سابقة منشورة بمجلة 1973
سابقة منشورة بمجلة 1973
المحكمة العليا
القضاة
سعادة السيد دفع الله الرضي قاضي المحكمة العليا رئيساً
سعادة السيد عمر بخيت العوض قاضي المحكمة العليا عضواً
سعادة السيد فاروق أحمد إبراهيم قاضي المحكمة العليا بالإنابة عضواً
أجب (سودان ليمتد) الطاعن
ضد
خالد أحمد عمر وآخر المطعون ضدهما
م ع / ط م / 310/73
المبادئ
المسئولية التقصيرية – مسئولية شاغل العقار – مسئولية مؤجر العقار الناشئة عن مخاطر العقار نحو المستأجر والطرف الثالث – الفرق بين المدعو (Invitee) والمرخص له (Iicensee)
-1-
القاعدة القانونية العامة لا تجعل شاغل العقار مسئولاً عن الضرر الذي يصيب الشخص المرخص له أو المدعو إلا إذا كان هنالك واجب نحوه يختلف ذلك الواجب باختلاف صفة الشخص
-2-
الظروف الملازمة لدخول شخص في عقار هي التي تحدد ما إذا كان ذلك الشخص مدعواً أم مرخصاً له بدخول العقار بواسطة الشاغل
-3-
شاغل العقار ليس مسئولاً عن الضرر الذي يقع على المرخص له بدخوله إلا في حالات معينة منها :-
أ- على شاغل العقار واجب التأكد من سلامته عندما يكون ملتزماً بتقديم خدمات للشخص المرخص له بدخوله
ب- إذا كان العقار يشكل خطورة غير مرئية على الشخص المرخص له , وكان الشاغل عالماً بها , ففي هذه الحالة يقع عليه واجب تحذير الشخص المرخص له
-4-
العلاقة بين الطاعن والمحكوم ضده الأول لا ترقى إلى مرتبة الوكالة وبما أن الطاعن مالك الطلمبة والمحكوم ضده الأول موزع للمواد البترولية المملوكة للطاعن , فالعلاقة بينهما علاقة مالك ومستأجر بالنسبة للطلمبة
-5-
مؤجر العقار ليس مسئولاً عن المخاطر الموجودة به سواء في مواجهة المستأجر أو الطرف الثالث حتى ولو كان المستأجر ملزماً بإجراء الإصلاحات اللازمة لتدارك تلك المخاطر
ملحوظة المحرر
Cavalier V pope (1906) A C 428 followed, SH of the English occupiers Liability at, 1957 not followed
المحامون
أحمد جمعة عن الطاعن
مامون محمد عيسى عن المطعون ضده الأول
الحكــــم
6/7/1973
يطعن مقدم الطلب (المحكوم ضده الثاني) بالنقض في الحكم الصادر بتاريخ 12/3/1973 من المحكمة الكلية – الدائرة الاستئنافية – بأمدرمان والذي قضى بشطب الاستئناف المقدم منه
تتحصل وقائع الطعن في أن المطعون ضده (المدعي) أقام دعوى مدنية ضد الطاعن وآخر (المحكوم ضده الأول) لاسترداد مبلغ 2000 جنيه عبارة عن تعويض عام عن الضرر الذي لحق به نتيجة سقوطه في بئر لحفظ الأوساخ بطلمبة البنزين المملوكة للطاعن والتي يديرها المحكوم ضده الأول بموجب عقد توزيع منتجات بترويلة موقع بين الطرفين
دفع المحكوم ضده الأول بعدم وجود أي إهمال من جانبه كسبب لسقوط المطعون ضده في البئر كما دفع المحكوم ضده الثاني (الطاعن) بعدم وجود علاقة وكالة بينه وبين المحكوم ضده الأول وأن الأخير كان مجرد موزع لمنتجاته البترولية وليس وكيلاً عنه وأضاف أيضاً بأنه حسب شروط عقد التوزيع فإن المسئولية التي تصيب الغير تقع على عاتق المحكوم ضده الأول , ومن ثم طالب بشطب الدعوى في مواجهته
حددت محكمة أول درجة نقاط النزاع ثم استمعت إلى البينات المقدمة من جانبي النزاع وأصدرت حكماً بأن يدفع المحكوم ضده الأول والطاعن بالتضامن والانفراد مبلغ 1300 جنيه للمطعون ضده وذلك على أساس أن المطعون ضده الأول قد أهمل في وضع غطاء البئر كما قررت وجود علاقة تبعية بين المحكوم ضدهما مما يجعل الطاعن مسئولاً عن إهمال تابعه (المحكوم ضده الأول)
عند استئناف الحكم أمام المحكمة الكلية تأيد قرار محكمة أول درجة بوجود إهمال من جانب المحكوم ضده الأول على أساس أنه يشغل المكان الذي وقع فيه الحادث (occupiers Liability) كما اعتبرت الطاعن مسئولاً بالتضامن والانفراد عن الحادث لسببين :-
-1-
إنه هو المالك للطلمبة وكل المنشآت الموجودة بها وفقاً لشروط عقد التوزيع
-2-
حسب البند (11) من العقد أعلاه فإن عملية صيانة المنشآت تقع على عاتقه وبذلك يعتبر مسئولاً عن إهماله في صيانة البئر
