سابقة منشورة بمجلة 1971
سابقة منشورة بمجلة 1971
المحكمــة العليـــا
القضــاة
سعادة السيد صالح محمد علي عتيق نائب رئيس المحكمة العليا رئيساً
سعادة السيد محمد الشيخ عمر قاضي المحكمة العليا عضواً
حكومة السودان ضــد توبــي علي أحمــد
(م ع/م ك/116/72)
المبادئ
قانون الإثبات – أقوال المحتضر – تسجيل أقوال المحتضر – القانون المعمول به في الإثبات بالنسبة لأقوال المحتضر- إقرار المتهم والتعضيد نسب الاتهام للمتهم أنه بجهة القضارف ضرب المجني عليه بعصاة وتسبب في وفاته لم يكن بمسرح الأحداث سوى المتهم والمجني عليه وقد ذهب المتهم بعد الحادث لشيخ المنطقة وأخبره بما حدث وعند مسرح الأحداث وجد المجني عليه ملقي على الأرض يعاني ألماً شديداً وقد ذكر المتهم للحاضرين أنه ضرب المجني عليه كما تحدث المجني عليه بنفسه عن ذلك قبل وفاته
(1)
إذا تعذر تسجيل أقوال المجني عليه فإن ذلك لا يجعلها غير مقبولة كبينة لكن على المحكمة أن تستدعي الشهود الذين استمعوا لأقوال المجني عليه لاستجوابهم بغرض التوصل إلى معرفة الظروف والملابسات التي صاحبت الحادث وحالة المجني عليه الصحية والعقلية حين إدلائها بتلك الأقوال
(2)
ليس هناك ما يمنع المحكمة من الاعتماد على أقوال المحتضر وجعلها سببا للإدانة دون تعضيد ببينة أخرى وإن درج القضاة على البحث عن التعضيد حذرا ويقظة
(3)
الأقوال التي يدلي بها المجني عليه دون أن يكون قد فقد الأمل في الحياة وفي غياب المتهم تحتاج إلى التعضيد
(4)
تكون الأقوال التي يدلي بها المتهم عن وقائع الجريمة وتدل صراحة أو استنتاجا على ارتكابه للجريمة إقرارا وقد يكون الإقرار كتابة أو شفاهة أو إشارة وقد يتم قبل التحقيق أو بعده أو أثناءه أو في أي مرحلة لاحقة قبل صدور الحكم
(5)
إذا تم تدوين الإقرار بواسطة قاضي حسب مقتضيات المادة 119 من قانون التحقيق الجنائي من حيث التحذير والتأكد من صدوره طواعية من قبل المتهم صار دليلاً كاملا ضد المتهم ولا حاجة به للتعضيد
(6)
إذا تعذر تدوين الإقرار ولكنه ورد على لسان الشهود في المحكمة (أمام المتهم) وأخذت المحكمة بذلك الإقرار كبينة ضد المتهم فإنه يجوز قبولها دون تعضيد إلا في الجرائم الخطيرة مثل القتل
(7)
يجوز للمحكمة أن تسقط جزءا من الاعتراف القضائي على أساس أنه غير جدير بالاعتبار متى ما قامت أدلة مباشرة تناهضه
(8)
يبدأ حق الدفاع الشرعي عن النفس عند التخوف من خطر اعتداء واقع أو وشيك الوقوع وينتهي بزوال ذلك الخطر
ملحوظة المحرر: انظر القضية حكومة السودان ضد إبراهيم إدريس حسن المنشورة بهذا العدد والتفصيل الوارد بخصوص أقوال المحتضر
الحكم
11/7/1972
انعقدت بالقضارف محكمة كبرى لمحاكمة المتهم توبي علي أحمد تحت المادة 251 من قانون العقوبات السوداني وذلك لتسببه وفاة المرحوم محمد أحمد عثمان بتسديد ضربات من عصاته
لم يكن بمسرح الجريمة شاهد عيان ليروي للمحكمة تفاصيلها فظلت غامضة مغلقة إلا بالنسبة لطرفي النزاع اللذين يعلمان خفاياها وأسرارها وقد انتقل أحدهما إلى الدار الآخرة بعد أن أخبر بعض الشهود بالشخص الذي اعتدى عليه وآثر المتهم التدثر بالنكران بعد أن اعترف لهؤلاء الشهود أنفسهم وبعد أن تيقن أن المجني عليه قد مات ولم يعد في وسعه الإفصاح عن خفايا تلك الجريمة البشعة وأسرارها وظل على نكرانه في جميع مراحل هذه القضية
