سابقة منشورة بمجلة 1973
سابقة منشورة بمجلة 1973
المحكمة العليا
القضاة
صاحب السعادة السيد خلف الله الرشيد رئيس المحكمة العليا رئيساً
سعادة السيد هنري رياض سكلا قاضي المحكمة العليا عضواً
سعادة السيد الصادق عبد الله قاضي المحكمة العليا بالإنابة عضواً
حسني حواش الطاعن
ضد
بابكر محمد أحمد المطعون ضدهما
م ع/ ط م/403/73
المبادئ
قانون المرافعات المدنية لسنة 1972 – التنازل عن الحكم يجب أن يكون واضحاً لا غموض فيه – المادة 160
القانون المدني لسنة 1971 – الصلح – لا يثبت إلا بالكتابة – يتعلق بالنزاع القائم أو المتحمل – وجوب الجدية في الصلح – المادة 445
-1-
التنازل عن الحكم يعتبر تنازلاً عن الحق الثابت في ذلك الحكم ولذلك يجب أن يكون واضحاً لا غموض فيه بسبب أن الحكم القضائي يجب إحاطته باحترام خاص على أساس أنه حائز على حجية الشيء المحكوم به
-2-
الصلح عقد يحسم الطرفان بمقتضاه نزاعاً قائماً أو يتوقعان به نزاعاً محتملاً وهو لا يثبت إلا بالكتابة
-3-
إذا اتضح أن البينة المقدمة إثبات الصلح لم توضح أن الصلح حسم كل النقاط المتعلقة بين الطرفين فإن هذا يعكس عدم جدية في الصلح ويفرض على المحكمة عدم الأخذ بذلك الصلح
المحامون
فتحي حسن كاشف عن الطاعن
بابكر محمد أحمد عن المطعون ضده
الحكم
21/7/1973
في 5/6/1973 تقدم الطاعن بعريضة طعن بطريق النقض من الحكم الصادر من قاضي المديرية بتاريخ 2/6/1973 في الاستئناف رقم 201/1973 كما تقدم المطعون ضده بمذكرة لدفاعه
وتتلخص وقائع الطعن في أن المطعون ضده كان قد حصل على حكم في القضية رقم 856/1972 ضد الطاعن وتقدم في 19/2/1973 بطلب لتنفيذ الحكم الذي قضى له باسترداد مبلغ 91400 مليمجنيه وإخلاء العين المؤجرة , وقيد التنفيذ برقم 141/73 , فأصدرت المحكمة الجزئية أمراً بإنذار الطاعن بالإخلاء وبحجز منقولات الطاعن لاسترداد مبلغ 103 جنيهاً و 50 مليماً عبارة عن أصل المبلغ ورسوم الحجز وحددت المحكمة جلسة 13/3/1973 ثم جلسة 29/4/1973 , بعد أن صدر حكم المحكمة الكلية برفض الطعن الذي تقدم به الطاعن , وقبل حلول الجلسة الأخيرة وفي 22/4/1973 تقدم محامي الطاعن بطلب لإثبات تنازل المطعون ضده عن الحكم الصادر لصالحه بادعاء أنه في 11/4/1973 تم اتفاق بين المطعون ضده والطاعن على أن يدفع الطاعن المبلغ المحكوم به (المنفذ من أجله) على أن يتنازل الدائن عن تنفيذ حكم الإخلاء , وقام الطاعن بتسليم المطعون ضده 100 جنيه نقداً وبقى في ذمته 3 جنيهات و 50 مليماً ومن ثم طالب باعتبار التنفيذ كأن لم يكن استناداً إلى المادة 160 من قانون المرافعات المدنية
وأنكر محامي المطعون ضده حصول أي اتفاق بين الطرفين وذكر محامي الطاعن ما يلي : (سوف نقدم الاتفاق) , فأمرت المحكمة تأجيل نظر المنازعة إلى جلسة 2/5/1973 (لإثبات الاتفاق) وفي الجلسة المذكورة , لم يتقدم محامي الطاعن بإبراز مستند التنازل المدعى به ولكنه قدم المدين فأدلى بأقواله ثم قدم الشاهد محمد الحسن الحسين وزوجة الطاعن للإدلاء بأقوالهما , وبعد أن استمعت المحكمة لأقوالهم جميعاً قضت في 8/5/1973 برفض المنازعة إذ أطرحت أقوال الطاعن وشاهديه باعتبار أنها أقوال غير مقنعة ولا يمكن أن يستخلص منها أن المطعون ضده قد تنازل عن الحكم بما يستتبع نزوله عن الحق الثابت فيه في معنى المادة 160 من قانون المرافعات المدنية وذلك رغم أن المطعون ضده قد استلم مبلغ مائة جنيه باعتبار أن ما استلم حق خالص له إذ يعتبر وفاء لجزء مما هو مستحق له بموجب الحكم الذي تم تنفيذه وأمرت بإخلاء الطاعن بالقوة الجبرية وبيع الأموال المحجوز عليها