من ناحية التعويض المحكوم به وجدت المحكمة أن البينات المقدمة أمام محكمة أول درجة لا تبرر منح المطعون ضده مبلغ 1300 جنيه وعليه خفضت مقدار التعويض إلي 600 جنيه
ونلاحظ هنا أن المحكمة قد توصلت إلى وجود مسئولية تضامنية بين المحكوم ضدهما ولكنها لم تسبب قرارها في ذلك الشأن
أثار محامي الطاعن في طلبه النقاط الآتية
-1-
أن العقد الموقع بين المحكوم ضدهما هو عقد عمالة Dealers agreement وليس عقد وكالة وبالتالي لا يعتبر الطاعن مسئولاً عن إهمال الطرف الآخر
-2-
أن مسئولية الطاعن لا تتأسس على ملكيته للطلمبة وإنما على أساس العلاقة بينه وبين المحكوم ضده الأول وهي علاقة المقاول المستقل
-3-
حسب لبند (19) من عقد العمالة فإن المسئولية عن الضرر تقع على عاتق المحكوم ضده الأول
-4-
إن حكم المحكمة بالتعويض جاء مخالفاً لوزن البينات
رد محامي المطعون ضده على أسباب الطعن بالآتي
أ- لا يجوز قبول الطعن شكلاً لفوات المدة القانونية المقررة لتقديمه
ب- لا يثير الطعن أية نقاط قانونية وبالتالي لا يجوز لمحكمتنا هذه أن تفصل في وقائع سبق أن فصلت فيها محكمة أول درجة
ونرى أن نقرر ابتداء أن الدفع بفوات المدة القانونية ليس في محله وقد صدر الحكم المطعون فيه بتاريخ 12/3/1973 وتسلم محامي الطاعن صورة من الحكم بتاريخ 27/3/1973 وعلى هذا الأساس فإن فترة الثلاثين يوماً تبدأ من التاريخ الأخير حيث أنه لم يكن للطاعن علم بنتيجة الحكم قبل ذلك وحيث أن محامي الطاعن قد تقدم بطلب الطعن بتاريخ 26/4/1973 وحصلت منه الرسوم في نفس اليوم يكون الطلب قد استوفى شرط المادة 232 من قانون المرافعات المدنية لسنة 1972
بالنسبة للدفع الثاني نرى أن محكمتي أول وثاني درجة قد توصلتا إلى نتائج حول علاقة الأطراف المتنازعة دون أن تبين لنا المبادئ القانونية التي استندتا عليها في ذلك ونرى أن الفصل في ذلك الطعن يستوجب التعرض إلى الصفة القانونية اللازمة لكل من أطراف النزاع الثلاثة وما يترتب على تلك الصفة من التزامات كل اتجاه الآخر وهذا يحملنا على البحث في النقاط التالية :-
-1-
طبيعة العلاقة بين المطعون ضده (المدعي) والمحكوم ضده الأول (المدعى عليه الأول)
-2-
طبيعة العلاقة بين المحكوم ضده الأول والطاعن (المحكوم ضده الثاني)
-3-
طبيعة العلاقة بين المطعون ضده والطاعن
إننا نتفق مع المحكمة الكلية في قرارها بأن القانون المدني هو القانون الواجب التطبيق على وقائع النزاع وسوف نبدأ ببحث النقطة الأولى
العلاقة القانونية بين المطعون ضده والمحكوم ضده الأول
لا خلاف في أن المحكوم ضده الأول كان يدير الطلمبة بموجب عقد بينه وبين الطاعن وعلى ذلك الأساس كان يشغل الموقع المقامة عليه ويعتبر مسئولاً عن جميع المنشآت الموجودة بذلك الموقع وبما في ذلك البئر الذي سقط فيه المطعون ضده
إننا لا نتفق مع محامي الطاعن في تفسيره للبند (19) من العقد المبرم بين الطاعن والمحكوم ضده الأول (مستندات الدفاع 1 2 3) رغم أن ذلك البند يلقى على الأخير مسئولية الضرر الذي يصيب الشخص الثالث لأن مضمون ذلك البند قد يصلح كدفاع من جانب الطاعن من مواجهة المحكوم ضده وليس في مواجهة المطعون ضده الذي لم يكن طرفاً في ذلك العقد
من هنا فإن مسئولية المحكوم ضده تحكمها القواعد التي تحدد مسئولية شاغل العقار وهذه المسئولية لا تقوم إلا إذا كان هناك واجب نحو الطرف الثالث (المطعون ضده) ويتفاوت مدى ذلك الواجب حسب الصفة القانونية التي يحملها ذلك الطرف الثالث
والسؤال الآن هو : ما هو الوضع القانوني للمطعون ضده حينما حضر إلى الطلمبة ؟ أن السائق الذي يتردد على طلمبة البنزين لا يمكن أن يكون متعدياً وبالتالي فهو إما أن يكون مدعواً (Invitee) أو مرخصاً له (Licensce)
اختلف فقهاء القانون حول إمكانية التمييز بين الصفتين بشكل قاطع وكان المعيار القديم هو ضرورة وجود مصلحة متبادلة بين الطرفين ليكون الشخص مدعواً ثم تعديل الاتجاه القانوني وأصبحت المحاكم تأخذ بالظرف الملازم لدخول الشخص في المكان كأساس لتحديد وضعه القانوني يقول سالموند في كتابه (المسئولية التقصيرية) الطبعة الرابعة عشر صفحة 385 ما يلي :
