سابقة منشورة بمجلة 1971
سابقة منشورة بمجلة 1971
المحكمــة العليـــا
القضــاة
سعادة السيد/ دفع الله الرضي قاضي المحكمة العليا رئيساً
سعادة السيد/ رمضان علي محمــد قاضي محكمة الإستئناف المنتدب
بالمحكمة العليا عضواً
حكومة السودان ضــد وانق توت كواي
(م ع/م ك/393/72)
المبادئ
قانون العقوبات – الاستفزاز الشديد المفاجئ – الصفع ثم الضرب تجاوز حق الدفاع الشرعي عن النفس – المعركة المفاجئة – المادة 249 من قانون العقوبات
/1/
لا يجبر القانون بما أختطه من حدود المواطن العادي على الجبن والغور وعليه فإن الضرب المهين من قبل المجني عليه يعطي المتهم حقا للدفاع الشرعي عن النفس
/2/
الصفع ثم الضرب بالعصاة يشكلان أساساً كافيا للاستفزاز الشديد المفاجئ
/3/
المعركة المفاجئة هي تلك التي يكون فيها القتال أو العراك قد حددت دون إعداد العدة له وتكون الأحداث فيها وليدة الساعة والظروف المحيطة بها
الحكم
كان جماعة من بينهم المتهم والمجني عليه يتعاطون الخمور البلدية في مكان عام عندما صفع المجني عليه المتهم رد المتهم الصفعة بمثلها ولكن المجني عليه رد مجدداً بأن ضرب المتهم بعصاة كان يحملها وكانت نتيجة ذلك أن ضرب المتهم المجني عليه بحربة كانت معه توفى المجني عليه متأثراً بجراحه في اليوم التالي
19/11/72
انعقدت محكمة كبرى بمحكمة جنايات سنار في 7/8/1972 وأدانت المتهم (وانق توت كواي) بالقتل العمد تحت المادة 251 من قانون العقوبات وأصدرت حكمها عليه بالإعدام
تتلخص وقائع القضية في أن المتهم (وانق توت كواي) والمجنى عليه وأخر يدعى (ماتاي) كانوا يتعاطون الخمور البلدية في منزل المدعو (كبر شول بيل) شاهد الدفاع الرابع مع جماعة من أبناء النوير وذلك بحواشات حلة بريمة
وأثناء الجلسة صفع (ماتاي) المتهم (وانق توت) في وجهه ورد المتهم الصفعة بمثلها فما كان من المجني عليه إلا أن اسرع وضرب المتهم على كتفه الأيمن بعصاة غليظة (عكاز) مما أحدث خدوشاً وتورما استدعى علاجها خمسة أيام بالعيادة الخارجية
رد المتهم الضربة بضربة حربة أصابت المجني عليه في أسفل القفص الصدري وأدت لوفاته في اليوم الثاني هذا وقد تبين من التقرير الطبي أن الوفاة كانت نتيجة لتمزق في الأمعاء والنزيف الداخلي الناتج من الطعنة العميقة في أسفل القفص الصدري
وقد ثبت للمحكمة الكبرى توافر أركان القتل العمد فواقعة اعتداء المتهم على المجني عليه بالحربة ثابتة باعتراف المتهم وشهادة الشهود كما وأن القصد الجنائي يتضح من نوعية السلاح المستعمل وموضع الإصابة كما أن المحكمة الموقرة لم تجد أن المتهم يمكن أن يستفيد من أي من الاستثناءات الواردة في المادة 249 من القانون
إلا أننا نعتقد أن المتهم خلافاً لما ذهبت إليه المحكمة الكبرى يستطيع الاستفادة تماما من الاستثناءات الواردة في المادة 249 بالأقل في ثلاث منها
