سابقة منشورة بمجلة 1971
سابقة منشورة بمجلة 1971
المحكمــة العليـــا
القضـــاة
سعادة السيد/ مهدي محمد أحمد قاضي المحكمة العليا رئيساً
سعادة السيد/ هنري رياض سكلا قاضي المحكمة العليا عضواً
سعادة السيد/ دإبراهيم الحاج موسى قاضي المحكمة العليا عضواً
عزيز محمد عزت المدعى عليه ومقدم طلب الطعن
ضــد
عزيزة السيد علي المدعية والمقدم ضدها الطلب
م ع/ ط م/ 24/72
المبادئ
القانون المدني لسنة 1971 – في تفسير العقود – المادة 140 (ب) من قانون المرافعات في المواد المدنية والتجارية سنة 1972 – في تقييم وترجيح البينات وحدود رقابة محاكم الاستئناف تقدمت المدعية بدعواها ضد المدعى عليه طالبة الحكم لها ضده بالمتأخرات من الإيجار عن منزلها الذي يشغله المدعى عليه الذي كان أحد الأطباء التابعين لوزارة الصحة وكان مستحقاً للسكن من قبل الوزاره في حدود مبلغ الثلاثين جنيها في الشهر شغل المدعى عليه المنزل بعدما التزمت الوزارة بأن تحول للمدعية استحقاق المدعى عليه في السكن بينما التزم المدعى عليه أن يكمل الإيجار للمدعية لتكون جملة مبلغ الإيجار سبعين جنيهاً في الشهر ادعى المدعى عليه أن المستأجر للعقار كان وزارة الصحة وأن الإيجار لم يكن يزيد عن الثلاثين جنيها
(1)
إذا كان هناك مجال لأكثر من تفسير للعقد فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعني الحرفي للألفاظ مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وما ينبغي أن يتوفر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقا للعرف الجاري في المعاملات
(2)
لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تفسير العقود والمحررات بغرض استنباط مقصود المتعاقدين ولا رقابة عليها من السلطة الاستئنافية إذا كان ما استنبطته من الوقائع والمستندات سائغا ومقبولاً
المحامــون
كامل عبد الرازق عن مقدم الطلب والمدعى عليه
مصطفى محمد أبوالعلا عن المقدم ضدها الطلب المدعية
الحكم
25/10/1972
قدم هذا الطعن بطريق النقض في حكم محكمة الخرطوم الكلية المنعقدة بهيئة استئنافية والصادر بتاريخ 17/7/1973 في الاستئناف المدني رقم 123/72
وتتلخص الوقائع في أن المقدم ضدها الطلب أقامت الدعوى رقم 517/72 ضد مقدم الطلب وهي عبارة عن ادعاء بمتأخر إيجار المنزل الذي يشغله وقد دفع الطاعن مقدم الطلب (المدعى عليه في الدعوى) أن المستأجر الحقيقي للعقار كان وزارة الصحة كما وأن الأجرة القانونية للمنزل هي مبلغ أربعين جنيها ثم ناهض كافة طلبات المقدم ضدها الطلب وقد صاغت محكمة الموضوع النقاط المتنازع عليها وفقاً لما ورد في عريضتي الدعوى والدفاع وبعد الاستماع لبينات الطرفين خلصت محكمة الموضوع إلى أن مقدم الطلب كان هو المستأجر للعين وقضت للمقدم ضدها الطلب بالمتأخرات ولكنها رفضت طلبها بصدد بدل الإنذاروقد أيدت المحكمة الكلية قضاء محكمة الموضوع ثم شطبت إيجازياً طلب للطعن للإستئناف المقدم