“This requirement of community of interest is to be found in many of the cases and was approved in Jacobs VLCC in which the question was whether a customer at a stop, occupied by a tenant of the defendants, who suffered personal injuries from the defective state of the forecourt, occupied by the defen dants, was their licensee or their invitee Lords Simonds Whose judgment was concurred in by other members of the House, held that the plaintiff was a licensee because three of the Law Lord in the rather similar case of Fairman Vper petual Investment Building Society had expressed the view that such was the status of a person is those circumstance”
من هنا يمكن القول بأن المطعون ضده حينما حضر إلى الطلمبة لشراء الجازولين كان شخصاً مرخصاً له بالدخول
القاعدة القانونية العامة لا تجعل شاغل العقار مسئولاً عن الضرر الذي يصيب الشخص المرخص له بالدخول ولا يلتزم الأول باتخاذ أي تدابير لحمايته من الأخطار التي قد تكون موجودة بالعقار يقول سالموند في كتابه سالف الذكر صفحة 393 :
“the occupier of premises is under no obligation to a licensee to make them safe for use for use by him A mere licensee must be content to take the premises as they are This rule, however, is subject to three important qualifications”
ويشمل أحد تلك الإستثناءات حالة ما إذا كان شاغل العقار ملتزماً بتقديم خدمات للشخص المصرح له بالدخول ومن هنا يقع عليه واجب التأكد من سلامة المكان يقول المؤلف في صفحة 394 من كتابه سالف الذكر ما يلي
The options of a license must be distinguished from that of a person for whom the occupier has undertaken, even gratuitous contract of carriage Such contract imposes a duty of reasonable care in the performance of it, and which this duty extends to ascertaining the safe condition of the premises on which the contract is to be performed
وهنا استثناء آخر هو أن شاغل العقار ملزم بتحذير الشخص المرخص بالدخول من أي خطر يعلم وجوده إذا كان ذلك الخطر غير مرئي
“Although the occupier is not bound to use any care to make the premises safe for the use of a mere licensee, he is under an obligation to give warning to such a licensee of the existence of any concealed danger which exits on the premises and is known to the occupier He is not entitled knowingly to lead even a licensee into a trap”
(Above reference at p 393)
لقد ثبت من الوقائع أن البئر التي وقع فيها المطعون ضده كانت داخل الطلمبة وفي مكان يقرب من المكان الذي أشار المحكوم ضده الأول للمطعون ضده بالوقوف فيه كما ثبت أنها كانت غير مغطاة ولم تكن هنالك إضاءة كافية لتحذير المطعون ضده وقد أقر المحكوم ضده الأول بعلمه بخطورة البئر وليس في البينات ما يشير إلى أنه حذر المطعون ضده أو أن الأخير كان في موقف يمكنه من إدراك الخطر وبالتالي تفاديه وبذلك يكون المحكوم ضده الأول قد أهمل في أداء واجبه القانوني نحو المطعون ضده مما يترتب عليه مسئولية التعويض عن الضرر الذي أصاب المطعون ضده نتيجة ذلك الإهمال
-2-
العلاقة القانونية بين المحكوم ضده الأول والطاعن :
توصلت محكمة أول درجة إلى وجود علاقة تبعية بين المحكوم ضده الأول والطاعن ونحن لا نوافق المحكمة فيما توصلت إليه فالعلاقة بين الطرفين هي علاقة موزع مع صاحب السلعة وهي بذلك لا ترقى إلى مرتبة الوكالة يقول POWELL في كتابه قانون الوكالة الطبعة الثانية صفحة 27 ما يلي :
