سابقة منشورة بمجلة 1971
سابقة منشورة بمجلة 1971
محكمة الاستئناف المدنية
القضاة
صاحب السعادة السيد/ عثمان الطيب رئيس القضاء
حكومة السودان ضــد عيسى علي أحمــد
م أ/م ك/74/71
المبادئ
قانون العقوبات – القصد الجنائي – سبب العلم أو الاعتقاد – القتل – رجحان النتيجة أو احتمالها – موقع الأذى – كيفية استعمال الأداة التي أحدثت الأذى – حدوث الموت في مساء يوم 7/3/70 كان المجني عليه يخاطب المتم قائلاً "كان مشادة بالكلام مع جارة المتهم تدخل المتهم على إثرها لفض النزاع وعليه فقد انصرف جميع المتنازعين وبقي المتهم والمجني عليه واقفين دون أن يشتبكا أو يتبادلا سبابا غير أن المتهم سدد طعنة للمجني عليه أصابت البطن منه وأبرزت الأمعاء سمع المجني عليه وآخرين قد دخلوا في مت قتلتني وكان حي قتلتني" نقل المجني عليه للمستشفى حيث أجريت له عملية جراحية ولكن الجراحة أعقبها احتقان في الرئتين سبب هبوطا في التنفس أدى بدوره للوفاة
/1/
لا تنص المادة 248(ب) من قانون العقوبات على سبب العلم أو الاعتقاد وانما تتطلب إثبات أن يكون الموت النتيجة الراجحة للفعل الذي أتاه المتهم
/2/
العلم مثل القصد ركن من أركان الجريمة وهو في نفس الوقت شيء معنوي وواقعة ذهنية تثبت في الذهن وتتمركز فيه
/3/
لقياس ما إذا كان تسبيب الموت نتيجة راجحة للفعل أو محتملة- وبالتالي ما إذا كان قتلا عمدا أو جنائياً – يقتضي أن تأخذ المحكمة في الاعتبار الأداة التي استعملت لتسبيب الأذى وكيفية استعمالها هو الموقع الذي وقعت فيه من الجسم
رأي عابــر
(سبب العلم) أو (سبب الاعتقاد) الذي ورد في بعض مواد قانون العقبات التي تتحدث عن القصد الجنائي يعني الوقائع التي تسبق العلم أو الاعتقاد والتي يفترض معها حدوث العلم أو الاعتقاد كواقعة ذهنية وأسباب العلم تؤدي إلى افتراض وجود العلم
الحكم
27/9/1971
انعقدت محكمة كبرى في سنار في 15/4/ لمحاكمة المتهم المذكور لأنه في 7/3/1970 بقرية (اللعوتة) في تلك المنطقة سدد طعنات للمدعو (محمد المهدي عبد المطلب) بسكين وتسببت في إحداث وفاته بذلك يكون مرتكباً لجريمة القتل العمد التي يعاقب عليها تحت المادة 251 من قانون العقوبات
وجدت المحكمة المتهم مذنباً وحكمت عليه بالإعدام
لقد ثبت ببينة كافية- كما وصفتها المحكمة – أن المتهم هو الجاني الذي طعن المجني عليه غير أنه أنكر إصابته للمجني عليه والبينات تتلخص فيما تفوه به المتوفى عقب الإصابة مباشرة إذ صدرت من المجني عليه ألفاظ سمعها الجيران أن مفادها أنه إذا مات فالمتهم هو الذي قتله وإذا عاش فإن المتهم أيضاً قتله
شهد رجل البوليس (شاهد الاتهام الثاني) بأنه عندما وصله البلاغ قبض على المتهم وأتى به إلى المجني عليه وأنه عندما سأله المجني عليه عمن أصابه أجاب مشيرا إلى المتهم وقال (عيسى) شهدت شاهدة الاتهام الثالثة وشاهدة الاتهام الرابعة (والأخيرة زوجة المتهم) أن مشاجرة وقعت في منزل المدعوة (آمنة) كانت الشاهدة وآخرين قد شهدوها ولكن المشاجرة انفضت بعد قليل وانصرف الناس عنها تاركين المتهم والمجني عليه
سمع المجني عليه يقول "كان مت قتلتني عيسى وكان حييت قتلني عيسى" إن السلاح الذي استعمل في ضرب المجني عليه ووجد في مكان الحادث كان سكينا يخص المتهم وقد ثبت ذلك حسب شهادة شاهدة الاتهام الرابعة
أصيب المجني عليه بجرح في البطن برزت على أثره الأمعاء ثم نقل إلى المستشفى وأجريت له عملية ولكنه توفي في اليوم التالي
