سابقة منشورة بمجلة 1971
سابقة منشورة بمجلة 1971
محكمة الاستئناف المدنية
الدائرة الجنائية
تأييد محكمة كبرى
حكومة السودان ضد دينق مودينق وآخرين
م أ /ت م ك/171/71
عمر بخيت العوض قاضي المحكمة العليا بالانابة بتفويض من رئيس القضاء – 15/2/1972م
:المبادئ
قانون الاجراءات الجنائية – المادة/228 – التقرير الذي يعده ممرض – لا يقبل تحت هذه المادة
التقرير الطبي الذي يكون قد أعد بواسطة ممرض لا يعول عليه ولا يعتد به ولا يقبل كبينة تحت المادة 228 من قانون الاجراءات الجنائية وإذا حضر الممرض وأدى الشهادة أمام المحكمة بخصوصه فإن شهادته تكون في هذه الحالة في حكم الشهادة العادية
الحكم
تقدم السجناء الثلاثة بطلبات للإسترحام سعيا وراء تخفيف الحكم الصادر ضد المسجون الأول والمسجون الثاني بالسجن لمدة عشر سنوات لكل منهما
وقد أصدرت هذه الأحكام محكمة كبرى انعقدت في رمبيك أدانت المسجونين الأول والثاني تحت المادة 251 من قانون العقوبات أما المسجون الثالث فقد صدر ضده الحكم تحت المادة 253 من قانون العقوبات
وتتلخص الوقائع في أن المتهمين الثلاثة واختهم كانوا في طريقهم لاحدى قرى مركز رمبيك سعيا وراء زواج تلك الاخت وفي الطريق إلتقوا بالمتوفي الذي كان يجلس على حافة نهر صغير لاصطياد السمك
طلب المعتدون من المتوفي السير معهم للحلة وفي الطريق بادروه بالسؤال عن الابقار التي يزعمون أن المتوفي سرقها من زريبة الحكومة غير إن إجابة المتوفي لهم لم ترض أولئك الرهط من الاخوة فأعتدى المتهم الثالث تونق مود بضربة من عصاه الابنوس على رأس المتوفى فخر على الأرض ساقطا ولما أراد النهوض على قدميه عاجله المتهم مريا دينق بضربة أخرى على رأسه فسقط على الأرض مرى أخرى وفي هذه اللحظة حاول المتهم دينق ضرب القتيل غير أن المتهم تونق حاول إيقافه ولكنه أفلت من قبضته وضرب المتوفى على جنبه الايمن
كانت نتيجة هذا الضرب المتلاحق كسر في جمجمة المتوفى وجرح على رأسه طوله أربع بوصات وعمقه بوصة ونصف وكسر بالضلع الأولى من الناحية اليمنى وتمزق بالكبد مما أدى إلى حدوث نزيف داخلي
الإدانة
لقد قررت المحكمة الكبرى أن المتهمين الأول والثاني إرتكبا جريمة القتل العمد ولهذا أدانتهما تحت المادة 251 من قانون العقوبات وأدانت المتهم الثالث تحت المادة 253 عقوبات وقبل ابداء الرأي بشأن هذه الإدانة يجب أن توضح الآتي
قبلت المحكمة الكبرى التقرير الطبي الذي كتبه ممرض شفخانة شوبيت وأعتبرته جزاء من الأدلة وهذا خطأ في تطبيق القانون لأن الممرض لا يدخل في تعريف المفتش الطبي الوارد في المادة 228 من قانون التحقيق الجنائي وبالتالي لا يقبل بتقرير منه أما إذا كان حاضرا في المحكمة فيكون ذلك بإعتباره شاهدا عاديا
وعلى هذا الأساس تكون البينة الطبية محصورة فقط في الأقوال التي أدلى بها ذلك الممرض في مرحلة التحقيق القضائي والتي قبلت كجزء من البينة في مرحلة المحاكمة تحت المادة 220 من قانون التحقيق الجنائي بإعتبار أن حضور ذلك الشاهد سيؤدي إلى تأخير الفصل في القضية الشئ الذي أعتبرته أحد الأسباب التي تبرر الاستغناء عن مثول الشاهد أمام المحكمة
غير أنه من المناسب أن نشير هنا إلى أن ذلك الممرض عزى سبب الوفاة إلى نزيف داخلي بالمخ ونزيف داخلي بالبطن نتيجة لتمزق الكبد ولما كان من المفهوم أن تقرير سبب الوفاة هو أمر قضائي وليس أمرا يترك تقديره لذوي الخبرة إلا أن هذه الخبرة قد يؤخذ بها عندما تصدر من خبير ولكن إذا صدرت من ممرض فإن من واجب المحكمة أن تكون حذرة لاقصى درجة في الاعتماد على رأي الممرض وأنها عندما تزن أقواله لتحديد قيمتها القانونية يجب أن توضح مدى خبرة ذلك الممرض وذكاءه المهني وطول خدمته في هذا التخصص حتى نتمكن من تقدير ما إذا كانت محكمة الموضوع قد وزنت البينات وزنا صحيحا وهذا مسألة قانون تخضع لرقابة السلطة الاستئنافية
