سابقة منشورة بمجلة 1971
سابقة منشورة بمجلة 1971
محكمة الاستئناف المدنية
القضاة
سعادة السيد صالح محمد عتيق قاضي المحكمة العليا بتفويض من رئيس القضاء
حكومة السودان ضد عبد الله محمد رمضان
م أ / م ك/369/71
المبادئ
قانون العقوبات- تسبيب الموت- المادة 253 من قانون العقوبات- علاقة السببية – العوامل الخارجية وفصم علاقة المسببية – الامور المتوقعة أو المحتملة الحدوث كان للمتهم بعض مال في ذمة المجني عليه وعد سداده غير ان المجني عليه لم يفعل مما اضطر المتهم لاجراء تسوية انخفضت بالمال من تسع جنيهات وثلاثة قروش إلى اربع جنيهات ونصف على أن تسدد في خلال اسبوعين لم يف المجني عليه بوعده للمرة الثانية فلجأ المتهم للمحكمة ولكن المجني عليه تعمد التغيب عن القرية وعند عودته طالبه المتهم بسداد مبلغ ثلاث جنيهات وخمسة قروش دون جدوى وفي يوم الحادث كان المجني عليه في طريقه لمشروع هيئة التوفير بالحلة وكان يحمل عصاة غليظة زاد في قوتها انها ربطت بجلد البقر(عكاز مضبب) لحق المتهم بالمجني عليه بعدما تخلص من محاولات لمنعه كان قد قام بها شاهد الاتهام الخامس تعارك المتهم والمجني عليه وخرج المتهم بجراح في الرأس من بينها كسر بالجمجمة وخرج المجني عليه بجرح في البطن خرجت على اثره امعاؤه اسعف المتهم والمجني عليه وبعد ايام شفى المجني عليه ولكن توفى في اليوم الخامس للحادث اثر اصابته بجلطة في الشريان الرئيسي للرئة
(1)
لاثبات ان الموت قد نجم عن الاصابة لابد من اثبات ان هناك علاقة مباشرة وواضحة بين الاصابة التي احدثها المتهم وسبب الموت الحقيقي توضح ان علاقة السببية لم تنفصم
(2)
تنفصم علاقة السببية إذا ما تدخلت بين الفعل ونتائجه عوامل خارجية لا صلة لها بفعل الجاني أو نشاطه
(3)
الامور المتوقعة أو المحتملة الحدوث هي تلك التي يمكن للرجل العادي ان يتكهن بحدوثها في اطار المالوف مما تجري به سنن الحياة بالنسبة للفعل ونتائجه
الحكم
16/1/72
بعد الاطلاع على اجراءات هذه المحاكمة وباستقراء البينات الواردة فلا يمكنني الموافقة على القرار بإدانة هذا المتهم تحت المادة 253 من قانون عقوبات السودان
وتتلخص وقائع هذه القضية والتي قامت عليها البينات المباشرة في الاتي:
كان المتهم يعمل بمزرعة المجني عليه وتحاسبا بعد نهاية العمل فاسفرت المحاسبة عن استحقاق للمتهم لدى الاخير بلغ مبلغ تسعة جنيهات وثلاثة قروش غير ان المجني عليه اخذ يماطل في الدفع واخيرا استنجد المتهم باهل القرية فتوصلوا الى تسوية تقضي بان يدفع له المجني عليه اربع جنيهات ونصف بعد مضي اربعة عشرة يوما من تاريخه
انقضت المدة ولم يف المجني عليه بوعده فلجا المتهم إلى المحكمة مطالبا بحقوقه ولكن المجني عليه استمرا المماطلة واخذ اجازته السنوية وابتعد عن القرية تهربا من وصول الإعلانات اليه
عاد المجني عليه إلى القرية والتقى به المتهم وطالبه بدفع المبلغ وكان استحقاقه قد تقلص الى ثلاث جنيهات وخمسة قروش فقط نتيجة لاسلوب المماطلة الذي كان يمارسه المجني عليه
وفي يوم الحادث وبينما كان المجني عليه في طريقة لمشروع هيئة التوفير بالحلة حاملا عصاته الغليظة فإذا بالمتهم يشاهده ويلحق به رغم رجاء شاهد الاتهام الخامس بألا يقربه وكان يحمل"قرجه" وحربة واشتبك المتهم والمجني عليه في معركة كان من نتائجها اصابة المجني عليه بطعنة في بطنه أخرجت الامعاء وعدة جروح براس المتهم مع كسر في الجمجمة
نقل الطرفان الى المستشفى حيث اجريت عملية للمجني عليه وحجز بها ولكن المجني عليه توفى في اليوم الخامس بجلطة في الشريان الرئيسي للرئة اليمنى