أفادت البينة الطبية أن سبب الوفاة هو هبوط في التنفس نتيجة لاحتقان شديد بالرئة وإن ذلك الاحتقان نتج عن مضاعفات العملية في هذه الظروف فإن الرد على السؤال ما إذا كان فعل المتهم قد تسبب في وفاة المتوفى يكون بالإيجاب كما فصلت المحكمة لقد أصاب المتهم المجني عليه وسبب له أذى اقتضى إجراء عملية جراحية في نفس الليلة التي وقعت فيها الإصابة غير أن مضاعفات نشأت أدت إلى احتقان في الرئة فهبوط في التنفس فالموت
إن سبب الموت قد اتصل اتصالاً مباشراً بالأذى
وضعت المحكمة السؤال الثاني هكذا هل كان المتهم يعلم أو كان لديه سبب للعلم بأن الموت سيكون نتيجة مرجحة لفعله؟ ووضع السؤال بهذه الطريقة يستمل على خطأ في القانون وبالتالي أدى إلى قرار خاطئ عن الإدانة إن المادة 248(ب) من قانون العقوبات لا يوجد فيها عبارة "لديه سبب للعلم" وهي تتطلب العلم كركن أساسي وتقول المادة "إذا كان فاعل الفعل يعلم أن الموت سيكون النتيجة الراجحة وليس نتيجة محتملة فقط للفعل أو لأي أذى جسمي قصد تسبيبه بالفعل" يوجد في قانون عقوبات شمال نيجريا عبارة "لديه سبب للعلم" في الفقرة (ب) من المادة 221 المماثلة للفقرة (ب) من المادة 248 ووضعت هناك هكذا: إذا كان فاعل الفعل يعلم أو لديه سبب للعلم" وفي القانون الهندي فإن المادة المماثلة مطولة بالدرجة التي يتحمل تفسيرها وجود سبب العلم ولذلك يلزم ألا نلجأ لتلك المصادر لتفسير قانون السودان في هذا الجانب منه
إن السبب الذي يؤدي إلى العلم ليس هو العلم بل هو شيء آخر غير العلم العلم هو ركن أو شيء معنوي وهو في نفس الوقت واقعة ذهنية تثبت في الذهن وتتمركز فيه كما هو الحال بالنسبة للقصد فهو أيضا واقعة ذهنية تثبت فيه والواقعة الذهنية إن كانت بالقصد أو بالعلم قد تحدث في الخارج فعلا كما صورت في الذهن
أما (سبب الاعتقاد) الذي يأتي ذكره في مواد أخرى من القانون الجنائي فهو الوقائع التي تسبق العلم أو الاعتقاد وهو ما يفترض ويستنتج منه أن العلم كواقعة ذهنية قد حصل وبعبارة أخرى أن يقال أن الجاني كان يجب أن يكون عالما بالنتيجة عندما مرت به الأسباب وأعمل ذهنه فيها والعلم هو المعرفة الكاملة كواقعة ذهنية وأسبابا العلم تؤدي إلى افتراض وجود العلم وفي قضايا القتل يجب أن يثبت العلم باحتمال حدوث الموت أو الأذى كنتيجة للفعل الذي أحدث
والعلم درجات بالنسبة للنتيجة التي هي الموت وأرى أن أنبه إلى وجود خطأ آخر في السؤال الذي وضعته المحكمة حيث قالت "بأن الموت نتيجة مرجحة لفعله" إن التفكير في كلمتي "نتيجة مرجحة" يضعف درجة العلم بالنتيجة والضعف لا ينسجم مع الترجيح والتنكير مقبول في حالة الاحتمال لأن الاحتمال يحتمل ضعف العلم بالنتيجة وينسجم معها المادة 246 من قانون العقوبات التي تأتي بتعريف القتل تتحدث عن احتمال حدوث القتل سواء أكانت الواقعة الذهنية عن الاحتمال بالقصد أو بالعلم أما المادة 248 فإنها قصدت أن تفرق بين القتل العمد والقتل الجنائي وأنها مع مراعاة الاستثناءات الواردة في المادة 249 عرفت القتل العمد – في مجال نقاشنا- بأنه الذي يثبت فيه العلم بالترجيح دون الاحتمال أما إذا كان العلم باحتمال حدوث تلك النتيجة فإن الجريمة تكون القتل الجنائي ويجب أن يكون السؤال مأخوذا من نص المادة 248(ب) هكذا:- هل كان المتهم يعلم أن موت المجني عليه سيكون النتيجة الراجحة وليس فقط نتيجة محتملة للأذى الجسمي الذي سبب له؟ ودرجات العلم بالنسبة للنتيجة تتأرجح بين القوة والضعف وبعبارة أخرى تتأرجح بين الاحتمالات فإذا كانت النتيجة قوية قوة عالية مستقرة في ذهن الجاني بأن النتيجة –وهي الموت- لابد واقعة باعتبارها الشيء الطبيعي المتوقع حدوثه وأنها لم تحدث يحس الإنسان بالاستغراب فإن العلم يكون برجحان حدوث الموت وحالة ضعف الاحتمالات هي حالة جواز حدوث الموت أي أنه يجوز أن يحدث ويجوز وبعبارة أخرى أن حدوث الموت يدعونا للاستغراب وكذلك بالمثل عدم حدوثه
