سابقة منشورة بمجلة 1973
سابقة منشورة بمجلة 1973
المحكمة العليا
القضاة
صاحب السعادة السيد/ خلف الله الرشيد رئيس المحكمة العليا رئيساً
سعادة السيد/ هنري رياض سكلا قاضي المحكمة العليا عضواً
سعادة السيد/ الصادق عبد الله قاضي المحكمة العليا بالإنابة عضواً
مصلحة المساحة الطاعن
/ضد/
ورثة جمعة إبراهيم المطعون ضده
م ع/ط م /491/73
المبادئ
القانون المدني لسنة 1971 – افتراض الخطأ في بعض حالات الضرر – وجوب ثبوت القوة القاهرة لدحض الافتراض – المواد 149 و161
(1)
ينشئ القانون المدني لسنة 1971 قرينة على مسئولية حارس الآلة الميكانيكية متى سبب ضرراً للغير وتقوم هذه القرينة على افتراض خطأ الحارس والذي يعتبر ملزماً بتحقيق غاية معينة هي وجوب عدم إفلات زمام الشئ المحروس منه حتى لا يتسبب في إضرار الغير
(2)
لا سبيل لدحض هذا الافتراض إلا بإثبات أن الضرر حدث نتيجة لقوة قاهرة
(3)
هذه القاعدة تشمل المبدأ القانوني الذي قالت به قاعدة القانون العام الإنجليزي (Res Ipsa locquitur)
المحامون
إبراهيم ميرغني عن النائب العام عن الطاعن
عبد الله صالح ومصطفى عبد القادر عن المطعون ضدهم
الحكم
8/10/1973
في 8/7/1973 تقدمت الطاعنة بعريضة طعن بطريق النقض من الحكم الصادر في الاستئناف رقم 24/1972 بتاريخ 23/5/1973 والذي تم إعلان الطاعنة به في 14/6/1973 كما تقدم المطعون ضدهم بمذكرة لدفاعهم
وتتلخص وقائع الطعن في أن المطعون ضدهم أقاموا الدعوى رقم 63/1970 أمام قاضي المديرية ضد الطاعنة (المدعى عليها) مطالبين باسترداد مبلغ 6000 جنيه كتعويض عن فقدهم لعائلهم الوحيد ولما عانوا من الآم تأسيساً على أنه في 17/4/1968 ركب جمعة إبراهيم أثناء تأدية عمله العربة رقم 1029 "د" التابعة للطاعنة (المدعى عليها) وكان يقودها في الطريق بين الدرابي والقضارف بطيش ورعونة وإهمال سائق العربة مما أدى إلى انقلاب العربة وإصابة مورث المطعون ضدهم بأذى خطير أدى إلى وفاته فوراً وأن مورثهم كان العائل الوحيد لوالدته واخوته
وأنكرت الطاعنة بأن يكون الحادث قد نشا نتيجة خطأ سائق العربة إذ لم يكن يقودها بسرعة شديدة وكانت حالة الفرامل جيدة كما دفعت أيضاً بأن الحادث كان نتيجة قوة قاهرة أثر كسر أمية العربة الأمامية
وبعد أن استمعت المحكمة لأقوال الخصوم وشهودهم قضت في 20/2/73 لصالح المطعون ضدهم (المدعى) وألزمت الطاعنة (المدعى عليها) بدفع مبلغ 800 جنيه فضلاً عن المصروفات والرسوم وذلك تأسيساً على ثبوت الخطأ من جانب سائق السيارة إذ كانت وعورة الطريق وخشونته تتطلب منه السير في هدوء وأن قيادته للسيارة بسرعة شديدة هي التي أدت إلى انقلاب العربة وأنه لولا ذلك لما انكسرت أمية العربة ومن ثم انتهت المحكمة إلى أنه لا حاجة لمناقشة نقطة النزاع الثانية المتعلقة بانقلاب العربة بسبب كسر الأمية
واستأنفت الطاعنة الحكم لدى محكمة الاستئناف فقضت برفضه تأسيساً على السبب الذي أوردته المحكمة الكلية واستناداً أيضاً إلى أن الطاعنة لم تقدم دليلاً على أن الحادث قد وقع نتيجة كسر الأمية باعتبار أن ذلك قوة قاهرة
وفي ذلك قالت محكمة الاستئناف (ووضع اللوم كله على " الأمية " منطق غير سليم إذ أن الأمية تكسر إذا تعرضت لاستعمال غير عادي ولا تكسر من تلقاء نفسها ولا شك أن السير بعربة ثقيلة كتلك العربة بتلك السرعة في شارع ردئ كالشارع الذي سلكه السائق لا بد أن يكسر الأمية وعليه نتفق مع محكمة الموضوع في ربط الحادث بفعل السائق – والمستأنفة – تبعاً لوجود علاقة السببية
ومن ثم تقدمت الطاعنة بهذا الطعن بطريق النقض وحاصل الطعن الوحيد أن الحكم المطعون فيه المؤيد لحكم المحكمة الكلية واستناداً أيضاً إلى أن الطاعنة لم تقدم دليلاً على أن الحادث قد وقع نتيجة كسر الأمية