واستأنف الطاعن الحكم لدى المحكمة الكلية (قاضي المديرية) فأمرت برفض الطعن معتمدة على نفس الأسباب التي ساقتها المحكمة الجزئية من أن الطاعن لم يقدم دليلاً بهذا الطعن
وحاصل الطعن الوحيد أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه لما قضى بأن الطاعن لم يقدم دليلاً مقنعاً في الإثبات , إذ لا يكفي للإثبات أنه قدم شاهدين لإثبات أن المطعون ضده قد تنازل عن الحكم وقال محامي الطاعن شارحاً لوجهة نظره : (أن المادة 160 مرافعات صريحة حيث قررت " التنازل عن الحكم يستتبع النزول عن الحق الثابت فيه" ولا تنص هذه المادة على طريقة معينة لإثبات واقعة التنازل مما يتوجب معه اتباع ما نص عليه في المادة 13 (4) من قانون الإثبات وهو جواز الإثبات بكافة طرق الإثبات , ويكفي لذلك بينة شاهدين قررا ذلك على اليمين أمام المحكمة الجزئية)
واسطرد محامي الطاعن يقول : (أنني أرى بكل احترام أن الطاعن قد نجح في إثبات واقعة تنازل المطعون ضده عن الحكم الصادر بالإخلاء وذلك بشهادة شاهدين على اليمين وأن المطعون ضده قد تسلم مبلغ 100 جنيه المحكوم به واعترف بذلك في محضر التنفيذ ولا استطيع أن أتصور بينة أكفأ وأكثر من بينة شاهدين)
وهذا النعي مردود عليه بأنه لا يعدو أن يكون إثارة للجدل حول تقدير الدليل مما يستقل به محكمة الموضوع ولما كان الحكم المطعون فيه المؤيد لحكم المحكمة الجزئية قد أورد الأدلة الكافية لإطراحه أقوال الشهود باعتبار أن ما قدم من بينة لا يدل على وجود تنازل عن الحكم , وأن ما قبضه المطعون ضده من مال يعتبر وفاء لجزء من المبلغ المستحق في ذمة الطاعن , وأن إنكار المطعون ضده لواقعة التنازل لم يقم دليلاً على عكسه فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض المنازعة في التنفيذ لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه , ذلك لأن محامي الطاعن لما قدم طلب المنازعة وعد بتقديم محرر لإثبات التنازل , ولكنه بدلاً من ذلك , استند على البينة الشفوية للإثبات , وأن ما انطوت عليه أقوال المدين وشاهديه من غموض واضطراب لم تطمئن إليه المحكمة , ومن ثم فلا تثريب عليها إن لم تأخذ بأقوال المدين وشاهديه , إذ أن تقدير أقوال الشهود أمر موضوعي تستقل به محكمة الموضوع , كما أن تكييفها للوقائع بأن ما حدث لا يرقى إلى درجة تنازل المطعون ضده عن الحكم يجد سنده بأنه لا يزال في ذمته مبلغ 3 جنيهات و 50 مليماً , مما يدل على أن التنازل – بفرض صحته – لم يكن شاملاً , كما أن الادعاء بأن المطعون ضده قد تنازل عما قضى به الحكم بالنسبة للإخلاء , وينطوي على غموض وإبهام , فقد ذكر على وجه الإجمال بأن الاتفاق قد قام على أن يدفع الطاعن للمطعون ضده 100 جنيه " والأجرة الشهرية 20 جنيه على أن يدفع الدائن 10 جنيه من قيمة الحكم مع الأجرة الشهرية أي 30 جنيه شهرياً "
