سابقة منشورة بمجلة 1973
سابقة منشورة بمجلة 1973
المحكمة العليا
القضاة
صاحب السعادة السيد/ خلف الله الرشيد رئيس المحكمة العليا رئيساً
سعادة السيد/ مهدي الفحل رئيس محكمة الاستئناف عضواً
سعادة السيد/ الصادق عبد الله قاضي المحكمة العليا بالإنابة عضواً
حسن إسماعيل فريني الطاعن
علي يعقوب تبيدي المطعون ضده
م ع/ط م /520/73
المبادئ
قانون تقييد الإيجارات لسنة 1953 – الحاجة الماسة لغير السكن – وجود عمل حقيقة – توسيع دائرة نشاطه – المادة 11(د)
(1)
الدفع بأن بيع العقار كان صورياً بغرض التحايل على قانون الإيجارات لإخلاء المستأجر يلقي العبء على المدعى لإثبات أن التسجيل باسم المالك الجديد قد تم عن طريق الغش كنص المادة 85 من قانون تسوية الأراضي وتسجيلها لسنة 1925
(2)
إن قاعدة الحاجة الشخصية الماسة تنطبق على المساكن والمتاجر على حد سواء وبالتالي يكون لها في الحالتين نفس المعنى الذي فسرته المحاكم في السوابق القضائية مع مراعاة الاختلاف الذي تحدثه عبارة " في كل الظروف " الواردة بشأن العقارات غير السكنية
(3)
الحاجة الماسة في حالة السكن لا تختلف من حالة إلى حالة لتعلقها بسكن واحد فقط أما فيما يتعلق بمكان العمل فإنها قد لا تقتصر على مكان واحد بالنظر إلى كم العمل وضخامته
(4)
استمرار المالك على نفس الحالة لأمد طويل لا يترتب عليه الحكم باستمرار نفس الحالة لأن ذلك يتعارض مع سنة التطور التي تحتم التغيير إلى الأحسن
(5)
وجود العمل التجاري حقيقة مع اتخاذ خطوات جادة لتوسيع دائرة نشاطه يشكل السبب الأساسي لاسترداد الحيازة فيما يتعلق بالعقارات غير السكنية
المحامون
عبد الله الحسن وأبو شكيمة عن الطاعن
السر خليل عن المطعون ضده
الحكم
14/10/1973
هذا طعن تقدم به الطاعن (المدعى عليه ) حسن إسماعيل فريني ضد حكم قاضي مديرية الخرطوم الصادر بتاريخ 24/6/1973 الذي قضى بتعديل حكم المحكمة الجزئية الصادر لصالح الطاعن
تتلخص وقائع هذا الطعن في أن المطعون ضده (المدعى) على يعقوب تبيدي المالك المسجل للدكان الواقع في القطعة نمرة 1(2) مربع 3 و غرب مدينة الخرطوم قد رفع دعوى في مواجهة الطاعن بإخلاء الدكان المذكور للحاجة الماسة
ناهض الطاعن الدعوى بحجة أن المطعون ضده بالرغم من أنه المالك المسجل للدكان موضوع النزاع ألا أن الملكية قد آلت إليه بطريقة صورية وأن الشخص الذي سيستفيد من هذا الموضوع هو شقيقه الأمين تبيدي المالك السابق لنفس الدكان وحقيقة الأمر في نظر الطاعن أن الأمين تبيدي الذي اشترى الدكان في بادئ الأمر من المدعو الزيات وجد ألا سبيل إلى إخلاء الطاعن وعليه باع الدكان بيعاً صورياً لشقيقه علي يعقوب وهو لا يملك دكاناً آخر حتى يتمكن من إخراج الطاعن ويقول الطاعن أن الزيات المذكور كان قد رفع دعوى عليه قبل بيعه الدكان وأنه فشل في إخراج الطاعن ولذلك السبب باع الدكان للأمين تبيدي
قضت المحكمة الجزئية لصالح الطاعن ولكن محكمة المديرية عدلت حكم الجزئية إذ أنه جاء ضد وزن البينات وقضت بالحيازة لصالح المطعون ضده لما ثبت لديها من الحاجة الماسة للاستعمال الشخصي في جانب المطعون ضده وضد حكم محكمة المديرية قدم هذا الطعن
يتلخص الطعن في الآتي
(1)