واستأنفت الطاعنة الحكم لدى محكمة الاستئناف فقضت برفضه تأسيساً على السبب الذي أوردته المحكمة الكلية واستناداً أيضاً إلى أن الطاعنة لم تقدم دليلاً على أن الحادث قد وقع نتيجة كسر الأمية باعتبار أن ذلك قوة قاهرة
وفي ذلك قالت محكمة الاستئناف ( ووضع اللوم كله على " الأمية " منطق غير سليم إذ أن الأمية تكسر إذا تعرضت لاستعمال غير عادي ولا تكسر من تلقاء نفسها ولا شك أن السير بعربة ثقيلة كتلك العربة بتلك السرعة في شارع رديء كالشارع الذي سلكه السائق لابد أن يكسر الأمية وعليه نتفق مع محكمة الموضوع في ربط الحادث بفعل السائق – والمستأنفة – تبعاً لوجود علاقة السببية
ومن ثم تقدمت الطاعنة بهذا الطعن بطريق النقض وحاصل الطعن الوحيد أن المحكم المطعون فيه المؤيد لحكم المحكمة الكلية قد أخطأ في تطبيق القانون إذ قضى بأن هناك رابطة سببية بين انقلاب العربة وخطأ قائدها في حين أن الحادث قد وضع نتيجة حادث مفاجئ هو انكسار أمية العربة
وقال محامي الطاعن شارحاً لوجهة نظره
لقد قصرت المحكمتان الموقرتان حكميهما على بحث نقطة النزاع الأولى واعتمدتا على ما ورد في شهادة شهود الدفاع لتأكيد وعورة الطريق والسرعة التي كانت تسير بها العربة ولكنهما تجاهلتا الدفع الذي تقدمنا به وصاغته المحكمة في نقطة النزاع الثانية ومؤداها أن الحادث وقع نتيجة خارج من المدعى عليها
أن في اعتبار المحكمتين لواقعة كسر الأمية دلالة كافية على إهمال السائق وعدم يغظته وتبصره وصدور الحكم بناء على ذلك الاستنتاج ما يؤكد تطبيق المحكمتين الموقرتين لمبدأ “ Res Ipsa Locquitur" وهو مبدأ مستمد من القانون العام الإنجليزي والذي قررت محاكمنا عدم صحة الالتزام به في القانون المدني " أنظر حكم المحكمة الكلية بالخرطوم في قضية طه محمد علي ضد جامعة الخرطوم ووزارة الصحة قم/11/69 وقد ذكرت المحكمة الموقرة تعليقاً على انطباق المادة 149 من القانون المدني لسنة 1971 ومبدأ Res Ipsa Locquitur" ” التالي
" ذهب القانون الإنجليزي إلى حد تطبيق نظرية ال " Res Ipsa Locquitur " على هذه الحالة واضعاً على سلطات المستشفى عبء إثبات عدم الإهمال وتسترشد المحاكم السودانية بالأحكام الأجنبية باعتبارها (مبادئ العدالة) وترى المحكمة أن إلقاء عبء الإثبات في هذه الحالة على المدعى يتمشى ومبادئ الشريعة والمبادئ القانونية أخذاَ بمبدأ البينة على من أدعى "
وهذا النعي مردود عليه في شقه الأخير القائل بأن قاعدة Res Ipsa Locquitur"" قاعدة إنجليزية لا تلتزم بها محاكم السودان بعد صدور القانون المدني الجديد لسنة 1971 ليس صحيحاً ذلك لأن المادة 161 لما نصت على أن " كل من تولى حراسة أشياء تتطلب حراستها عناية خاصة أو حراسة الآت ميكانيكية يكون مسئولاً عما تحدثه هذه الأشياء من ضرر ما لم يثبت أن وقوع الضرر كان بسبب خارج عن إرادته وذلك مع عدم الإخلال بما يرد في هذا الشأن من أحكام خاصة " قد وضعت قرينة على مسئولية حارس الآلة الميكانيكية مثل السيارة متى سببت ضرراً للغير تقوم على أساس خطأ مفترض إذ يعتبر الحارس ملزماً بتحقيق غاية معينة هي ألا يفلت زمام الشيء أو الآلة منه حتى لا يضار الغير والحكمة من وراء هذا النص هي تخفيف عبء الإثبات على المضرور بأن ينقل عبء إثبات كيفية وقوع الحادث والأسباب التي تعفي من المسئولية حارس السيارة ويتحصل في إثبات السبب الخارج عن الإرادة مثل الحادث المفاجئ أو القوة القاهرة أو خطأ من المضرور أو خطأ من الغير كما هو منصوص عليه في المادة 151 من القانون المدني السوداني وهذا القانون إذ نص على ذلك قد اقتفى أثر معظم التشريعات الحديثة وهو يتوافق والحال