والذي نلاحظه في هذه المحاكمة أن أسباب الحكم جاءت خلوا من الاثارة إلى قيمة البينة الواردة في اقوال ذلك الممرض ولهذا لم توضح لنا المحكمة الموضوع كيف عرف الممرض وجود النزيف الداخلي بالمخ؟ وكيف عرف النزيف الداخلي بالبطن بعد تمزق الكبد؟ لأنه لم نجد في يومية التحري ما يشير إلى اذن بتشريح الجثة
ولان اجراء التشريح ليس من اختصاص الممرض هذا الاخير يجب أن يحصر نفسه في العلامات الظاهرة للجروح والاصابات التي على جسم المصاب ويترك للمحكمة استنتاج ما تراه إذا لم يكن بالامكان العثور على طبيب لإجراء التشريح لمعرفة سبب الوفاة
وفي ضوء ما ذكر أعلاه فإني أوافق محكمة الموضوع في النتيجة بأن سبب الوفاة هو الضربات التي لحقت بالمتوفى وذلك لأن كسر الجمجمة وكسر الضلوع ليس من المستغرب أن يكون سببا لحدوث الوفاة خصوصا إذا تبعته الوفاة سريعا كما في هذه القضية إذ توفى المرحوم بعد ضربه بساعات قليلة تلك الضربات التي الحقها المتهمون الثلاثة بالمرحوم وبهذا يكون هؤلاء الثلاثة قد إرتكبوا جريمة القتل العمد لاشتراكهم في ضرب المرحوم ضربات قاتلة ولكن هل كان هؤلاء المتهمون الثلاثة خاضعين لاثارة مفاجئة وشديدة عندما ارتكبوا ذلك الفعل؟ محكمة الموضوع قررت أن المتهم الثالث هو الذي كان واقعا تحت الاثارة أما بقية المتهمين فلم يكونوا تحت اي نوع من الاثارة والاستفزاز ولكننا نرى خلاف ذلك حيث ان الوقائع الثابتة توضح أن المرحوم كان زوجا لاخت المتهمين الثلاثة وأنه دفع مهرا لها تسع بقرات وبهذا أصبحت هذه البقرات التسع داخلة في ملك الاسرة وليست ملكا لواحد من الاخوة الثلاثة وثابت من أقوال المتهمين أن المرحوم اشوت هذا بدا بسرق الابقار الواحدة تلو الاخرة بالرغم من أن أخت هؤلاء المتهمين ما زالت معه ولم يعدها لاهلها حتى بقيت بقرات ثلاث وقد حدث أن اشتكى شخص يدعى كشوال للسلطات بأن دين مود سرق زوجته (راجع أقوال المتهم دينق مود في التحقيق القضائي) وأن حرس السلطات أخذ خمس بقرات بخصوص هذه الشكوى ولحين الفصل في القضية غير أن أشوت ذهب لزريبة الحكومة حيث كانت تحفظ تلك الابقار لحيث الفصل في قضية كشوال ضد دينق وسرق بقرة منها وقد عرف هؤلاء الاخوة المتهمين بهذه الواقعة أثناء سيرهم لحلة أخرى بغرض توصيل أختهم الثانية لزوجها ولسوء الحظ تقابلوا مع المرحوم والذي قيل أنه سرق بقرتهم من مراح الحكومة ولما سأله أحد المتهمين عن سبب سرقته البقرة قال له أن كنت رجلا اذهب وخذها من المراح وهنا ضربه المتهم الثالث ثم لحق به المتهمان الاول والثاني
هذه الوقائع في رأينا تشكل اثارة لانه ليس من الضروري أن تكون الاثارة قد بدأت مباشرة قبل الحادث وقد تقرر هذا المبدأ في قضية حكومة السودان ضد الطاهر آدم احمد انظر(1969) المجلة القانونية صفحة 140
ومن هنا نجد أن هذا المتهم بسرقته لابقار هؤلاء الاخوة والتي دفعها مهرا لهم لزواج أختهم وأنه بالرغم من سرقة تلك الأبقار احتفظ بأختهم زوجة له نجده قد أساء لهم اساءة بالغة حسب العرف القبلي وأن هذه الأشياء كافية للإثارة بإعتبار أن الابقار تعتبر شيئا عزيزا على القبائل في جنوب السودان حسبما اقرته السوابق القضائية كما جاء في قضية حكومة السودان ضد لوقول ادوزي انظر(1966) المجلة القانونية صفحة 2 حيث قال رئيس القضاء ابو رنات:
"إن اي شخص يعرف مواطني مراكز شرق الاستوائية وعلى العموم جميع القبائل النيلية ويعرف مدى حبهم للأبقار يدرك أن أخذ اي عنزة أو تور من مراح الاسرة يسبب اثارة شديد لافراد تلك الاسرة"
