سابقة منشورة بمجلة 1971
سابقة منشورة بمجلة 1971
المحكمة العليا
القضاة
صاحب السعادة السيد/ خلف الله الرشيد رئيس المحكمة العليا رئيساً
سعادة السيد/ صلاح الدين شبكة قاضي المحكمة العليا عضواً
سعادة السيد/ هنري رياض سكلا قاضي المحكمة العليا عضوا
حكومة السودان ضــد عبدالرحمن إدريس حسن
م ع/م ك/95/72
المبادئ
قانون العقوبات – تسبيب القتل – المادة 215 – الاستفزاز الشديد المفاجئ المادة 249 (1) – الخطأ في الشخصية – المادة 250 –
ليستفيد المتهم من الاستثناء الوارد في المادة 249(1) من قانون العقوبات فيما يتعلق بالاستفزاز الشديد المفاجئ يجب أن يكون العقل الذي أفضى إلى الموت قد وجه لمصدر الاستفزاز ويقع تسبيب الموت عمدا إذ وجه الفعل إلى شخص لم يصدر منه أي استفزاز
ذهبت زوجة المتهم بصحبة طفلة لزيارة شاهد الاتهام الثالث وهو رجل غير متزوج ويمت لها بصلة القربى وجدت الزوجة المجني عليه مع شاهد الاتهام الثالث جاء الزوج ووجد زوجته تتلهى بلعب الورق مع الشاهد الثالث فبدأ يعنفها ويشتجر معها مما دعا شاهد الاتهام الثالث للتدخل غير أن مشاجرة جديدة نشبت بين المتهم والشاهد الثالث لم يتدخل فيها المجني عليه الذي كان مريضاً ولكنه انزعج من تطور المشاجرة بين المتهم والشاهد الثالث فبدأ يستغيث ويبكي حتى اقبل الشاهد الخامس لفض النزاع ولكن المتهم وقد منع من الوصول للشاهد الثالث رفع فأسا كانت ملقاة على الأرض وضرب بها المجني عليه فشجت رأسه وكانت الوفاة قرر الطبيب أن الوفاة كانت نتيجة كسر بالجمجمة أحدثت نزيفا بالمخ
أدلى المتهم باعتراف قضائي بضربه للمتوفى ولكنه ذكر في دفاعه أنه لم يكن يقصد أن يضرب المجني عليه ولكنه أخطأ التصويب فأصابه بدل أن يصيب شاهد الاتهام الثالث
الحكم
27/6/72
انعقدت محكمة كبرى بالقضارف لمحاكمة المتهم عبد الرحمن إدريس عمر تحت المادة 251 من قانون العقوبات وذلك بتاريخ 1/3/1972 وأدانته ثم أصدرت عليه حكما بالإعدام
تقدم المحكوم عليه بطعن ضد الحكم المذكور يتحصل في أنه لم تكن لديه نية قتل المجني عليه وأن الفأس التي كان يمسكها أراد أن يضرب بها الشاكي أحمد يونس وقد سبق للمحكوم عليه أن ردد هذا الدفاع أمام محكمة الإحالة وأمام المحكمة الكبرى وقد تصدت المحكمة الكبرى للرد على ذلك الدفع بعد أن اقتنعت من الأدلة المطروحة أمامها بوجود أركان الجريمة تحت المادة 251 وذلك أن المتهم لم ينف واقعة ضربه للمجني عليه بفأس على رأسه مما أدى إلى كسر بالجمجمة ترتب عليه نزيف في المخ نتجت عنه الوفاة كما اعترف المتهم بالأفعال المسندة إليه اعترافاً قضائياً وتواترت الأقوال على أن المتهم قام بضرب المجني عليه الذي لم يكن طرفا في العراك أو المشاجرة كما لم يصدر منه قول أو فعل يدل على استفزازه للمتهم
وتصدت المحكمة للرد على دفاع المتهم بأنه أخطأ التصويب فوقعت الفأس على المجني عليه في حين أنه كان يقصد بها الشاهد (أحمد يونس) فقالت عن الوقائع: أن شاهد الاتهام الثالث (أحمد يونس) لم يذكر في أقواله للمتحري أين كان المتوفى ساعة المعركة وعندما اعتدى عليه المتهم) وذكر أمام المحكمة ما نصه: " في ذلك الأثناء كان المرحوم راقد عيان والمتهم التفت إليه وقال أنت منهم وضربه" (صفحة 6 من الإجراءات) وعند استجواب المحكمة له (الصفحة السابعة من الإجراءات) ذكر أن المرحوم "كان طوال المدة راقد"
أما (حليمة) شاهدة الاتهام الرابعة – فلم تذكر للمتحري ما إذا كان المتوفى راقداً أم واقفاً عندما اعتدى عليه المتهم ولكنها ذكرت للمحكمة "الولد بدا يكورك في المدة دي شال الفرار وضرب بيه الولد العيان" (صفحة 7 من الإجراءات) وعند استجواب المحكمة لها ذكرت المرحوم تحرك ووقف بطرف العنقريب وبدا يكورك"
وقد ذكر شاهد الإتهام الخامس لهذه المحكمة ما نصه: "المرحوم كان في السهلة ومستند على القطية" كما ذكر للمحكمة عند استجوابه "المرحوم في هذا الأثناء يبكي ويستنجد" أما في يومية التحري فقد ذكر في أقواله "المرحوم كان جالس"
