سابقة منشورة بمجلة 1971
سابقة منشورة بمجلة 1971
في محكمة الاستئناف المدنية
الدائرة الجنائية
تاييد محكمة كبرى
حكومة السودان ضد احمد ابوعبيدة وآخرين
م أ / م ك/ 71/72
المبادئ
قانون الاثبات – الاعتراف القضائي – العدول عن الاعتراف- هل يرقى الاعتراف المعدول عنه لمستوى البينة ضد بقية الشركاء – تقدير العقوبة – الظروف المخففة
(1)
اذا عدل المتهم عن الاعتراف القضائي الذي ادلى به وكان الاعتراف مشتملا علي مايجرم متهمين آخرين شركاء له في الاتهام فإن ذلك الاعتراف لايعتد به كبينة ضد اولئك الشركاء
(2)
يعتبر من الظروف المخففه للحكم في حالة الادانة فيما يتعلق بالاموال العامة وجود حالة من الاهمال والفوضى بشأن ادارة المال موضوع الادانة وكذلك تعرض الشخص الذي ادين لاجراءات تاديبية اخرى غير اجراءات المحاكمة وكون ان الشخص المدان قد أبقى تحت الحبس لانتظار المحاكمة زمنا طويلا
المحامون :جلال علي لطفي – عمر النور خميس عن المتهمين
صالح عتيق – قاضي المحكمة العليا –بتفويض من رئيس القضاء 17/4/1972
يطلب المحاميان جلال علي لطفي وعمر النور خميس أعادة النظر في القرار بادانة المتهمين والحكم وينصب اعتراضهما علي ان القرار مشوب بخطأ من الناحية القانونية وذلك يجعل من العسير التعويل عليه
فالناحية القانونية تتعلق باعتراف المتهم الاول الذي سحبه في طور التحقيق القضائى والمحاكمة والذي جعلته المحكمة اساس لادانة المتهم دون تأييد الا ان حذر القضاة ويقظتهم جعلهم يبحثون دائما عن بينات اخرى تعضده وعليه فقد درجت المحاكم أن تدقق النظر في الظروف المحيطة به للتأكد من سلامته وانه صادر عن طواعية المتهم واختياره وان تدقق في مدى الاعتماد عليه والعمل بموجبه
أما بالنسبة للشركاء في الجريمة فلا قيمة للاعتراف اذ لايمكن الاعتماد عليه وجعله اساسا للادانة لانه لم يكن على يمين ولم تكن لهم فرصة مناقشة المعترف وهو يختلف اساس عما يدلى به الشريك ردا علي استجوابه تحت المادة 218 أو اقواله التي يدلى بها في دفاعه طبقا للمادة 179 من قانون التحقيق الجنائى والذى يمكن اخذها في الاعتبار كبينة ضده أو ضد اى من المتهمين الاخرين في نفس القضية أو في أية مرحلة لاحقة من الإجراءات والتي يجب الا تعطي وزنا اكثر مما تستحق لانها لم تكن علي اليمين ولم يكن للمتهمين الأخرين فرصة مناقشة
يدفع المتهم الاول ان المحقق قد اكرهه علي ذلك الاعتراف بالضرب والوعيد وأنني اميل لتصديق روايته للأسباب الاتية
(1)
بالرجوع الى يومية التحري نجد أن الضابط المتحرى الذي انتدب لاكمال التحرى استجوب هذا المتهم في مكتب الملاحظ وهذا يثير شكا في سلوك الملاحظ الذي انتدبه لهذا العمل والذي سمح بان يكون الاستجواب بمكتبه وعلي مراى منه
(2)
ارسل هذا المتهم الى المستشفي للكشف الطبى عليه لانه كان يدعى حينذاك بانه مضروب وجاء القرار بانه لا أثر لاي اذى خارجي وكان ذلك حوالي الساعة 1045 صباحا وهذا القرار غير مختوم بختم المستشفي وتوقيع الطبيب غير ظاهر
(3)
وفي حوالي الساعة 1120 اخذ المتهم الي القاضى الذي وجه اليه التحذير التقليدى ودون ذلك الاعتراف
أن عبء اثبات ان الاعتراف كان بطوع المتهم الاول واختياره وصادر عنه دون أكراه او اغراء يقع علي عاتق الاتهام وحده وكما وأن اى شك يجب تفسيره لصالح المتهم
والاسباب التي ذكرتها سابقا تحملنى علي الاعتقاد ان المتهم الاول قد تعرض للضغط ليدلى باعترافه وعليه يجب رفضه