قررت المحكمة الجزئية أن البيع كان صورياً وهذا يستدل من وجود وثيقتين: مستند إدعاء (1) ومستند إدعاء (2) الأولى عبارة عن عقد بيع من شقيق المطعون ضده بتاريخ 4/11/1970 لبيع الدكان بمبلغ 4000جنيه والوثيقة الثانية عبارة عن عقد رهن لنفس الدكان بنفس المبلغ وهذا يوضح أن المطعون ضده وشقيقه الأمين قد تآمرا على البيع حتى يتمكنا من إخراج الطاعن ثم أن الثمن لم يدفع نقداً وأن الرهن لم يسجل وقد تبين أن المستند الثاني قد ظهر بما يفيد فك الرهن ولكن بعد رفع القضية بأكثر من شهرين كل ذلك يشكل قرينة قوية ضد المطعون ضده
(2)
لم تناقش محكمة المديرية صورية المبايعة وقبلت التسجيل كحجة مسلم بها رغم أن تسجيل الدكان لم يكن موضوع نزاع ولا موضوع نقاش وكان على القاضي مناقشة الدفع بالصورة وبالتالي اختلط الأمر على قاضي المديرية ورتب حكمه على مناقشة خارج الموضوع
(3)
وعلى سبيل الاحتياط فإن الحاجة الماسة لم تثبت للأسباب الآتية
أولاً: إذا تبين أن المطعون ضده قد قضى 43 سنة في فرندة أخيه خضر يعقوب تبيدي ثم فرندة الأمين تبيدي وحتى رفع الدعوى فما الذي جد في ظروفه حتى يعمل صائغاً في دكان المنفصل
ثانياً: أن مجرد امتلاك الدكان لا يعطيه الحق في الحيازة للاستعمال الخاص لأنه لا يملك الخبرة ولا المقدرة التي تمكنه من مباشرة العمل
ثالثاً: ثبت أن المطعون ضده عاجز عن العمل ولم يستخرج رخصة طيلة الثلاث وأربعين سنة التي قضاها في العمل
رابعاً: عجز المطعون ضده عن أن يثبت أنه بذل جهده للحصول على محل للأجرة طيلة حياته
رد محامي المطعون على الطعن يتلخص في الآتي
(1)
الاستنتاج بأن العقد كان صورياً بني على أساس خاطئ إذ ليس هناك ما يستغرب في أن يبيع شقيق دكاناً لشقيقه ثم يرهنه بنفس المبلغ ثم ما المانع في أن يهب له الدكان دون مقابل وسبب الرهن يرجع إلى المطعون ضده الذي أصر عليه وكان ذلك مقابل دين في ذمته لأخيه
(2)
لم يقدم دليل على عدم مقدرة المطعون ضده المالية للقيام بالعمل
(3)
أن المطعون ضده وهو صائغ ورث هذا الفن عن آبائه أثبت حاجته الماسة بما فيه الكفاية وكونه قضى مدة يعمل في فرندة تفسيره بسيط هو أنه لم يكن يملك القدرة على اقتناء دكان ولكن لما تحسنت أحواله رأى أن يوسع أعماله
(4)
العجز الجسماني لم يمنع المطعون ضده من القيام بعمل الأختام ثم أن عمله كصائغ لا يحتم عليه العمل بيده بل هو عمل إشرافي
وباستقراء كافة الأوراق يتضح أن الطاعن يسلم بأن ملكية الدكان موضوع النزاع قد انتقلت بالشراء ولكن النزاع ينحصر في نقطتين وقد اتفق عليهما أمام المحكمة الجزئية
النقطة الأولى
هل كان انتقال الملكية إلى (المطعون ضده) المدعى من المالك السابق صورياً؟
النقطة الثانية
إذا كانت الإجابة بالنفي هل يحتاج (المطعون ضده) المدعى للقطعة محل النزاع لاستعماله الشخصي لاحتياجه الماس والحالي والضروري؟
كان على الطاعن المدعى عليه عبء إثبات النقطة الأولى ووقع على المطعون ضد (المدعى) عبء إثبات النقطة الثانية ومن الأدلة التي ثبتت أمام المحكمة استنبط القاضي أن البيع كان صورياً وأنه لذلك السبب قضى بشطب الدعوى ألا أن قاضي المديرية لم يجد وجهاً لذلك الاستنباط وقضى بإبدال الحكم
