدخل من قبيل الوكيل أو الوزير) فيما ارتأوه من إجراءات تبرر المضي في التحري وهو ما يجئ متسقاً مع مبدأ التقصي عن تهمة مبدئية (Prima facie Case) تبرر إحالة المتهم للمحاكمة أمام محكمة تقع في نطاق الوعاء الأصلي لتحقيق العدالة والتي لا ينبغي أن يحرم من الاستظلال بها أي شخص وفقاً للضمانات المنظمة في الدستور وبالتالي فإن سلطة الفحص الواردة في هذه المادة للوكيل ثم من بعده للوزير مقيدة في حالة صدور قرار نهائي بشطب الدعوى في مراحل قبل الوكيل أو الوزير وبالتالي لا يجوز للوكيل أو الوزير استعمال سلطة الفحص الواردة في المادة (9) من لائحة عمل وكالات النيابة دون توفر حالة صدور قرار نهائي بشطب الدعوى الجنائية – وبالتالي فإن تدخل الوزير في وقائع القضية الماثلة أمامنا في وجود قرار من المدعي العام يقضي باستمرار التحري مع تعديل التهمة لمواد القانون الجنائي بديلاً عن قانون الثراء الحرام لا يعد قراراً نهائياً شطب الدعوى الجنائية – وعلى غير سند من القانون فالمدعي العام لم يصدر قراراً نهائياً أمـر بإحالة إجراءات البلاغ للنيابة الجنائية مما يجعل من القرار الصادر من وزير العدل على غير سند من القانون ويجعله معيباً وباطلاً وعديم الأثر – وليس مختصاً بنظر أي طلب لفحص أي إجراءات مما يوصف بعيب عدم الاختصاص وهو صدور القرار من الجهة الإدارية غير مخولة قانوناً صلاحية إصداره وترتيباً على ذلك نرى أن النص بمخالفة الحكم للقانون مردود عليه من جميع الأوجه وأن الطعن لا أمل فيه مما يتعين معه شطب الطعن الاستئنافي إيجازياً ولا أمر بشأن الرسوم.
القاضي: الباقر عبد الله علي
التاريخ: 15/12/2008م
أوافق أخي صلاح فالقرار محل الطعن وإن أصدره السيد/ وزير العدل وفق أحكام المادة (9) من لائحة تنظيم عمل النيابات الجنائية لسنة 1989م لكن نجد هذه السلطة مقيدة بحكم النص لحالة الفحص بصدور قرار نهائي بشطب الدعوى الجنائية فقط ورغم أننا نرى أن قرارات وزير العدل بموجب قانون الإجراءات الجنائية ولائحة تنظيم عمل النيابات لهي قرارات شبه قضائية لا تخضع لرقابة المشروعية الإدارية إلا أنه ومع ذلك لا تتحصن من الرقابة (رقابة المشروعية الإدارية) إذا هي خرجت من المشروعية وحكم القانون وحيث أن الحصانة المعنية تكون للقرار متى سلم ذلك القرار من عيوب المشروعية والخروج عن الاختصاص وخاصة الانحراف في استعمال السلطة والتي تدخل في نطاق أحكام الفقرة (4) من المادة (6) من قانون القضاء الإداري فيما يتعلق باستئناف 231/2008م فإضافة لما ذكره أخي صلاح أضيف بأنه وحتى لحظة كتابة هذا الرأي (15/12/2008م) لم يتقدم الأساتذة/ مقدمو الطلب بأسبابهم رغم أن الطلب قد قدم وسدد عنه الرسم 17/11/2008م مما يستوجب عدم الالتفات إليه لخلو الطلب من الأسباب.
القاضي: مصطفى حسن النور
التاريخ: 21/12/2008م
أوافق وأضيف تنص المادة 6(2) (ب) (ج) من قانون تنظيم وزارة العدل لسنة 1983م على أنه (يباشر وزير العدل السلطات المنصوص عليها في الفرع الثالث من الفصل الثاني في الباب الرابع والسلطات المنصوص عليها في الفرع الأول والثاني والثالث والرابع والخامس من الفصل الثاني في الباب الثالث من قانون الإجراءات الجنائية 1991م يستمر جميع الأشخاص المسندة إليهم حين صدور هذا القانون سلطات في مباشرة إجراءات التحري وفق قانون الإجراءات الجنائية 1991م أو أي قانون آخر ممارسة تلك السلطات وقفاً على أي قرار لاحق من وزير العدل بتوليها أو تنظيم ممارستها والمادة (57) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م واردة في الفرع الخامس من الفصل الثاني في الباب الأول من هذا القانون أي أن لوزير العدل سلطة أصيلة بشطب الدعوى الجنائية ويترتب على كونه الأصيل بالقيام بالسلطات المشار إليها فـي المادة 6(2)(ب) أعلاه أن يحل محل أي عضو من أعضاء النيابة في مباشرة عمله فصفة الأصيل تجب صفة الوكيل ولكن وزير العدل هنا لم يمارس سلطته كأصيل وإنما استعمل سلطة الفحص المنصوص عليها في المادة 9(1) من لائحة تنظيم عمل وكالات النيابة لسنة 1998م وما دام الأمر كذلك فعليه أن يتقيد بالشروط المنصوص عليها في تلك المادة ولم يتقيد بها.
الأمر النهائي:
1- يشطب الاستئناف رقم 233/2008م إيجازياً
2- يشطب الاستئناف رقم 232/2008م شكلاً
مصطفى حسن النور
قاضي المحكمة العليا
ورئيس الدائرة
23/12/2008م