هذه مع تلك القاعدة الإنجليزية توافقاً تماماً لأن تلك القاعدة لا تعدو أن تكون قاعدة للإثبات قائمة على مقتضى العقل والمنطق ومؤداها أنه إن كان الحادث يفصح عن نفسه أي كان يدل على إهمال ظاهر يتحدث عن نفسه كأن يتخطى قائد العربة الطريق ليعبر رصيف المشاة فإن من العسف أن يتطلب من المضرور من ذلك الفعل إثبات الخطأ في جانب فاعل الضرر لأن الضرر لا يفصح عن الخطا فحسب بل يفضحه ومن ثم لا تنتفي مسئولية فاعل الضرر إلا بإثبات السبب الأجنبي على الوجه الذي تقره المادتان 151 و161 من القانون المدني ومن ثم يكون هذا القانون قد ذهب إلى أبعد مما ذهبت إليه القاعدة الإنجليزية في حماية المضرور للحكمة التي سالف بيانها وهي أنه يتعذر على المضرور في الغالب الأعم معرفة كيفية وقوع الحادث ومن ثم على فاعل الضرر حارس الشئ أن يبين ذلك ويثبته وإلا وجبت مساءلته
والشق الثاني المتعلق بقول الطاعنة بأن الحكم المطعون فيه لم يتطرق لنقطة النزاع الثانية الخاصة بالدفع بأن الحادث كان نتيجة قوة قاهرة وأن اعتبار كسر الأمية دلالة على الخطأ من جانب سائق العربة خطأ من الحكم مردود عليه أولاً بأن الطاعنة لم تبين وجه مخالفة القانون في ذلك إذ لم تنع على الحكم خطأ استخلاص الحكم المطعون فيه ولا حكم المحكمة الكلية من أن انقلاب العربة يعزي أساسً إلى خطأ قائدها وإن كسر الأمية كان بسبب إهماله وليس نتيجة حادث قهري أو قوة جبرية كما أن الطاعنة لا تتمسك بأن هناك في الأدلة ما يثبت أن الحادث قد نتج بسبب قوة قاهرة حتى يمكن أن يقال أن منطوق الحكم خاطئ بحسب النتيجة التي توصل إليها ذلك لأنه متى كان من الثابت أن محكمة الموضوع قد فحصت ومحصت نقاط النزاع بين الخصمين وتناولت بحث أركان المسئولية التقصيرية بحثاً دقيقاً وانتهت من منطق سديد إلى أن سبب الحادث هو خطأ سائق العربة وليس بسبب آخر مثل القوة القاهرة أو الحادث الجبري فإنها تكون قد أعملت فكرها في دفع الطاعنة بل في الواقع من الأمر الذي طرحته لأسباب اطمأنت إليها وأن قصر في ذلك تسببيها بعض الشيء ولذلك متى كان من الممكن أن تقوم مساءلة الطاعنة وفقاً لأحكام المادة 161 فإن النتيجة في الحالين واحدة وهي ثبوت الخطأ في جانب الطاعنة ومسئوليتها عن تعويض الضرر دون قيام دليل على أن الحادث كان بسبب قوة قاهرة أو حادث جبري
ولما كان من الثابت في الأدلة الواردة في الدعوى أن سائق عربة الطاعنة كان يقودها في طريق وعر وخشن بسرعة 35 أو 40 ميلاً في الساعة فإن الحكم المطعون فيه إذ رتب على خطأ قائد العربة انكسار الأمية والضرر الناتج للمتوفى لوجود علاقة سببية مباشرة بين ذلك الخطأ المرتكب والضرر ولعدم وجود دليل في الأوراق على انقطاع حلقات السببية بين ذلك الخطأ والضرر أو على تفسير معقول أو مقبول لوقوع الحادث غير مجرد الإدعاء بأن " الأمية " قد كسرت وهو إدعاء عار من الدليل لم تؤيده بينة فنية ولا تجربة عملية فإن الحكم يكون بحسب النتيجة التي انتهى إليها موافقاً للقانون سواء قام على أحكام المادة 149 أو أحكام المادتين 151 و161 إ ذ لا يؤثر ذلك على النتيجة متى كان من الثابت أن الحكم لم يلتفت عن الدفاع المقدم من جانب الطاعنة في الواقع من الأمر بل عالجه علاجاً مستفيضاً لأن سبب كسر " الأمية " كان مدار بل جوهر المسألة المطروحة في النزاع
لما كان ذلك وكان منطوق الحكم موافقاً للقانون بسبب النتيجة بناء على وقائع الدعوى وأدلتها وأسانيدها ولم يكن هناك إخلال بحق دفاع الطاعنة فإنه يتعين رفض الطعن إعمالاً لأحكام المادة 248 من قانون المرافعات لسنة 1972م
ولذلك نأمر بما يلي
(1)
يرفض الطعن
(2)
إلزام الطاعنة بالرسوم
(3)
مصادرة نصف الكفالة ورد الباقي للطاعنة