وما يذهب إليه الطاعن في طعنه المقدم لهذه المحكمة من أن مبلغ المائة جنيه يعتبر سداداً للمبلغ المحكوم به يخالف قوله أمام المحكمة الجزئية إذ يبدو واضحاً من ذلك القول بأنه رغب في دفع المائة جنيه من الأجرة التي استحقت بعد رفع الدعوى على أن يدفع المبلغ المحكوم به على أقساط بواقع 10 جنيهات مع الأجرة المستحقة فيما بعد , وهو أمر يخالف تماماً ما ورد في حججه أمام محكمة التنفيذ وأمام هذه المحكمة , مما ينهض قرينة على عدم صحة ادعائه بالوصول إلى اتفاق محدد ملزم للمطعون ضده , ويقول الشاهد محمد الحسين لا يخلو من اضطراب وإبهام أيضاً إذ اكتفى بالقول : (تم الاتفاق أن يدفع المدين 100 جنيه والباقي 10 جنيه) ولا يبين الشاهد طريقة وكيفية خصم المائة جنيه سواء من قيمة الحكم أو المتأخرات اللاحقة ولا يوضح كيف يلتزم الطاعن بدفع 10 جنيهات شهرياً في حين أنه لو كان مبلغ المائة جنيه قد خصصت للوفاء بالمبلغ المطلوب في التنفيذ , فإن الباقي فيه 3 جنيهات تقريباً , وليس عشرة جنيهات , كما أن أقوال زوجة الطاعن لا تعدو أن كون ترداداً مضطرباً لأقوال ذلك الشاهد
ولما كان يبين مما تقدم ومن إقرار الطاعن بأن هناك متأخرات لاحقة بعد صدور الحكم في الدعوى الأولى , فإن ما جرى من مفاوضات للصلح أو لاقتناع المطعون ضده بالتنازل عن طلب الإخلاء لم يثبت بدليل صحيح طبقاً للقانون , ذلك لأنه إذا افترضنا جدلاً أن ما جرى بين الخصمين أريد به إتمام صلح من كيفية الوفاء بالمتأخرات اللاحقة وما يستحقه بعد 11/4/1973 , فإنه كان يتعين إثبات ذلك الصلح بالإقرار أو الكتابة طبقاً لأحكام المادة 445 من القانون المدني لسنة 1971 التي تنص صراحة على أنه (لا يثبت الصلح إلا بالكتابة) وهو ما عجز الطاعن عن إثباته وفق ما سلف بيانه ولقد كان من الممكن أن يتغير وجه الحكم في ذلك , لو قام الطاعن بدفع المبلغ المحكوم به ومتأخرات الشهور اللاحقة واستمر في ذلك ردحاً من الزمن , إذ قد يستدل في مثل تلك الظروف على تنازل المحكوم له عن الحكم
ولذلك فإن قول الطاعن بأن مجرد استلام المطعون ضده لمائة جنيه يعتبر دليلاً على تنازل المطعون ضده عن الحكم الصادر لصالحه غير صحيح في القانون , لأن الصلح عقد يحسم الطرفان بمقتضاه نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً , وذلك بأن يتنازل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه , ولكن لا يبين من أقوال الطاعن , ولا شهوده , كيفية حسم النزاع بين الطرفين لا بالنسبة للمبلغ المحكوم به ولا بالنسبة للمتأخرات اللاحقة التي استحقت في ذمة الطاعن , وسكوت الطاعن عن كل ذلك ينهض قرينة على عدم الجدية في الصلح , وعلى أنه لم يتم اتفاق بين الخصمين , إذ أقر الطاعن بأن المطعون ضده طلب منه دفع مبلغ 50 جنيهاً شهرياً ولكن لم يقبل ذلك , كما لم يقدم الطاعن دليلاً صحيحاً في القانون على ثبوت الصلح مكتفياً بمجرد ادعاء بالتنازل أو الصلح مما لا يصلح سبباً أوقف إجراءات التنفيذ واعتبارها كأن لم تكن , ذلك لأنه يجب إحاطة الحكم القضائي باحترام خاص على أساس أنه حائز لحجية الشيء المحكوم به , وأن التوسع في إثبات وتفسير التنازل بمثل ما ذهب إليه الطاعن يطرح النزاع الحائز على تلك الحجية للنزاع من جديد , ويفتح ثغرة خطيرة للتحايل على الأحكام الصادرة تعطيلاً للإجراءات , على ما أشار إلى ذلك بحق محامي المطعون ضده
ولما كان المطعون ضده قد أقر بواقعة استلامه مبلغ المائة جنيه , فإنه لا يجوز له استرداد أكثر مما هو مستحق له , بعد خصم ذلك المبلغ من قيمة التنفيذ ولكن لا يطعن على إصدار أمر البيع حتى لو كان باقي المتأخرات ضئيلاً , كما هو الحال بالنسبة لوقائع هذا التنفيذ
لكل ذلك يتعين رفض الطلب وإلزام الطاعن بالرسوم ومصادرة نصف الكفالة ورد الباقي للطاعن