ومن حيث أن واقعة البيع قد تمت وأن الملكية قد انتقلت بالشراء كما سلم بذلك الطاعن وبما أن عقد البيع قد سجل بموجب قانون تسوية الأراضي وتسجيلها لسنة 1925 وأن هذا التسجيل حجة في مواجهة الكافة ألا إذا ثبت أن التسجيل قد تم عن طريق الغش حسب منطوق المادة 85 من القانون المشار إليه وبما أن شيئاً من هذا لم يثبت فإن المالك المسجل يكون بذلك التسجيل قد ملك كل الحقوق المترتبة على التسجيل كما تقضي بذلك المادتان 25 و26 من قانون تسوية الأراضي وتسجيلها المشار إليه وعليه لا يكون حكم قاضي المديرية المطعون فيه قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه أو تأويله عندما قضى بذلك ثم أن قاضي المديرية قد أصاب كبد الحقيقة عندما قضى بأن (المدعى عليه) الطاعن لم يستطيع إثبات الغش وأنه لم يقدم بينة في ذلك الخصوص كما أن عبء الإثبات جد ثقيل وبالتالي فإن استباط المحكمة الجزئية للغش لم يستند على دليل ثابت من مجموع الأدلة الثابتة أمامها ويحق للمحكمة الاستئنافية مخالفة محكمة الموضوع في هذا الصدد كما هو ثابت ومقرر
إن مجرد إقراض البائع للمشتري ثمن البيع أو تسجيل رهن بثمن القطعة أو إبرام عقد رهن للقطعة دون تسجيل بصفة رسمية لا يقدح في صحة انتقال الملكية بل ليس هناك ما يحول دون انتقال الملكية إذا تبرع المالك بالدكان لأخيه لأن العبرة بانتقال الملكية والتسجيل شهر لتلك الملكية وهو بينة نهائية في مواجهة الكافة إلا إذا ثبت الغش كما قدمنا ويحق للمالك السابق أو البائع فقط أن يثير هذا الدفع وليس للمستأجر أن يتذرع به وعلى المستأجر أن يعني بحق المنفعة الذي يتمتع به عليه فإن السببين الأول والثاني الذي أثارهما الطاعن ليس لهما ما يسندهما
ويطعن محامي الطاعن بالسبب الثالث في ثبوت الحاجة الماسة وساق لذلك أسباباً أجملها في عجز المطعون ضده المادي والجسماني عن القيام بعمل الصياغة وأنه لم يستخرج رخصة طيلة حياته وأنه ظل على هذا الوضع لثلاث وأربعين سنة ولم يجد جديد يجعله يغير ذلك الوضع
وهذا النعي لا يجد سنداً من الوقائع الثابتة أمام المحكمة فقد ثبت من مجموع الأدلة ومن اعتراف الطاعن نفسه وشهوده أن المطعون ضده ولد في عائلة تشتغل بصياغة الذهب وأنه ظل طيلة حياته يعاقر هذه المهنة وله الآن ثلاث وأربعين عاماً يمارس ضروباً من هذا الفن وأنه الآن يحفر الأختام رغم عجز يده لأن " الصناعية " يمسكون له الختم أثناء الحفر وقد ثبت من مجموع الأدلة أيضاً ومن أقوال الطاعن نفسه أن الصائغ عادة لا يشتغل بيده ولكن يشترط فيه المهارة والخبرة حتى يتمكن من مراقبة العمال وأن جل عمله كصاحب دكان للصاغة هو معرفة أعيرة الذهب ووزنه وبيعه وإدارة المحل ولعل هذه المعلومات الثابتة بالأدلة تكاد تكون معلومات عامة لا يختلف فيها الناس وقد ثبت ايضاً أن أبناء المطعون ضده قد كبروا وأنهم يقومون بمساعدته وثبت أيضاً أنه أصبح يتطلع إلى مستوى أفضل بعد ما تمكن من تحسين موقفه وأن الطاعن لم يستطيع مناهضة ذلك بدليل مقبول
وقد ذكر محامي الطاعن أن المطعون ضده لا يملك المقدرة المالية على القيام بعمل الصياغة ولذلك ليست له حجة في توسيع عمله ولم ترد بينة توضح أن المطعون ضده لا يشتغل بالصياغة وهذه نقطة هامة جداً في تقدير الحاجة الماسة في حالة الأماكن الخاصة للعمل كما جرى بذلك قضاء السودان
والسابقة العمدة في هذا المجال هي قضية محمد صالح خضر ضد حسن الطاهر _1967) مجلة الأحكام القضائية ص 148 فقد أرست هذه السابقة القواعد الآتية
(1)
أن المادة 11 "د" من قانون تقييد الإيجارات تنطبق على المساكن والدكاكين على حد سواء وبالتالي يجوز لصاحب الملك أن يطالب بالحيازة للحاجة الماسة إذا أراد الدكان لشخصه
