سابقة منشورة بمجلة 1971
سابقة منشورة بمجلة 1971
محكمة الاستئناف المدنية
القضاة
سعادة السيد مهدي الفحل قاضي المديرية المنتدب المحكمة العليا
بتفويض من رئيس القضاء
حكومة السودان ضد عمر تيراب رحمه
م أ / م ك / 837/69
المبادئ
قانون العقوبات – الاستفزاز الشديد المفاجئ – تسبيب القتل – إلمام المحكمة بابعاد الإثارة حدثت وقائع هذه القضية في مساء اليوم العشرين من مايو1969 عندما كان والد المتهم يشتكي من أن بهائم أقارب المجني عليه اتلفت العلف الذي كان والد المتهم يحتفظ به في زرائبه فحضر المتهم والمجني عليه وبعض أقاربهما لمعاينة التلف ولكنهم لم يلحظوا تلفا فتبادلوا بعض كلمات السباب وفي فورة الغضب يبدو أن المجني عليه وجه كلمات وقعت جارحة في حق النساء من عائلة المتهم فتدخلت امرأة تمت بالقربى للمجني عليه وقادته بعيدا بغية الإبتعاد به لتحول بينه وبين أن يسمع الحاضرون ما كان يتلفظ به ولكن المتهم تبع المجني عليه واصابه بسكين على الجانب الايسر من الصدر غرزت عميقا حتى أصابت القلب ومزقته مما أدى إلى الوفاة
كي تتمكن المحكمة من الالمام بأبعاد الإثارة لابد لها من أن تضع في الاعتبار الفعل أذى نتجت عنه الإثارة أي العلاقة ما بين الفعل والإثارة ولا يعني سكوت القانون عن هذه العلاقة أنها غير ذات أثر
الحكم
3/5/1970
هذه القضية تمثل كارثة المتهم وأسرته من سكان قرية عمارة تيراب بالجزيرة وقد كانوا على صلة طيبة بالمجني عليه وأسرته بحكم القرابة وفي 2مايو1969 وبعد المغيب كان والد المتهم يشكو من أن بهائم أخ المجني عليه قد أتلفت علفا كان والد المتهم يحفظه في مستودعه وفي الواقع كان الرجل يصيح في تهيج مما دفع بعض أناس من العائلتين أن يتجمعوا قرب المستودع لمشاهدة التلف ولكن لم يجدوا تلفا يذكر بالعلف وكان الخلاف عندها قد شب وتوسع فتفوه المجني عليه بكلمات بدت غير كريمة وماسة بنساء أسرة المتهم مما دعا أحدى قريبات المجني عليه للتدخل وأخذه بعيدا وفي هذه الأثناء جرى المتهم وأصاب المجني عليه بطعنة على الجانب الأيسر من الصدر وقد كانت الطعنة عميقة حتى بلغت بطين القلب الأيسر فنزف المجني عليه بشدة ومات في الحال
قدم المتهم للمحاكمة أمام المحكمة الكبرى بمدني وقد واجهت المحكمة صعوبة عدم وجود شاهد محايد أيد أقرباء المتهم الرواية التي تقول إن المجني عليه كان مسلحاً بعصاه وقد ضرب بها المتهم وفي الجانب الآخر ادعى أقرباء المجني عليه أن المتهم تبع المجني عليه وقتله بعد ذلك الموقف وبعد معاناة شديدة توصلت المحكمة إلى أن المجني عليه غير مسلح ولم يعتد على احد بالضرب ومع ذلك فقد تفوه بكلمات جارحة وقد أثارت تلك الكلمات المتهم لذلك أدانته المحكمة بالقتل الجنائي تحت المادة 253 من قانون العقوبات
إن ما توصلت إليه المحكمة قرار معقول وهو الاستخلاص المقبول والسائغ بالنظر للبينة المتضاربة وأوافق المحكمة أيضا إن الكلمات التي تفوه بها المجني عليه تؤدي إلى إثارة الشخص في مثل ظروف المتهم فقد جاء في قضية حكومة السودان ضد بركيه واجو(1961) مجلة الاحكام القضائية ص 114 وذلك بإقتباس ما قاله اللورد ريد في القضية (RVLisbini(1961)3kb1116) ما يأتي:
"المعيار الذي يجب أن يطبق لمعرفة ما إذا كان القتل الذي حدث ليس قتلا عمدا وإنما نتيجة للإثارة هو ما إذا كانت الإثارة كافية لسلب الرجل العادي توازنه النفسي وليس هو ما إذا كانت الإثارة كافية لسلب المتهم توازنه النفسي"
لقد تقرر في القضية حكومة السودان ضد عوض آدم عمر (1961) مجلة الأحكام القضائية ص75 والتي أوردت قضية محكمة المستعمرات:
(Attorney General of CeylonyVKumarsiingh(1953)AC200)ما يأتي:
"كلمتا(شديد) و(مفاجئ) اصطلاحان نسبيان ويجب على الأقل وإلى حد كبير أن يقرر بشأنهما بمقارنة طبيعة الإثارة بطبيعة الفعل المشكو منه فمن المستحيل أن نقرر بأن الإثارة كانت شديدة دون أن نضع في الاعتبار وفي نفس الوقت طبيعة رد الفعل المناسب لها ومن الخطأ أن نقول أنه وبحجة أن قانون العقوبات لم يقل صراحة بان رد الفعل يجب أن يكون ذا علاقة بالاثارة فإن العكس هو الصحيح"
وبتطبيق هذه المعايير على القضية التي بين أيدينا لا يمكن القول بأن الكلمات التي تفوه بها المجني عليه لا تثير شخصاً مثل القاتل وفي نفس الوقت لا يمكن أن نقول أن انتقام المتهم غير متناسب مع الإثارة التي وقعت عليه
أما العقوبة تحت المادة 253 فهي معقولة ويجب أن تكون هكذا لذا فإني أؤيدها
لقد حكمت المحكمة على المتهم بالسجن لمدة عشر سنوات واضعة في الاعتبار العمر والشخصية وكل الظروف المحيطة به وبإرتكاب القتل وفي رأيي أن السوابق القضائية توضح بان الاربع عشرة سنة سجناً هي الحد الأدنى في مثل هذه القضايا ولكن لا يوجد سبب للتدخل الآن في العقوبة الصادرة بالزيادة
لذلك أؤيد كلا من العقوبة والحكم