وعليه فقد وجب على المحكمة أن تستخلص الوقائع من أقوال المجني عليه والتي أدلى بها قبل أن تفارقه الحياة وإقرار المتهم نفسه لشهود الاتهام
اقوال المجني عليه
أخطر القتيل شهود الاتهام أن المتهم هو الذي اعتدى عليه بالضرب دونما سبب وكان ذلك في حضور المتهم نفسه ولكنه انتقل إلى الدار الآخرة قبل وصول الشرطة وتدوين أقواله في يومية التحري أو إحضار القاضي لتدوينها كأقوال محتضر وهذه الأقوال متناسقة في جميع مراحل هذه القضية
إن تعذر تدوين مثل هذه الأقوال لا يجعلها بالضرورة غير مقبولة كبينة ضد المتهم ولكن يجب استدعاء الأشخاص الذين سمعوها من القتيل كشهود وعلى المحكمة أن تستجوبهم على اليمين بكل دقة واحتراس للتوصل إلى الظروف والملابسات التي صاحبت الإدلاء بها وإلى حالة المجني عليه الصحية والعقلية آنذاك وذلك لتقدير الوزن الذي يجب أن يعطى لها للتوصل إلى قرار سليم فيما يختص بالاعتماد عليها والإدانة بموجبها
ليس هناك ما يمنع المحكمة من الاعتماد على أقوال المحتضر وجعلها سبباً لإدانة الجاني دون تعضيدها ببينة أخرى ولما كانت الضرورة هي التي اقتضت قبولها إذ وقعت الجريمة في الخفاء ولم يكن هناك شاهد آخر بخلاف المجني عليه ليروي تفاصيلها فقد تحتم قبولها والعمل بمقتضاها ولكن يقظة القضاة وحذرهم جعلتهم يبحثون دائماً عن بينات أخرى معضدة
وقد يختلف مدى الاعتماد وقوة مثل هذه البينة لجعلها سببا للإدانة نسبة للظروف والملابسات التي صاحبتها وعلى العموم فإن أقوال المتوفى في غياب المتهم ودون أن يكون فاقداً للأمل في الحياة تحتاج إلى بينات معضدة
لقد ذكر المجني عليه أن المتهم هو الذي ضربه وكان ذلك بحضور المتهم وعلى مسمع منه وكان المتهم نفسه قد أقر بذلك
وفيما يتعلق بإقرار المتهم فقد ذكر لبعض شهود الاتهام أنه هو الذي ضرب المجني عليه ولما توفى المجني عليه لعق المتهم إقراره وقال أنه وجده مضروباً وملقي على الطريق العام
والإقرار هو الأقوال الصادرة عن المتهم في جريمة بوقائع تدل صراحة على ارتكابه لتلك الجريمة أو يستفاد منها بالاستنتاج على أنه هو الذي ارتكبها وقد يكون ذلك كتابة أو شفاهة أو حتى عن طريق الإشارة قبل البدء في التحقيق أو أثنائه أو في أي مرحلة لاحقة قبل صدور الحكم فإن دونه القاضي بموجب المادة 119 من قانون التحقيق الجنائي وبالكيفية المبينة فيها من تحذير للمتهم وتأكيد صدوره عن طواعية المتهم واختياره دون تأثير بوعد أو وعيد صار دليلاً كاملا ضد المعترض دون حاجة إلى مساندته بأدلة أخرى فإن تعذر تدوينه وجب استدعاء الأشخاص الذي سمعوه كشهود أمام المحكمة ليرووا على القسم ما رواه المتهم لهم وفي هذه الحالة أيضاً يجوز قبوله كبينة ضد المتهم دون حاجة إلى مساندته بأدلة أخرى وعلى كل حال فهذا الإقرار مؤيد بأقوال المحتضر نفسه وعليه يمكن الاعتماد عليه في إدانة المتهم
