سابقة منشورة بمجلة 1971
سابقة منشورة بمجلة 1971
محكمة الإستئناف المدنية
القضاة
سعادة السيد/ صالح محمد على عتيق قاضي المحكمة العليا بتفويض من رئيس القضاء
حكومة السودان ضد قرشي فضل المولى
م أ / م ك / 228/70
المبادئ
قانون العقوبات – حق الدفاع عن النفس – توقع تسبيب الموت أو الاذى الجسيم – تجاوز حق الدفاع عن النفس
قانون الاثبات – الاعتراف القضائي – طرح جزء من الاعتراف القضائي كان المتهم والمجني عليه يسكنان قرية واحدة وفي يوم الحادث إلتقيا في طريقهما للقرية فثارت مشادة بينهما لم يتأت للمحكمة التعرف على أساسها وكما يبدو أن ثمة شئ يتعلق بزوجة أحدهما تجاه الآخر عندما وصل المتهم أخبر والده أنه تشاجر مع المجنى عليه وتضاربا وحيث وقع العراك وجد المجني عليه وقد أصيب ثلاث مرات بعصاة غليظة وكان قد فارق الحياة افاد والد المجني عليه أن ابنه كان يحمل عصا صغيرة يتخذها مقودا لدابته وقد أدلى المتهم باعتراف قضائي أفاد فيه أنه أصاب المجني عليه ثلاث مرات سقط المجنى عليه على أثر الاولى أما الاصابتين الاخيرتين فقد أوقعهما على المجني عليه بعد سقوطه على الأرض كذلك جاء في الاعتراف أن المجني عليه أصاب المتهم على كتفه
/1/
ليس المتهم بحاجة عند دفعه بالدفاع الشرعي عن نفسه أن يثبت أن أذى قد لحق به بل يكفي لو أنه استطاع أن يثبت أن حدوث الأذى كان وشيكا في الظروف المعقولة
/2/
اللجوء لاستعمال القوة بصورة زائدة من شأنه إبطال الدفع يحق الدفاع الشرعي عن النفس غير أن مدى القوة الذي يكون مشروعا عند الدفاع عن النفس يتوقف علىظروف كل حالة ولا يصح أن يقاس بمنظار القاضي الذي يجرى التحقيق بعد حدوث الوقائع أو منظار الشخص المحايد
/3/
القاعدة العامة في الاعتراف القضائي أن يؤخذ كله ما لم تقم بينةتدحض أي جزء منه وعندها يكون ذلك الجزء غير مقبول ولا يعتد به
الحكم
21/7/1970
قدم المتهم للمحاكمة أمام محكمة كبرى بالمناقل وتوصلت المحكمة لقرار بإدانته تحت المادة 251 من قانون العقوبات وأصدرت عليه حكماً بالإعدام
إن محكمة الموضوع أسست قرارها بالإدانة على الإعتراف القضائي الذي أدلى به المتهم وقد قبلت المحكمة جزءا من الاعتراف وطرحت الجزء الآخر لعدم تصديقها له والقاعدة العامة هي أن الإعتراف القضائي يؤخذ كله رغم أنه قد يشتمل على عبارات قد تكون في مصلحة المتهم كما يجب أن يؤخذ الاعتراف كله ما لم يكن هناك بينة تناقض جزءا منه وفي هذه الحالة يطرح الجزء الذي تتوفر البينة المناقضة له وعندما لا تكون هناك بينة مناهضة لجزء من الاعتراف أو الجزء المجرم فيه وجب أخذ الاعتراف كله ولا يصح تجزئته في مثل هذه الحالة
في هذه القضية كان المتهم في كل مراحل الاجراءات وحتى في اعترافه القضائي يقول أن المجني عليه تهجم عليه أولا وضربه على الكتف على أن البينة التي أوضحت أنه لا شئ على كتف المتهم من قبيل أثر الضرب جاءت على لسان المساعد الطبي إن أثر الضرب كان يمكن أن يظل باقيا حتى اليوم التالي للضرب إذا كان الضرب عنيفا وهذا الشاهد هو الذي أجرى الكشف على المتهم في حوالي الثامنة من صباح اليوم التالي للحادث