“In this kind of case however, the manufacturer simply gives a distributor or retailer a monopoly in the sale of the manufacturer’s goods and he will be liable for wrongfully withdrawing that monopoly The retailer is not authorized to bring the manufacturer into contractual relations with the purchasers of the goods He is a principal himself in his relations with these purchasers: and when he sells the goods he merely sells goods by a particular in the same way as a tobacconist sells Player’s cigarettes or confectioner sells Rowntree’s chocolates”
إننا نتفق مع المحكمة الكلية في أن الطاعن هو المالك للطلمبة وذلك واضح من ديباجة العقد المبرم بينه وبين المحكوم ضده الأول ولكننا نختلف معها في أن المسئولية نحو الطرف الثالث تقوم على أساس الملكية أو التزام الطاعن بصيانة الطلمبة والمنشآت حسب البند (11) من العقد ذلك لأن الالتزام في هذه الحالة يكون بالنسبة للمحكوم ضده الأول فقط وليس المطعون ضده الذي لم يكن طرفاً في العقد ومن هنا فإن مسئولية الطاعن نحو الطرف الثالث لا تنشأ إلا في ظل العلاقة القائمة بين الطاعن والمحكوم ضده الأول وبما أن الأول قد سمح للأخير باستغلال الطلمبة فإن العلاقة القانونية بينهما هي علاقة المالك بالمستأجر
-3-
العلاقة القانونية بين المطعون ضده (المدعي) والطاعن :
إننا نختلف مع التفسير الذي توصلت إليه محكمتا أول وثاني درجة بوجود التزام من جانب الطاعن لتعويض المطعون ضده فالعاقدة العامة هي أنه لا مسئولية على مؤجر العقار بالنسبة للمخاطر الموجودة به سواء في مواجهة المستأجر أو الشخص الثالث وتطبيق هذه القاعدة ولو التزم المؤجر بإجراء الإصلاحات لتدارك تلك المخاطر ويقول سالموند في كتابه سالف الذكر صفحة 417 ما يلي :-
“The landlord’s exemption from liability for dangers existing on premise in the occupation of this tenant extends not merely to injuries suffered by the tenant himself but to those suffered by other persons entering the premises during the tenancy The lease transfers all obligation towards such persons from the landlord to the tennant This was so even if the landlord has by contract with the tennant taken upon himself the duty of keeping the premises repair Such a contract was res inter alios acts, and conferred upon strangers no rights against the landlord wich they would not have had without it”
(See Cavalier V pope (1906) A C 428)
حقيقة أن القاعدة أعلاه قد تعدلت بموجب المادة 4 من قانون شاغل العقار لسنة 1957 (الإنجليزي) ولكننا غير ملزمين باتباع التشريع الأجنبي وإن لم يكن هنالك مانع من الاقتداء به إذا أن ذلك يحقق العدالة بين الطرفين وفي ظل وقائع الدعوى فقد ثبت أن المحكوم ضده الأول لم يخطر الطاعن بوجود البئر بحالتها الخطرة خلافاً لما اتفق عليه الطرفان وبالتالي لم يكن أمام الأخير أي مجال لتدارك الخطر كما أن المحكوم ضده أخذ على عاتقه واجب تعويض الشخص الثالث عن الضرر الذي يصيبه داخل الطلمبة (البند 16 من العقد) وفي هذه الحالة فإننا بتطبيق القاعدة التي أرساها المشرع سوف نحمل الطاعن عبء التزم المحكوم ضده بمواجهته وفي نفس الوقت نضع على عاتقه مسئولية التعويض عن ضرر كان يمكن تفاديه لولاء إهمال المحكوم ضده الأول في عدم إخطاره به
لذلك فإن تطبيق القاعدة العامة يكون أقرب إلى العدالة في ظل هذه الظروف
منحت المحكمة الكلية المطعون ضده 600 كتعويض عن الآلام وفقدان الدخل ونرى تأييد حكمها في ذلك الشأن إذ لا شك أن التقدير الذي توصلت إليه محكمة أول درجة لم يكن مناسباً في ضوء البينات المقدمة أمامها
عليه نأمر بشطب الدعوى في مواجهة الطاعن على أن يظل حكم المحكمة الكلية صحيحاً فيما عدا ذلك
يلزم الطاعن بالرسوم وترد له الكفالة