إن أقوال القتيل كانت مختصرة للغاية وتتفق مع الإقرار في أن المتهم هو الذي ضربه وفي انتفاء الباعث له وإذا أخذنا الاعتراف ككل دون تجزئته عملا بالقاعدة العامة نجد أن المجني عليه خرج من بين الحشائش ولكز المتهم ولما التفت الأخير إليه اختطف منه عصاه وسدد بها إليه ضربة فاستل المجني عليه مديته فضربه المتهم على اليد حتى سقطت المدية ووقعت بين الحشائش ولكن المتهم استمر في الضرب حتى سقط المجني عليه على الأرض إن هذه القاعدة العامة لا تمنع حذف أي جزء من الاعتراف وترك العمل به على أنه غير جدير بالاعتبار ومحض افتراء متى ما قامت أدلة مباشرة تناهض ذلك الجزء منه فقرار الطبيب ينفي وجود أي أثر للأذى بجسد المتهم ومن هنا يتضح أن القتيل لم يضرب المتهم كما يدعي بل لكزه وأقوال القتيل نفسه تؤيد ذلك
لكل إنسان الحق في الدفاع الشرعي عن نفسه ونفس غيره ضد ارتكاب الجريمة التي تؤثر في الجسم وذلك حسب المادة 56 من القانون ويمتد هذا الحق تحت ظروف معينة إلى تعمد تسبيب الموت إذا كان الفعل المراد دفعه اعتداء بتخوف منه أن يحدث الموت أو الأذى الجسيم إذا قام هذا التخوف على أسباب معقولة كما تنص على ذلك المادة 61 من القانون ومن هنا يتضح أن حق الدفاع عن النفس يبدأ بمجرد بدء التخوف من اعتداء واقع أو على وشك الوقوع وينتهي بزوال الخطر المحدق بمن يلجأ للدفاع عن نفسه
بحسب رواية المتهم فإنه تمكن من تجريد المجني عليه من أي سلاح كان يحمله إذ استولى على العصاة وتمكن من تجريده من المدية وكسر يده وبعد ذلك انهال عليه ضربا –على المجني عليه- حتى سقط على الأرض ومن هنا يتضح أن ذلك الخطر الذي كان يواجهه المتهم قد زال بمجرد تجريد المهاجم من سلاحه واستيلاء المدافع على العصاة وتعجيزه وعليه فإن الضربات التي سددها إلى القتيل بعد الاستيلاء على العصاة وتجريده من المدية لا تعد صادرة عنه أثناء ممارسته لحقه الشرعي في الدفاع عن النفس إلا أنه قد أثبت القرار الطبي وجود ضربتين فقط إحداهما أحدثت كسرا مركباً بالرأس والأخرى باليد اليمنى وأحدثت كسراً مركباً أيضاً وأنهما أحدثتا نزيفاً أدى لوفاة المرحوم فإذا أخذنا برواية المتهم أن الضربة التي على اليد اليمنى كانت لدرء الخطر المحدق به وبالفعل ألقت بالمدية بعيداً عنهما وأحدثت ذلك الكسر المركب فإنها حدثت أثناء الممارسة لحق الدفاع عن النفس
لم يكن من الميسور معرفة عما إذا كانت الضربة التي على الرأس هي الضربة الأولى بعد أن اختطف المتهم من المجني عليه العصاة أو بعد أن جرده من المدية التي استلها بعد ذلك وبعبارة أخرى عما إذا كانت الضربة هي من الضربات التي سددها المتهم بعد زوال الخطر المحدق بحياته وانتهاء حق الدفاع الشرعي عن النفس وكان يجب على المحكمة الكبرى استدعاء الطبيب نفسه للإدلاء بشهادته أمامها وللتأكد مما إذا كانت تلك الضربة وقعت على المجني عليه وهو واقف أو واقع فإن اتضحت أنها كانت الضربة الأولى التي ألقته أرضا للمرة الأولى جاز اعتبارها أيضا أنها صدرت من المتهم أثناء ممارسته لحقه الشرعي في الدفاع عن النفس إذ ثبت أن المجني عليه خارج منزله في تلك الساعة من الليل وفي ذلك المكان وهاجم المتهم وأن مثل ذلك الهجوم وفي تلك الساعة والمكان من شأنه أن يولد للرجل العادي من بيئة المتهم وطبقته الشعور بخطر محدق بحياته
ولما كانت القاعدة العامة في قانون الإثبات تقضي بوجوب تفسير فائدة الشك لصالح المتهم فإننا نرى وجوب العمل بها ونقرر أنها كانت أثناء ممارسته لحقه الشرعي في الدفاع عن النفس
وعليه فإننا نستبدل قرار الإدانة بالبراءة ونأمر بإطلاق سراح المتهم في الحال