هذا يعني إن الأذى لم يكن حاداً فلا يكون له أثر في اليوم الذي يليه أي أن أثر الضرب يعتمد على الفترة الزمنية التي تتبعه وعلى العنف المصاحب له
إن المتهم لم يقل إن الضرب الذي أوقع به كان عنيفا ولكنه اكتفى بقول إن المجني عليه كان سباقا لضربه وفي هذه الأحوال فإن حق الدفاع عن النفس لا ينشأ لأن أذىً قد وقع ولكن لان توقعا معقولا قد قامت به الظروف لدى المعتدى عليه فالشرط هو قيام التخوف المعقول وفي ظروف معقولة وليس حدوث الاذى فعلاً
في اعتقادي أن البينة الطبية لا توضح بطريقة جازمة أن ذلك الجزء من الاعتراف القضائي الذي طرحته المحكمة كان دون الأخذ به وعليه فقد كان ينبغي أن يؤخذ الإعتراف القضائي كله فقد جاء في البينة التي قدمها المتحرى أنه عثر على عصاة في مسرح الاحداث ومع أن تلك العصاة كانت قد أبرزت أمام المحكمة إلا أنني لا أجد لها وصفا في محضر الإجراءات لا أجد أنها عرضت على المتهم بغرض تعرفه عليها ولتحديد ما إذا كانت هي العصاة التي تعرض للضرب بها ذلك أن قول والد المجني عليه إن ابنه كان يحمل عصاه وصفها بانها مجرد مقود للدابة لا يحول دون القول أن العصاة التي عرضت أمام المحكمة هي نفس العصاة التي كان المجني عليه يحملها خاصة وأن عصاة المجني عليه لم يعثر عليها حيث وقعت الجريمة
بموجب المادة 61 من القانون والتقييد الوارد في المادتين 58و59 يجوز أن يمارس حقه في الدفاع الشرعي عن النفس أن يصعد دفاعه لدرجة إحداث الموت متى ما كان لديه تخوف معقول من موت قد يحدث له المعتدي أو أذى جسيم وكما ذكرت سابقاً فإن حق الدفاع ينشأ عنهما يخلق في روع المعتدى عليه التخوف من الاذى وبعد ذلك فإن المعتدى عليه ليس مقيداً بالانتظار حتى يصيبه الأذى وإنما من حقه أن يشرع في درء الخطر عن نفسه شريطة أن يكون ذلك بحسن نية ولأغراض الدفاع فقط
وكما لا يخفى على أحد فإن الافراط في استعمال القوة من شأنه أن يفقد حق الدفاع عن النفس فاعليته ولكن الافراط في استعمال القوة ينبغي ألا يخضع لمقياس من في وضع القاضي الذي يجري تحقيقا أو من في وضع الشخص المحايد عن الاحداث فالصحيح أن تكون النظرة أشمل بحيث تحيط بكل الملابسات وفي كل حالة لوحدها
تفيد البينة أن الجراح التي أصابت المجنى عليه كانت ثلاثة: جرحان على الرأس والثالث أصاب الوجه تحت العين اليسرى وقد أدى الجرحات على الرأس إلى كسر الجمجمة فنزيف بداخلها فالوفاة بينما أدى الجرح الثالث إلى كسر عظمة الخد اليسرى
جاء في اعتراف المتهم أنه أصاب المجني عليه بفاس وأنه ضربه في المرة الأولى حتى سقط على الأرض لذا فمن رأيي أن المتهم لم يكن محقا بموالاة الضرب بعد سقوط المجني عليه بعد الضربة الأولى ولم تكن الضربتان الاخيرتان ضروريتان لاغراض الدفاع عن النفس وذلك لان المجنى عليه أصبح عاجزا عن تهديد حياة المتهم عندما سقط على الأرض بعد الضربة الأولى إن حق الدفاع يكون متاحا عند خطر ماثل أو شيك الوقوع ويستمر متاحاً حتى يزول الخطر
وعليه فإن المتهم كان يمارس دفاعا عن نفسه بالضربة الأولى ولكن الاخيرتين ما كانتا مهمتين لأغراض الدفاع لذا فإنني اؤيد الادانة تحت المادة 251 من القانون وأؤيد الحكم بالإعدام