(2)
الحاجة الماسة تعبر عن نفس المعنى الذي فسرته المحاكم في السوابق باسترداد الحيازة في حالة المساكن لأنه لا يجوز أن يكون لنفس العبارة الواردة في ذات القانون معنيان مختلفان إلا أنه يوجد اختلاف بين حالة السكن وحالة الدكان " أماكن العمل " وينحصر ذلك الخلاف بطبيعة الحال فيما تعنيه عبارة " في كل الظروف " والواردة في صلب المادة 11 " د " المشار إليها
(3)
إن ظروف السكن تختلف عن ظروف العمل وذلك فيما يتعلق بالحاجة الماسة إذ أنه بينما نجد أن الحاجة الماسة فيما يختص بالمساكن لا تختلف من حالة إلى حالة لتعلقها بمسكن واحد فقد ألا أننا نجد أن الحاجة الماسة تختلف من حالة إلى حالة فيما يتعلق بمكان العمل لأنها قد لا تقتصر على مكان واحد ومرد ذلك إلى أن الحاجة الماسة في حالة السكن قد لا تتعدى المنزل الواحد ولكن في حالة العمل قد تتعدى إلى أكثر من دكان بالنظر إلى كم العمل وضخامته
(4)
ليس من واجب المحاكم منع الناس من السعي إلى المزيد من الربح في الأعمال التجارية باتساع نشاطهم وبالإدارة الحسنة الرشيدة لأن الربح والخسارة مسائل طبيعية تترتب على الأعمال التجارية ولكن المهم أن يكون هناك عمل تجاري وأن يكون هناك دأب للتوسع فيه
وبتطبيق هذه المبادئ على القضية الماثلة نجد أن الحاجة الماسة لاستعمال الدكان قد ثبتت بالوقائع الآتية
أولاً: لا اختلاف في أن المطعون ضده يعمل في فن الصياغة وأنه لم ينقطع عن عمل الصياغة طيلة الثلاث وأربعين سنة الماضية وهذا يدل على مثابره في العمل
ثانياً: أن المطعون ضده يباشر أعماله في فرندة أخية الأمين تبيدي وأن الشمس تزور هذه الفرندة من الساعة السابعة صباحاً حتى الحادية عشر مساء مما يزيد من العنت الذي يلاقيه الرجل
ثالثاً: إن وجود المطعون ضده في الفرندة لم يفت من عضده ولم يمنعه من مباشرة أعماله رغم أنه لا يسمح له بالإنطلاق في مناشط عمل الصياغة المختلفة إذ هو لا يستطيع فرش المصاغات خوفاً من السرقة وخوفاً من الاتساخ وخوفاً من سلطات البلدية إذ أن العمل في الفرندة محظور
رابعاً: أن ترجيح البيانات يشير إلى أن حالة المطعون ضده المادية قد أخذت في التحسن وأنه في موضع يمكنه من اتساع دائرة نشاطه وأنه في كل الظروف ظل يتطلع إلى وضع أفضل
إن بقاء المطعون ضده طيلة هذه المدة متنقلاً في الفرندات لا يترتب عليه الحكم على استمرار نفس الحالة أبد الدهر وإلا لحكمنا علي وقف كل تطور في جميع مرافق الحياة إذ أن سنة التطور تحتم التغيير إلى الأحسن دائماً والإنسان يتطلع بحكم الطبيعة إلى الأفضل بل أن كل عمل يبدأ من القاعدة وكما يقول المثل الصيني أن مسيرة ألف ميل تبدأ بخطوة واحدة والمطعون ضده بدأ مسيرة بطيئة وسار بخطى سلحفائية حتى فتح الله عليه وليس من العدل في شئ حرمانه من التمتع بملكه ما دام قد أقام حجته بوضوح وما دام قد تحقق له حلم ظل يراوده طيلة حياته
والنقطة الأساسية في استرداد الحيازة في هذه الحالة هي وجود العمل التجاري وما دام هذا العمل قد ثبت وما دام حاجة المطعون ضده قائمة وما دام دأبه السعي إلى توسيع دائرة نشاطه حتى يكسب ربحاً أكثر فليس للمحاكم أن تضع العوائق في سبيل بلوغه تلك الغاية
عليه نرى تأييد حكم قاضي المديرية وشطب الطعن وإلزام الطاعن بالرسم
أمر:
(1)
يؤيد حكم قاضي المديرية
(2)
يشطب الطعن بالرسم
(3)
يرد نصف الكفالة