وفي هذا الطلب ينعي مقدمه على قضاء محكمة الموضوع المؤيد بحكم المحكمة الكلية أنه لم يستخلص استخلاصاً سليماً من البينات إذ أن العقد المؤرخ 9/7/1969 بين المطعون ضدها ووزارة الصحة قد ألغي –على حد تعبير المحامي عن مقدم الطلب- العقد الأول المبرم في 21/6/1969 بين مقدم الطعن والمطعون ضدها ومن ثم فقد انطوى قضاء المحكمة الموضوع على خطأ في تطبيق القانون كما ينعي مقدم الطلب على قرار محكمة الموضوع بصدد الأجرة القانونية أنه جاء ضد الوزن السليم للبينات وللوصول إلى حقيقة العلاقة التي تربط الأطراف المتنازعة بما فيها وزارة الصحة ينبغي علينا أن نتعرض بشيء من التفصيل إلى الوقائع التي سبقت وواكبت نشوء العلاقة بين طرفي النزاع وحسبما يتضح من المحضر فإن الطاعن استأجر العقار موضوع النزاع بعقد مكتوب مؤرخ 21/6/1969 وبإيجار شهري قدره سبعين جنيها والجدير بالملاحظة أن العقد المكتوب لا يحتوي على أية إشارة لوزارة الصحة ويبدو أنه كانت هناك مفاوضات جرت بين طرفي النزاع ووزارة الصحة حول دفع بدل السكن الذي تلتزم وزارة الصحة بدفعه للأطباء من مستخدميها وأقصاه ثلاثون جنيهاً وقد تمخضت هذه المفاوضات عن الشروط التي احتواها خطاب الوزارة بتاريخ 9/7/1969 إلى المطعون ضدها والذي يحدد التزامات الوزارة في حدود مبلغ ثلاثين جنيها في الشهر كإيجار لمنزل المقدم ضدها الطلب ويتضمن الخطاب فقرة تشير إلى الاستغناء عن تحرير عقد والاكتفاء بتبادل المكاتبات إذا لاقت الشروط التي احتواها العقد قبولا من جانب المقدم ضدها الطلب ويتضح من مجرى الأحوال أن الشروط المذكورة حظيت برضاء المقدم ضدها الطلب بدليل أن الوزارة أصبحت تدفع لها ما التزمت بدفعهكما دأبت الأخيرة على استلام المبلغ المدفوع لها رأساً
ومما تقدم يتضح أن نقطة أو نقاط النزاع المطروحة للفصل تتلخص في تكييف العلاقة التي نشأت بين وزارة الصحة من جانب والمقدم ضدها الطلب من الجانب الآخر والأثر الذي ترتب عند نشوء العلاقة الجديدة على الايجارة التعاقدية بين مقدم الطلب والمقدم ضدها الطلب
دفع المحامي عن مقدم الطب أن العلاقة بين وزارة الصحة والمقدم ضدها الطلب عبارة عن ايجارة تعاقدية حلت محل الإيجارة التعاقدية بين موكله والمقدم ضدها الطلب من الجانب الآخر وبالتالي أصبح العقد الأول في حكم الملغي باتفاق الأطراف وهذا دفع مردود إذ الثابت من المحضر وتصرفات الأطراف أن النية لم تنصرف لإحداث مثل هذا الأثر فالواضح أن المقدم ضدها الطلب لم يدر بخلدها التخلي عن العقد بينها وبين مقدم الطلب ولا يستقيم عقلا أن تستبدل عقدا يدر عليها دخلاً شهريا قدره سبعين جنيها بآخر يقل عنه كثيراً بلا سبب معقول والثابت أن مقدم الطلب لم يعتبر نشأة العلاقة بين وزارة الصحة والمطعون ضدها اعفاء له من التزاماته تجاه المقدم ضدها الطلب بموجب العقد بدليل أنه استمر بدفع الفرق بين الايجار التعاقدي والمبلغ الذي تدفعه الوزارة كما يتضح جلياً أن الأخيرة أي الوزارة لم تعتبر نفسها مسئولة مسئولية كاملة عن الإيجار بدليل أن التزامها لم يتجاوز الثلاثين جنيها مع علمها الكامل بالإيجار التعاقدي والإيجار القانوني حسب تقديرضابط البلديه وقد تصدع حكم محكمه الموضوع المؤيد بالحكم المطعون فيه إلى الرد على أن مقدم الطلب هو المستأجر وليست وزارة الصحة وذلك حسب المادة 140(2) من القانون المدني والتي تنص على أنه