حق الدفاع الشرعي:- الوقائع كما وجدتها المحكمة تعتبر واضحة لا غموض فيها فالمتهم أصابته صفعة من المدعو (ماتاي) وما كان من المتهم إلا أن رد الصفعة بمثلها وهذا حق من حقوقه ولا نستطيع أن نفرض عليه وهو في تلك الجلسة أن ينهض ويذهب إلى نقطة البوليس لاتخاذ الإجراءات القانونية وإلا يكون متعدياً وذلك بأخذ القانون في يده كما وصفته المحكمة الكبرى إن القانون في الحدود المعقولة لا يمكـن أن يعلمنا الجبن والخذلان كما أنه لا يشجعنا على الاعتداء ومن ثم فإن المتهم إذا كان قد أجل رد الصفعة لوقت آخر لحاسبه القانون أما وأنه ردها في الحال وبما يتناسب مع ما أصابه من أذى فإنه لا مسئولية عليه هذا من ناحية ومن ناحية أخرى انهال المجني عليه بالعصاة الغليظة (العكاز) على المتهم بعد أن رد هذا الصفعة وكانت ضربة أحدثت تورماً بالكتف فما كان منه إلا أن استعمل سلاحه وفي رأينا أن حق الدفاع الشرعي متوفر فقد نالته ضربة من (عكاز) دون سبب غير أنه حاول أن يدافع عن نفسه (والعكاز) كما هو متفق عليه في جميع الأحكام من الآلات التي تتميز بخطورة قاتلة فإن رد عليه المتهم بالحربة فإنه لا يعتبر معتدياً وإنما يعتبر مدافعا عن نفسه إلا أنه رغم توافر شروط نشوء حق الدفاع الشرعي ورغم أن استعمال القوة لازم لرده فإن شرط التناسب بين الرد والعدوان غير متوفر لتجاوز المدافع لحدوده بأن بذل قدراً من القوة أكبر مما يتطلبه الدفاع وذلك باستعماله سلاحاً وظيفته قاتلة
إن الاستفزاز الذي إذا توفر يحيل القتل العمد إلى مجرد قتل جنائي هو ذلك الاستفزاز الذي يصل درجة لم يستطع معها الشخص العادي كبت غضبه إذا طبقنا ذلك على وقائع القضية نجد أن المتهم كان في حالة استفزاز غريب فالمتهم يصفع في وجهه فيرد الصفعة ويضرب بعصاة بدون أي مبرر وفي جلسة خمور فإذا ثار ورد على الصفعة والضربة فإنه لاشك يعذر كل العذر وقد جاء في شرح قانون العقوبات لمحي الدين عوض ص "373": "فالاستفزاز هو أي فعل غير مشروع أو أي إهانة يكون من شأنها عند حصولها أن تفقد الشخص القدرة على امتلاك قيادة نفسه وتحمله أو يحمله على إتيان أي تهجم من النوع الذي ارتكبه الجاني على الشخص الذي صدر منه الفعل أو صدرت منه الإهانة
فالاستفزاز بهذه الصورة متحقق ولابد من استفادة المتهم منه
المعركة الفجائية
ويقصد بها حالة القتال أو العراك الذي لم تعد له العدة من قبل وإنما حصل فجأةً ولم يصمم الجاني أو يدبر أمر الجريمة من قبل فنية القتل وليدة الساعة والظروف دون سبق إصرار كما أن العراك مفاجئ دون سابق إنذار أو وعيد إثر مشاجرة أو خصام مفاجئ وقد جاء في شرح القانون الجنائي لمحي الدين عوض ص 378 ما يلي
"وعلى ذلك فالاعتداء غير المصمم عليه من قبل والذي يتسبب عنه الموت والمرتكب أثناء فورة العاطفة وتحت تأثيرها إثر خصام مفاجئ يقع تحت هذا الاستثناء ولا يهم بعد ذلك إذا كان الذي تسبب في الخصام أو الغضب هو الجاني أو خصمه"
ونحن نرى أن ظروف المتهم وصحبه منطبقة على هذا الاستثناء تمام الانطباق إذ أنه لا يوجد سبق إصرار على العراك أو سبق تنظيم أو وضع خطة كما أن المتهم لم يستغل الفرصة بأن سلك سلوكاً غير عاد إذ أنه لم يستعمل السلاح إلا في ضربة واحدة أراد بها أن يتقي الخطورة التي قد تصيبه من استمرار ضرب المجني عليه له
من كل ذلك يتضح لنا أن المتهم يمكنه الاستفادة من جل الاستثناءات التي أتته بـها المادة 249 أما ما جاء في قول المحكمة الكبرى من أن نية القتل تستشف من حمل المتهم لهذه الحراب فهو قول مقبول في غير ظروف المتهم وجنسه وقبيلته
لذلك فإننا نستبدل الإدانة بحيث تصبح المادة 253ع والحكم علـى المتهم بالسجن لمدة عشر سنوات من تاريخ وضعه بالحراسة