وقد تعرضت المحكمة لما اعتور أقوال الشهود من التضارب او التناقض فيما إذا كان المجني عليه جالسا أم واقفا وفيما إذا كان بعيدا عن حلبة النزال أم قريباً وقت نزول الفأس على رأسه فقالت "لقد ناقشت المحكمة هذه النقطة بإسهاب لمعرفة قرب المتوفى من المتهم وهل كان في حلبة النزال أو كان طرفا في المشاجرة فإن ثبتت أمام المحكمة هذه الحقيقة أصبح احتمال خطأ المتهم ليس ببعيد عن واقع الحياة والأشياء أما إذا كان بعيدا عن المشاجرة فالعكس أقرب إلى واقع الأشياء"
بالرغم من بعض التضارب الذي ذكرته المحكمة وناقشته فقد ثبت أن المتوفى لم يكن طرفا في المعركة بل كان بعيدا عنها لم يشارك فيها إلا باستنفار الجيران للنجدة وحقن الدماء
ومرد ذلك أنه ليست من طبيعة الأمور أن يمكث الشخص على سرير وصديقه يقاتل فلا بد له أن يتحرك من سريره وبجانب ذلك فقد ذكر شاهد الاتهام الخامس أمام هذه المحكمة أن المتهم كان يقف مستندا على القطية وشاهد الاتهام الخامس جاء والمعركة على أشدها فلا بد له أن يلقي نظرة عامة عل ميدانها وقد كان الشاهد الخامس يقف بين شاهد الاتهام الثالث والمتوفى فلابد له أن يلاحظ وضع المتوفى في حلبة المعركة لقد كان المتهم طوال مدة المشاجرة في شباك مع شاهد الاتهام الثالث الذي كان يلبس "البنطلون والقميص" وفي ذات الوقت كان المتوفى يلبس (جلبابا) ولا يمكن للمتهم أن يخلط بينهما
لقد ذكر المتهم أن الفأس "زاغ" منه لأنه صرفه بعصاة ولا يمكن لعصاة أن تؤثر على قوة اندفاع فأس ثقيلة بين شخص في مثل قوة المتهم
هذا الذي استخلصته المحكمة الكبرى من وقائع الدعوى وأدلتها يستند على شهادة الشهود والمنطق العادي للأمور ولا يعيب الحكم أن أخذ ببعض ما جاء في أقوال الشهود وطرح البعض الآخر إذ أن التضارب في مسائل تفصيلية غير ذات أهمية لا يدل بذاته على كذب الشهود وقد عول الحكم على الأقوال المتعلقة والمنتجة في الدعوى والتي اطمأنت المحكمة إلى صدقها
أما بالنسبة لقول المتهم بأنه قصد ضرب شاهد الاتهام الثالث "أحمد يونس" ولكنه أخطأ وأصاب المتوفى ردت عليه المحكمة الكبرى بأن ذلك القول لا يشكل دفعا قانونيا وذلك إعمالا للمادة 250 من قانون العقوبات ولذلك تكون المحكمة قد طبقت القانون تطبيقا سليماً ذلك لأن جريمة القتل العمد تتوافر أركانها متى صدر من الجاني فعل يقصد به إزهاق روح إنسان ومات ذلك الإنسان فعلا سواء أكان ذلك الإنسان معيناً أو غير معين
والمادة 250 من قانون العقوبات صريحة في تصوير هذه الحالة إذ جاء فيها "إذا ارتكب الشخص –وهو يأتي فعلا يقصد به أحداث الموت أو يعلم بأنه يحتمل أن يسبب الموت- جريمة القتل ذي النية الموثمة بتسبيب موت إنسان لم يكن يقصد موته أو يعلم بأنه يحتمل أن تسببه فإن جريمة القتل ذي النية الموثمة التي يرتكبها تكون لها صفة الجريمة التي كان يرتكبها إذا سبب الموت للشخص الذي كان يقصد موته أو يعلم بأنه يحتمل أن يسببه"
ويسمى شراح القانون هذه الحالة بالخطأ في الشخصية
ولقد تصدت المحكمة لمعالجة الاستثناءات الواردة في المادة 249 فرأت أنه لم يصدر من المجني عليه قول أو فعل يمكن أن يعتبر استفزازاً أو تعدياً أو تحدياً للمتهم ذلك أن الأدلة الثابتة كلها قاطعة بأن المتهم وجه الضربة القاتلة للمجني عليه المريض الذي ظل طوال الوقت يصرخ ويبكي ويستنجد
ولذلك لا يستفيد المتهم من البند (1) من المادة 249 الذي يقول (لا يعد القتل عمدا إذا سبب الجاني –وقد فقد السيطرة على نفسه لاستفزاز شديد مفاجئ- موت الشخص الذي استفزه أو موت شخص آخر خطأ أو مصادفة) إذ جرى القضاء أو استقر على أنه لإستفادة المتهم من أحكام هذا البند يجب أن يكون الفعل المسبب للقتل لإستفادة المتهم من أحكام هذا البند يجب أن يكون الفعل المسبب للقتل قد وجه إلى مصدر الاستفزاز ولذلك يعتبر قتلا عمدا إن وجه الفعل إلى شخص لم يصدر منه استفزاز و تعد ولذلك يكون الحكم المطعون فيه قد قام على تسبيب صحيح في القانون ذلك حتى لو افترضنا جدلا بأن ما صدر من (أحمد يونس) من لعبه مع زوجة المتهم "الكوتشينة" يعتبر استفزازا شديدا ومفاجئا ذلك لأن الاستفزاز الصادر من ذلك الشاهد لا يمكن أن يعتبر استفزازاً من المجني عليه كما أنه من غير الثابت أن الجاني قد أخطأ ضرب ذلك الشاهد عن طريق الصدفة أو بسبب سوء التهذيب
وعليه فإننا نؤيد الإدانة والحكم