هذا الاعتراف لم يكن البينة الوحيده ضد المتهم اذ اكد شهود الاتهام انهم رأوا عربة تشحن السكر وبالقرب منها كان يقف ذلك المتهم واجاب علي استفسارهم بان السكر في طريقة الى كسلا وان تلك العربة اخذت كميه منه ومن هنا يتضح أن المتهم الاول وهو المنوط به حراسة المخزن هو الذى استولى علي تلك الكمية منه
وعليه فانني أؤيد القرار بادانته
وقبل أن انتقل لمناقشة البينات ضد بقية المتهمين أود أن الفت نظر رئيس المحكمة الى ان النظرية التي تحتم قبول الاعتراف ككل أو رفضه لم يقصد بها الاعتماد عليه كبينة ضد بقية المتهمين فهذه النظرية ترفض تجزئة الاعتراف وذلك باخذ ماهو في صالح الاتهام وترك ما كان في صالح المتهم نفسه علي أنه غير جدير بالاعتبار ومع ذلك يجوز حذف أي جزء من الاعتراف أو ترك العمل به متي ما قامت بينات اخرى تناهض ذلك الجزء منه
أما عن بقية المتهمين فان الاعتراف المسحوب كما ذكرت سابقا لايصلح أن يكون اساس لادانتهم ولايمكن جعله بينه ضدهم وعليه فقد وجب البحث عن البينات الاخرى التي ساقها الاتهام
يقول المتحري انه احضر ثلاث عربات وعرضها علي الشهود ((الخفراء)) للتعرف عليها وكانت النتيجة هي ماذكر في التحقيق القضائى علي صفحة (9) وقالوا أن العربة التي شاهدوها كانت تشبه تلك التي كانت عن جهة اليمين والتي كانت قطعة التصادم منها رمادية اللون وكان صندوقها قد صنع من الحديد ولكنهم لايجزمون انها كانت نفس العربة لان الدنيا كانت مظلمة ولا يستطيعون التأكد من النمرة أن العربة التي تعرف عليها هؤلاء الشهود كانت هي نفس العربة خاصة السائق عبدالله سليمان ويقول المتحرى في صفحة (9) من المحضر ان الشهود تعرفوا علي العربة ووصفوا قطعة التصادم منها بلونها الرمادي فهذا التناقض الواضح في أقواله تجعل من العسير الاعتماد عليها فكل الذي ورد علي لسانه ان الشهود قد ذكروا ان العربة التي عرضت عليه تشبه تلك التي شاهدو ها ولم يجزموا انها هي ولم يقولوا أن التصادم رمادى اللون فاذا اخذنا شهاداتهم كما وردت في التحقيق القضائى في المحاكمة نجد أنهم لايجزمون ان اللورى هو نفسه الذي شاهدوه
كذلك عجز الاتهام أن يثبت بما لا يدع مجالا للشك المعقول أن الجوالات التي وجدت في حيازة المتهم لايكفي للأدانة بل يجب علي الاتهام أن يبرهن أنها نفس مخازن البنك وانها نقلت الي ذلك المخزن بواسطة المتهمين الثاني والثالث والرابع أو انها وجدت في حيازتهم فالتشابه بين البضاعة المسروقة والتى وجدت في حيازة المتهم لايكفي لادانته بل يجب علي الاتهام أن يبرهن أنها نفس البضاعة أو جزء منها
ومعروف أن هذه الجوالات أثيوبية الصنع تستعلمها الشركات المنتجة للسكر كوعاء له ومعروف أن كميات كبيرة من السكر تدخل البلاد معبأة في هذه الجوالات وكما أن بعض هذه الجوالات متواجدة بكثرة في الاجزاء المتاخمة للحدود الاثيوبية السودانية ويمكن الحصول عليها بسهولة وعليه فان حيازة المتهم لبعضها لاينهض دليلا علي أنه استولى علي السكر المفقود في المخزن
وعليه فانني ارفض تاييد قرار الادانة بالنسبة لكل من المتهمين الثاني والثالث والرابع وأمر باطلاق سراحهم في الحال
أن الحكم بالنسبة للمتهم الأول يتسم بنوع من القسوه وخصوصا اذا اخذنا في الاعتبار انه ارتكب جريمته هذه في عهد سادت فيه الفوضى وطاب لبعض موظفي الدوله الاستيلاء علي اموالها والتصرف فيها لمنفعتهم الشخصية وعلاوة علي ذلك فقد أوقف هذا المتهم عن العمل منذ مايو 1967 وكان في انتظار المحاكمة التي لم تتم الا في فبراير عام 1972 وبهذا يكون قد قضى وقتا طويلا في انتظار المحاكمة وعانت اسرته الكثير وعليه فانني اخفض مدة السجن بالنسبة له الي سنتين فقط