لا جدال في أن الرد على السؤال يعتمد على الآلة التي استعملت وعلى الجزء من الجسم الذي أصيب ودرجة القوة التي استعملت بها تلك الآلة ونوع الأذى الجسمي الذي أحدثته وكان الموت نتيجة له استعمل المتهم سكيناً من النوع العادي الذي يلبسه أمثاله استعملت السكين في البطن وهو جزء حساس من الجسم أما عن القوة التي استعملت بها ونوع الأذى الذي أحدثته وكيف نتج عنه الموت فلنذهب إلى البينة الطبية التي أفادت أن الطعنة كانت نافذة في البطن واخترقت (البرتون) وسببت خروج الأمعاء ولكن الأمعاء لم تصب ثم أجريت للمجني عليه عملية جراحية لإدخال الأمعاء وتضميد الجرح وكان سبب الوفاة هبوط في التنفس نتيجة لاحتقان شديد بالرئة كان نتيجة مضاعفات العملية وهي حالة نادرة وإحتمال الوفاة من تلك الإصابة احتمال بسيط لا يزيد عن 10% لأن الأمعاء لم تصب, وأن الإصابة خطرة وليست قاتلة
قررت المحكمة الكبرى أن المتهم كان يعلم أن الموت سيكون النتيجة الراجحة لفعله في هذه العبارة
"لا يمكن للمحكمة القول أن المتهم وجه ضربة سكين لبطن المجني عليه وقصد في الوقت نفسه ألا يصيب أمعاء المجني عليه إذ أن المحكمة بهذا تكون قد حددت أمرا لا يمكن إثباته ويمكن للمحكمة فقط القول بأن الضربة لم تصب الأمعاء عن طريق الصدفة فقط ودون أي تبرير أو احتياط من جانب المتهم"
"إلى جانب هذا حدد القياس القانوني لتحديد طبيعة الأذى بالنظر إلى الأذى نفسه وما إذا كان مثله كاف في الظروف العادية لتسبيب الوفاة ونظرا لطبيعة الجرح وللأداة المستعملة في الحادث تقرر المحكمة أن مثل هذا الجرح كاف في الظروف العادية لتسبيب الموت وبالتالي تقرر أن المتهم كان يعلم أو لديه سبب للعلم بأن فعله هذا من المرجح أن يؤدي إلى الوفاة
إن خطأ المحكمة في اعتبار سبب العلم ركنا من أركان جريمة القتل وإسناده للمتهم هو الذي أوقعها في الخطأ في قرار الإدانة كما ذكرت سابقا وإن ما اعتمدت عليه من أنه لا يمكن أن يقال أن المتهم لم يقصد ألا يصيب الأمعاء وأن عدم إصابتها كان عن طريق الصدفة وأن مثل ذلك الجرح كاف في الظروف العادية لتسبيب الموت لا يمكن قبوله وموافقتها عليه فالسكين آلة قاتلة والبطن مكان حساس ولكن ليس كل استعمال للسكين في البطن يصاحبه علم للمتهم بأن الموت هو النتيجة الراجحة لأنه قد يستعملها استعمالا خفيفاً ويحدث بها جرحا سطحياً وتنتج عنه مضاعفات تؤدي إلى الموت والمهم هنا طبيعة الجرح كما حصل فعلا إن عدم إصابة الأمعاء لا يجوز أن يستند إلى الصدفة أو للتخيل بأن المتهم لم يقصده ولكن يجب أن يستند للواقع لأن المتهم لم يستعمل السكين في بطن المتوفى بعنف أو أنه استعملها بدرجة قليلة من العنف حتى أنها لم تصل الأمعاء ويفهم من بينة الطبيب أن عدم وصول السكين للأمعاء وبقاءها سليمة جعل حدوث الموت أمراً محتملاً فقط
لهذه الأسباب فإني أعدل إدانة المتهم تحت المادة 251 من قانون العقوبات إلى إدانته تحت المادة 253 من قانون العقوبات وأحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات من يوم وضعه بالحراسة