وعليه فإن هؤلاء الأخوة الثلاثة قد تجمعت في نفوسهم عوامل الاستفزاز ابتداء بسرقة المتوفى لابقارهم واحدة تلو الاخرى ثم زاد هذا الاستفزاز بسماعهم لنبأ سرقته لبقرة أخرى من تلك الابقار التي تركوها في مراح الحكومة ولسوء حظ المتوفى قابله هؤلاء المتهمون مباشرة بعد سماعهم الخبر من أفواه الناس وكان من الطبيعي أن يسألوه عن سبب أخذه لبقرة من أبقارهم وقد تركوها في رعاية الدولة لقد سأل المتهم الثالث المتوفى عن سبب أخذه للبقرة وكان رد المتوفى استفزازيا حيث قال له أن البقرة في المراح ولو انت رجل اذهب وخذها
هذه الجملة اشعلت حفيظة الغضب في نفوس الاخوة الثلاثة لان البقرة ملك لاسرتهم وأن ماوجه لاخيهم يشملهم
وقد يبدو أن هذه الوقائع والالفاظ لا تثير الرجل العادي إلا أن هذا ليس صحيحا لأن الرجل العادي في هذا الشأن لا ينظر إليه بعيدا عن نطاق أفراد مجتمع الجاني وطبقته وهذا ما قررته السوابق القضائية حيث كان من رأي رئيس القضاة الأسبق ابورنات وفي نفس قضية لو قول ادوزي:
"لا يجوز أن يقال أن الاستفزاز كان شديدا ما لم يجعل الرجل العادي يتصرف بنفس الطريقة التي تصرف بها المتهم وفي رأيي أن الرجل العادي المقصود في هذا التعبير هو الرجل العادي من نفس طبقة المتهم"
وخلاصة ذلك فإن المتهمين الثلاثة عندما ضربوا المرحوم كانوا تحت إثارة شديدة بسبب الأفعال التي أرتكبها المرحوم طوال فترة من الزمن حتى تجمعت تلك الاستفزازات ووصلت قمتها عند رد المتوفى للمتهم تونق متحديا رجولته وبذلك ينطبق عليهم الاستثناء الاول من المادة 249 من قانون العقوبات
وعليه فإننى أرى أن المتهمين الثلاثة مذنبين تحت المادة 253 من قانون العقوبات ولهذا فإنني الغي الادانة تحت المادة 251 عقوبات بالنسبة للمتهمين الأول والثاني وإستبدلها بالمادة 253 من قانون العقوبات
بعد أن وجدنا جميع المتهمين مذنبين تحت المادة 253 من قانون العقوبات فإننا نتعرض للعقوبة ونحن ننظر للعقوبة في ضوء مناسبتها للفعل الذي ارتكب ومدى ملاءمتها مع الصالح العام من حيث دواعي الامن والمحافظة على أرواح الناس ومحاولة إتخاذ القانون وسيلة لتعليم الناس لامتثال احكامه
ان هؤلاء المتمين من قبيلة يسئ إليها ان تسرق ابقارها وعلى هذه الاساس فإن الشخص الذي يستجيب للإستمرار في محاولة لرد الاعتبار الادبي لا يعتبر مخلا بأمن مجتمع تلك المناطق ولكن هذه العادة يجب ألا يسمح لها بالاستمرار بل يجب محاولة تعليم أهالي تلك المناطق اللجوء للقانون بدلا من أخذ حقوقهم بأياديهم وترجيحا لهذه الغاية يجب أن تميل العقوبة نحوالشدة هذا بجانب ان الجريمة نتج عنها جرمية قتل والصالح العام في جانب حماية الأرواح وهذا عامل ثان لتشديد العقوبة ومن ناحية أخرى نجد أن هؤلاء المتهمين أخوة من أسرة واحدة وأي عقوبة توقع عليهم يجب أن يأخذ في الاعتبار ما يلحق بهذه الاسرة عندما تفقد ثلاثة من أفرادها مرة واحدة بسجنهم لمدة طويلة وأخيرا فإننا يجب أن نأخذ في الاعتبار تصرفات كل منهم عندما ارتكب الجريمة حيث نجد أن المتهم الثالث حاول منع اخوته من الاعتداء على المرحوم بعد أن ضربه هو وهذا تصرف يجعل عقوبته تخف من عقوبة غيره في حين نجد مريال ضرب المرحوم بعد ان وقع على الارض ومنعه من القيام وهذا تصرف يتسم بعدم الشهامة ويقتضى تشديد العقوبة وهذا أيضا ما فعله المتهم دينق مود وفي هذه الظروف جميعها أرى أن تكون العقوبات كما يلي
(1)
المتهم مريال دينق عشر سنوات سجنا تحت المادة 253 من قانون العقوبات
(2)
المتهم دينق مود عشر سنوات سجنا تحت المادة 253 من قانون العقوبات
(3)
المتهم تونق مود دينق ثمان سنوات سجنا تحت المادة 253 من قانون العقوبات
وعليه يصدر القرار بإلغاء الادانة والعقوبات تحت المادة 251 بالنسبة للمتهمين الأول والثاني وتستبدل بالادانة تحت المادة 253 من قانون العقوبات كما تعدل العقوبات بالنسبة للمتهمين الثلاثة كما موضح أعلاه