"إذا كان هناك مجال لتفسير العقد فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وما ينبغي أن يتوفر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقا للعرف الجاري في المعاملات" وقد اتضح من سماع هذه الدعوى أن النية المشتركة كانت أن يستأجر المدعى عليه هذا المنزل على أن تدفع له وزارة الصحة ثلاثين جنيهاً من الإيجار وهو أقصى ما يمكن أن تدفعه هذه الوزارة لأحد موظفيها حسب شهادة شاهد الدفاع الثاني على أن يدفع المدعي باقي الإيجار كمان أنه لم يبرز المدعى عليه وجود أي عقد يلغى أو يوقف العقد المبرم بينه وبين المدعية كما أنه لم يبرز أي عقد بين المدعية ووزارة الصحة
إن المدعى عليه وحده وليس وزارة الصحة أو أحد موظفيها الآخرين كان يسكن هذا المنزل كما كان يدفع مبلغ أربعين جنيها فرقا في الإيجار
ولما كان اختلاف المدعية مع المدعى عليه قد انحصر في تفسير الخطاب الصادر من وزارة الصحة وسلوك المدعية تبعاً له إذ قالت المدعية بأن ذلك لا يعدو أن يكون التزاماً بدفع مبلغ ثلاثين جنيها لها من الأجرة الاتفاقية وقدرها سبعون جنيها مما لا يعفي المدعى عليه بوصفه المستأجر والمدين الأصلي من تبعة تحمل الالتزام بالأجرة كاملة بينما المدعى عليه يدعي أنه بإلغاء عقد الايجارة الأول أصبحت الوزارة مسئولة في حدود ثلاثين جنيها وهو المسئول عن بقية الايجارة فقط ولما كان لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تفسير العقود والمحررات وتقرير ما ترى أنه كان قصد المتعاقدين مستعينة في ذلك بظروف الدعوى وملابساتها
ولما كان ما ورد في خطاب الوزارة من قول (إذا صادفت هذه الشروط قبولا منكم فإنني أرى أن نكتفي بتبادل المكاتبات العادية في هذا الصدد وأن نستغنى عن عمل عقد آخر فالرجاء تأييد قبولكم لهذه الشروط) وما تضمنه من عبارات "تسري هذه الإيجار لمدة شهرة" "والأجرة الشهرية ثلاثين جنيها" قد فسرته المحكمة وفق جميع وقائع الدعوى وملابساتها بأنه لا يعدو أن يكون مصدراً أو دليلاً على التزام الوزارة بدفع مبلغ ثلاثين جنيها بجانب الالتزام القائم للمستأجر بدفع الأجرة كاملة أي سبعون جنيهاً فإن ذلك يعتبر تطبيقاً صحيحاً للمادة 140(2) من القانون المدني التي تجعل لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تفسير العقود والمحررات وتقرير ما ترى أنه مقصود المتعاقدين منها مستعينة في ذلك بجميع ظروف وملابسات الدعوى وذلك رغم أنها عدلت عن المعاني الظاهرة للخطاب إلى ما قصده المتعاقدان من العقد المؤرخ في 21/6/72 والخطاب المؤرخ في 9/7/1969 ما دام أنها أوردت أسبابا سائغة لذلك تؤدي عقلاً إلى النتيجة التي رتبتها من التزام المدعى عليه وحده بالدفع دون الوزارة ورغم أنها لم تكيف ما صدر من الوزارة وسلوك المدعية بأنه عقد كفالة في معنى المادة 654 من القانون المدني ورغم خطأ قولها لم يبرز المدعى عليه أي عقد بين المدعية ووزارة الصحة لأن مثل تلك الأخطاء لا تسمح بنقض الحكم ما دام منطوق الحكم متفقاً مع التطبيق السليم للقانون على الوقائع الثابتة
ولذلك يكون السبب الأول للطعن في غير محله أما الوجه الثاني للطعن والذي يتعلق بالإجارة القانونية فإنه يتبين من المحضر أن المقدم ضدها الطلب قدمت بينة فنية مفصلة ومدعمة باليمين بينما اكتفى مقدم الطعن بتقديم خطاب مقتضب من ضابط المجلس وقد رجحت محكمة الموضوع كفة البينة التي قدمتها المقدم ضدها الطلب ولذلك فإن هذا الوجه لا يعدو أن يكون معاودة لجدل في الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع ولا رقابة للمحكمة العليا عليها في هذا الخصوص
لما تقدم يتعين رفض الطلب