فما هي علاقة السببية بين الاصابة التي احدثها المتهم والجلطة التي كانت السبب المباشر لموت المجني عليه؟
تشترط المادة 246 من قانون عقوبات السودان أن يكون الموت ناجما عن الفعل أو الترك المخالف للقانون وبعبارة أخرى يجب أن تكون العلاقة بين الإصابة التي أحدثها المتهم وسبب الموت علاقة مباشرة وواضحة
وقد تتدخل عوامل خارجية بين نشاط الجاني وسبب الموت ولكنها لاتقطع بالضرورة علاقة السببية فالعوامل الخارجية التي تكون من الأمور المحتملة أو المتوقع حدوثها من فعل الجاني لا تقطع علاقة السببية وانما يقطعها تدخل عوامل خارجية غير متصلة بفعل الجاني أو نشاطه
ويتضح جلها من القرار الطبي أن الجلطة التي حدثت بالشريان الرئيسي للرئة اليمنى هي التي أدت لوفاة المجني عليه وثابت أيضا أن هذه الجلطة يمكن حدوثها من تصلب الشرايين دون أن تكون للطعنة دور فيها وحتى إذا آمنا بأن المصاب كما ذكر الطبيب كان مصابا بتصلب في الشرايين وكان البقاء في السرير لمدة طويلة من جراء العملية قد تسبب في قفل الشرايين واحداث الجلطة فإن ذلك لا يرقى لدرجة علاقة العلة بالمعلول لانها ليست من الامور المتوقعة أو المحتمل حدوثها في هذه الأحوال بالامور المتوقعة أو المحتملة هي الامور التي يمكن للرجل العادي أن يتكهن بحدوثها في اطار المألوف وما تجري بها سنن الحياة العادية بالنسبة للفعل وما يترتب عليه من النتائج وما غاب عنه فلا يمكن تسميته بالامور المتوقعة أو المحتملة
هذا بالاضافة إلى أن القرار لم يوضح بقطع الشك المعقول أن الجلطة كانت نتيجة لبقاء المجني عليه لفترة طويلة بالسرير وعلما بان الايام الخمسة السابقة للوفاة لا يجوز تسميتها بالفترة الطويلة
وعلى كل حال فالوفاة كانت نتيجة لجلطة في الشريان الرئيسي للرئة اليمنى وهذا بالطبع لم يكن نابعاً من الإصابة التي أحدثها المتهم ولم يكن متصلاً بها اتصالاً مباشراً بحيث يكون حدوث الموت منه أمراً متوقعاً أو محتملاً حدوثه
ولما كانت الاصابة نفسها في مكان حساس من الجسد وبآلة خطرة فكان حدوث الموت منها أمرا مرجحا
انني لا اوافق المحكمة الكبرى في قرارها بان المتهم كان تحت تاثير استفزاز شديد مفاجئ جعله يفقد السيطرة على نفسه والتحكم في أفعاله صحيح أن المجني عليه كان لا يعبأ بمطالبة المتهم واستمرا اسلوب المماطلة والتهرب من الدفع ولو أن مثل هذا العمل يستفز الرجل العادي إلا أنه يفقد عنصر الفجائية وعلاوة على ذلك فقد ذهب المتهم إلى المجني عليه حاملا عصاه وحربة لأخذ حقه أو المطالبة به عن طريق القوة ولذا فلا يمكن ان يستفيد من الاستثناء الوارد في الفقرة الثانية من المادة 149 من قانون عقوبات السودان إذ أن القاعدة الأساسية هي أن الشخص الذي يذهب إلى الغير ويستفزه ليرتكب ذلك الغير فعلا مخالفا للقانون ليجعل منه سلما لارتكاب فعل مخالف للقانون لا يمكن أن يدفع بأنه كان تحت تأثير إستفزاز شديد مفاجئ لأنه تسبب فيه
وهذا الشرط ينطبق أيضا في حالات الدفع بممارسة حق الدفاع الشرعي عن النفس فالشخص الذي يضع نفسه بمحض ارادته واختياره في موضع المدافع وتحت ذلك الستار يرتكب جريمة لا ينجح في دفعه بالدفاع عن النفس
وعليه فإنني استبدل قرار الادانة تحت المادة 253 بالمادة 259من قانون عقوبات السودان
لقد اصيب هذا المتهم بجروح خطيرة جعلت احتمال وفاته كبيرا ومكث بالمستشفى لفترة من الزمن هذا بالاضافة إلى عدم مبالاة المجني عليه بمطالبته وتحقيره له الشئ الذي أثاره وعليه فإنني اخفض مدة السجن إلى خمس سنوات اعتبارا من 11/5/1971